| مقـالات
عندما نقرأ ما كتبه الرحالة عن المدينة السعودية في زمن تأسيس المملكة، ونقارنه بما نرى عليه المدينة السعودية الآن نلحظ بونا شاسعا بين واقع المدينة السعودية في أيام التأسيس وما هي عليه الآن، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على عمل ولاة الأمر على تطور المدن والقرى، وانهم يعملون ليل نهار للارتقاء بالمملكة العربية السعودية، مدنها وقراها، ولذلك نرى بلدانا كثيرة في المملكة العربية السعودية معدودة في القرى قبل ثلاثين عاما، واليوم هي في تعداد المدن.
ومن كتب الرحلات التي وصفت بعض مدن المملكة العربية السعودية في أيام التأسيس كتاب في قلب نجد والحجاز لمحمد شفيق، فقد وصف المدن الآتية: القريات، الجوف، حائل، جبة، بريدة، عنيزة، الرياض، مكة، جدة، كما وصف الطرق الموصلة بين المدن المذكورة، فقد وصل محمد شفيق القريات قادما من عمان، بعد ان قطع ما يقرب من اربعمائة كيل، وكانت وسيلته في الوصول الى القريات السيارة التي افتقدها بعد ذلك في رحلته الطويلة من القريات إلى الرياض، ويصف محمد شفيق القريات بأنها قرية صغيرة، لا يزيد سكانها عن ستمائة نسمة، ويعيش أهلها على القمح وتمر النخيل وتربية الماشية واستخراج الملح، الذي يجففه أهل القريات في أحواض ثم يبيعونه لسكان البادية، والعملة في البلدة المجيدي، ومن الآثار الباقية في القريات قصر الصعيدي، المشيد فوق هضبة، وينسب بناؤه الى رجل من قبيلة بني صخر, والجوف بلدة صغيرة تقع في واد منخفض، وتكثر فيها النخيل التي تؤتي ثمرا ممتازا على سواه بلذة طعمه وسرعة هضمه، ويزرع أهل الجوف القمح والشعير وبعض الخضار وأشجار الفاكهة كالليمون والبطيخ والخوخ والعنب والمشمش، كما يشتغل أهل الجوف بالتجارة، وبعض الصناعات كدبغ الجلود ونسج الصوف الذي تصنع منه العباءات المعروفة باسم عبي الجوف ويكثر في صحاري الجوف طير النعام والغزلان والحمار الوحشي.
وحائل مدينة عامرة ذات شوارع فسيحة منظمة، وفيها أسواق كبيرة، تروج فيها تجارة الماشية والإبل، والأرز الذي يجلب من الهند، وهو بمثابة مادة أولية للغذاء، وتبيع النسوة الخبز والفاكهة والخضار والدجاج والبيض، وهن في غاية الحشمة، لا تسمع لهن صوتا، ولا يتحدثن مع السابلة، إلا بالقدر اللازم لبيع ما بأيديهن من السلع، وتباع الذبيحة أوصالا، فالربع يباع بعشرة قروش، وتباع الدجاجة بثلاثة قروش، والعملة السائدة في حائل الريال الشوشي وأجزاؤه البيشلي قطعة من عملة تركية, وفي حائل عين ماء عذبة شافية من العلل تعرف بماء السماح فهي تذيب الأملاح وتشفي أمراض الكلى بسرعة، وتنقي الدم، وتساعد على الهضم بصورة مدهشة، وتزرع الخضار والفاكهة في حائل، ومع كثرة النخيل إلا ان ثمره رديء، وغير مرغوب فيه، إلا عند الطبقة الفقيرة.
ولم يتوسع محمد شفيق في وصف بريدة، فاكتفى بالقول بأنها تقع في سهل رملي، وتمرُها يجفف ويسمى اليبيس، وهو غير سهل الهضم, وعنيزة سماها أمين الريحاني عند زيارته لها باريس نجد، ومبانيها تتكون من ثلاث طبقات على نسق مباني المدن المتحضرة، والغريب يدهشه ما يرى على موائد أهلها من اصناف الأطعمة، ولوازم المائدة، مما يجعله لا يصدق انه في قلب نجد, ومن وصف صاحب الرحلة للطرق التي سلكها من القريات الى الرياض، واحتاج الى خمسة وثلاثين يوما لاجتيازها، وصف الطريق من القريات الى الجوف، حيث مر بحظوظة ذات الطين اللزج، فلها طبيعة متميزة عما حولها, وبالقرب من الجوف مر بالفرجية وهي منخفض بين جبال، ذات طبيعة جذابة، فأرضها عندما مر بها تكسوها الأعشاب والأزهار فهي متعة للناظرين، وتتقدم في جمالها الطبيعي على مناظر سويسرا, والطريق من الجوف الى حائل موحشة بلقع، تتكون من تلال رملية، تشرف على حزون بعيدة الغور، وتحتوي على مغارات ومجاهل، يشرد عندها اللب وينخلع لها القلب، وفي هذه الطريق بلدة جبة ذات المباني البيض من الطين، فمبانيها تلفت الأنظار.
ومن خلال مقارنة الماضي بالحاضر، نلحظ ان القريات أصبحت مدينة وكذلك الجوف، وقد توسعت حائل وبريدة وعنيزة، وعُبدت أكثر الطرق التي مر بها محمد شفيق، ولم يبق إلا طريق الجوف حائل، فلعل وزارة المواصلات تهتم بهذه الطريق، وتعبدها، ليكون طريق الرياض الشام مفتوحا عن طريقها.
|
|
|
|
|