| محليــات
للبنان تاريخ ليبرالي طويل، ورغم حسابات المستعمر والتداخل والتعقيد الشديد بين مختلف الطوائف، وعلاقات لبنان الخارجية، إلا أن التجربة البرلمانية اللبنانية لها طابع خاص ومتميّز، إذ هي لا تعكس خطاباً سياسياً له قدرة على التغير والحركة فحسب، بل لها حسابات خاصة في صيغة علاقة المشروع السياسي بكافة أبعاد وقواعد اللعبة السياسية.
وكان لبنان وبالذات خلال مرحلتي الخمسينات والستينات الميلادية، يعيش ازدهارا في شتى مجالات الحياة ومناحيها، وكانت بيروت ملاذاً لمفكر حرٍّ أو لسياسي مطارد، وكان السائح العربي يجد في لبنان المكان الأكثر صفاءً والأفضل بكل مقاييس السياحة, ولبنان ومنذ زمن طويل له مكانة خاصة في نفوس العرب، فهو رمز للنهضة، والمكان الطبيعي لرأسمال عربي يبحث عن سوق يتميز أصله في النشاط والحيوية والمغامرة المحسوبة.
وكانت الحرب الأهلية وما شهدته من عنف وتدمير، وما خلّفته من تراكمات وحواجز نفسية، لها آثارها الحادة ليس على بنية الخطاب السياسي فحسب، بل تجاوزت ذلك كله, الى نمو مشاعر متشائمة وعدمية، ومنظور لا يتجه الى الأمام، بل هو محكوم بتراكمات الماضي وعقده, ومشاعر كهذه يمكن فهمها أثناء حرب أهلية، كما يمكن فهم تداعياتها المؤسسة على صيغة علاقات أو رموز كانت تؤثر في الحرب ومسيرتها, غير أن خصائص الشعب اللبناني وما يتميز به من قدرة وحيوية وتفكير واقعي، ونضج سياسي، مكّنته من الالتفاف على جراح الماضي والتفكير بالمستقبل، وهكذا جاء مؤتمر الطائف ليضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وبدأت مسيرة الوفاق والعودة تدريجياً الى حياة سياسية تتميز بالتفكير الواقعي وتفكر في مستقبل لبنان وإعادة إعماره وتأهيله لكي يستعد لبنان المعروف بعزم مواطنيه وهيئاته السياسية لخوض غمار العولمة في منطقة هي بحاجة ماسة الى كفاءة اللبناني ومهارته، ولعلّ في الانتخابات النيابية التي انتهت يوم الاحد الماضي ما يكمل مسيرة ما بعد الطائف.
فرغم التغير في مفردات الخطاب السياسي والنهج الجديد للحملة الانتخابية وكيفية إدارتها وشعاراتها، إلا أنها كانت كما قال الرئيس اللبناني في تصريحه بعد إقفال الصناديق (مثالية ونموذجية وقلَّ نظيرها في تاريخ الانتخابات النيابية اللبنانية).
وإذا كان الشعب اللبناني يتطلع الى برلمان وحكومة تتعامل مع قضايا حساسة ذات علاقة مباشرة بمشكلات حياته اليومية، فإن العربي يشاطره في ذلك، وفي الوقت نفسه يتطلع العربي الى أن يكون لبنان كما كان الوطن الثاني لكل العرب.
الجزيرة
|
|
|
|
|