| مقـالات
أطفالي الصغار حينما يعطب أي شيء بين أيديهم، أي شيء سواء كان جهازاً أو لعبة أو ثوباً، فإن الحل الأوحد والأمثل والأقرب لديهم هو استبداله بآخر جديد!! لأنهم أولاً لا يفكرون بإصلاحه وثانياً لا يستطيعون العيش دونه، ومن خلال هذه العلاقة المتوترة مع المقتنيات يبرز لنا الطابع الاستهلاكي الواضح الذي أمسى يؤطر الكثير من علاقاتنا مع العالم من حولنا.
والذي أعرفه بأن مهرجانات التسوق هي جزء من فعاليات النشاط السياحي وليس كلها، ولكن مهرجانات التسوق أضحت هي المحور الذي تدور حوله الكثير من الأنشطة السياحية في مدننا، وكأننا هنا نبث رسالة خفية لكنها أيضا قوية تخبر الصغار بأن الاقتناء وعمليات الشراء وتكديس السلع هما المصدر الوحيد للمتعة والسياحة المبهجة، وان الفوز الحقيقي لا يتم إلا من خلال الحصول على سلعة ثمينة من خلال رقم محظوظ او فائز!!.
وهذا بالضبط هو التربة الخصبة التي تنبت ظاهرة التشيؤ أي عندما تتحدد قيمة الأفراد بالشيء او السلعة التي يمتلكونها، وقد يبدو الأمر أكثر معقولية فيما لو كنا نحن المصنعين لهذه السلع او المبتكرين لها، وبالتالي تحمل بصمتنا الوطنية والقومية، ولكن الجميع يعلم بأننا لا نقرأ حتى دفتر تعليمات الاستعمال المرفق بالسلعة، ونكتفي بعلاقة مؤقتة وسريعة تؤمن الحد الأدنى من احتياجاتنا.
هذا الطابع السلعي الاستهلاكي الذي يسيطر على علاقاتنا مع محيطنا لابد ان يخلق او يؤسس لعلاقة مهزوزة ومضطربة على جميع الأصعدة.
فنفقد خاصية الصبر والالتزام والانضباط المسؤول الذي يأتي من خلال علاقات قوية ومتينة تماماً كعلاقة الفلاح مع حقله تلك العلاقة التي تتجاوز محدودية الآني والحاضر وتزرع اشجار المستقبل لأنه وببساطة كل شيء مزعج وغامض او غير مفهوم من الممكن ان يستبدل بسواه من أقرب محل مجاور.
فالزوج المزعج من الممكن ان يستبدل لنحضر آخر جديد ولامع!! والصديق المتعب من الممكن ان نلقي به في أول منعطف ومن ثم نقرع باب الأيام كي تجلب بديلا له، الخادمة التي لا تشبه توقعاتنا نقلعها من أمام أعيننا من خلال إعلان خادمة للتنازل!! وطبيب التجميل من الممكن ان يريحنا من أنوفنا أو يشفط بعض الدهن المتراكم او ينظم احوال فك بارزة.
ولأننا جميعا نعلم بأن هذا يتقاطع مع ما يسمى بالولاء والانتماء والتجذر عميقا في قضايانا ومواجهتنا مع اشكاليات الحياة من حولنا، ويتناقض مع القانون الكوني الذي يجعل النجاح والتفوق هو ثمرة الصبر والدأب الالتزام فقط وليس سواهما فإننا سنبقى تحت مظلة هذا الهوس الجماعي الذي لا يبدو له انفكاك على المستوى القريب.
البريد الإلكتروني: omaimakhamis@ yahoo.com
|
|
|
|
|