| مقـالات
تقودنا قضية توظيف القوى العاملة الوطنية إلى استقراء ماض قريب,, كانت فيه الدولة تفرض على خريج الجامعة الذي يرغب في العمل بالقطاع الخاص ان يدفع قدر ما صرف عليه اثناء دراسته بالجامعة!! وذلك حرصاً من الدولة على ان يعمل خريجو الجامعات في قطاعاتها الحكومية.
ولكن الظروف تبدلت والاوضاع اختلفت,, ودخلنا مرحلة أخرى تحكمها متغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة.
وأصبحت قضية توفير فرص وظيفية لخريجي وخريجات الجامعات معضلة مقلقة على المستويين الرسمي والشعبي,, وتبعاً فلقد تصدرت هذه القضية محاور برامج التنمية,, وظل هدف توفير مصدر للرزق لكل مواطن من بين الأهداف الرئيسية في خطط التنمية الخمسية منذ الخطة الاولى (1970 1975م) وحتى الخطة السابعة (2000 2005م) والتي نصت ضمن اهدافها العامة على التالي: تكوين المواطن العامل المنتج بتوفير الروافد التي توصله لتلك المرحلة وإيجاد مصدر رزق له وتحديد مكافآته على أساس عمله .
ولقد كان للظاهرة الديموغرافية أثر واضح في ذلك حيث ان معدل النمو السكاني السنوي البالغ 3,7% سنوياً يعد من أكبر معدلات النمو السكاني على مستوى العالم,, وانعكس ذلك طردياً على أعداد المتقدمين للجامعات وتبعاً على اعداد خريجي الجامعات الذين تزايد عددهم تزايداً كبيراً حتى بلغ (30,002) خريج وخريجة في العام الماضي 54% منهم إناث,, ويزداد هذا العدد عاماً بعد آخر, ويمثل خريجو الجامعات نحو 60% من اجمالي الباحثين عن عمل في المملكة.
وفي الوقت الذي أصبح فيه القطاع الحكومي يعاني من تضخم وظيفي وبطالة مقنعة,, ظلت نسبة السعوديين العاملين بالقطاع الخاص في حدود 7%.
وعطفاً على هذه الحيثيات قدرت خطة التنمية السادسة (1415ه 1420ه) عدد الوظائف المتاحة خلال سنوات الخطة بستمائة ألف وظيفة، 95% منها في القطاع الخاص.
كما قدرت الخطة السابعة الجديدة عدد الوظائف ب 817,300 وظيفة.
ولكن القطاع الخاص ظل يلوح بتحفظاته في خصوص استيعاب القوى العاملة الوطنية متذرعاً بحجج واهية في معظمها وفقاً للمعايير العلمية والموضوعية,, ولكن يظل بعضها مرتبطاً بدواعي عملية.
وكان أمر تأهيل المواطن وإعداده قبل خوض غمار الحياة الوظيفية في هذا القطاع وتكاليف أجور العمل,, من مبررات الصد التي تشبث بها الكثير من رواد القطاع الخاص.
** وفي الوقت الذي واصلت فيه الكثير من مؤسسات القطاع الخاص المراوغة في الاضطلاع بمسؤولياتها نحو توظيف مواطنيها,, تزايدت اعداد خريجي الجامعات تزايداً كبيراً الأمر الذي أوقعنا في براثن البطالة unemployment وهي معضلة خطيرة تقوض اركان الاقتصاد الوطني وتنعكس بآثار سلبية وخيمة على المجتمع أمنياً واجتماعياً وثقافياً ما لم تواجه وفق أسس علمية جادة.
ولقد أكد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة حقيقة معاناة المملكة من ظاهرة البطالة مشيراً إلى انها بلغت معدلاً مزعجاً!!
وكان معالي مدير جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور غازي مدني قد قال في كلمته خلال حفل يوم المهنة الذي نظمته الجامعة: ان نسبة البطالة في المملكة تبلغ 27%!
ولم تكن لحكومتنا الرشيدة ان تقف مكتوفة الأيدي في ظل حرصها الشديد والملموس على رفاهية المواطن,, حيث انشئ مجلس القوى العاملة في عام 1400ه لوضع سياسات وتحديد آليات توظيف القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص.
وتسنى لي حضور عدد من الندوات التي نظمها مجلس القوى العاملة للبحث في هذه القضية,, والتي شملت حوارات صريحة ومفتوحة بين سمو الامير نايف بن عبد العزيز ورجال القطاع الخاص السعوديين.
وفي 21/4/1415ه صدر قرار مجلس الوزراء رقم (50) المتضمن اعتماد تنفيذ توصيات مجلس القوى العاملة بإلزام كل منشأة خاصة تستخدم (20) شخصاً فأكثر بزيادة العمالة السعودية لديها بما لايقل عن 5% من مجموع عمالتها سنوياً.
** وأخيراً جاء صدور قرار مجلس الوزراء في 29/4/1421ه المتضمن الموافقة على انشاء صندوق تنمية الموارد البشرية ليمثل دفعة قوية وهامة للسير قدماً نحو سعودة الوظائف المتاحة في القطاع الخاص,, واستثماراً واعداً في أغلى ثرواتنا الوطنية,, ودليلاً على توجه الدولة نحو دعم مناشط تدريب القوى العاملة وفقاً لاحتياجات سوق العمل.
فالصندوق أنشئ للارتقاء بمستوى طالب العمل السعودي الى المستوى الذي يمكنه من امتلاك المهارات العملية التي يتطلبها سوق العمل ليس فقط المحلي بل الدولي في ظل متغيرات عولمة السوق.
والصندوق من خلال القراءة المتأنية لمواد نظامه يقضي بتعامل علمي وعملي مع المبررين الرئيسيين اللذين يتحجج بهما القطاع الخاص مبرراً إحجامه عن استيعاب القوى العاملة الوطنية,, ألا وهما:
عدم امتلاك المواطن السعودي للمهارات المطلوبة من خلال التدريب والتأهيل لشغل وظائف القطاع الخاص.
ارتفاع اجور المواطن السعودي.
** فلقد نصت المادة الأولى من نظام صندوق تنمية الموارد البشرية على ان الصندوق يستهدف تسهيل توظيف المواطنين وتدريبهم وتشجيعهم على العمل في القطاع الخاص.
وتضمنت المادة الثانية من نظام الصندوق تحديداً تفصيلياً للكيفية التي يعمل بها لتحقيق اهدافه المتمثلة في التالي:
1 تقديم الاعانات من أجل تأهيل القوى العاملة الوطنية وتدريبها وتوظيفها في القطاع الخاص.
2 المشاركة في تكاليف تأهيل القوى العاملة الوطنية وتدريبها على وظائف القطاع الخاص.
3 تحمل نسبة من راتب من يتم توظيفه في منشآت القطاع الخاص بعد تأهيله وتدريبه وكذلك من يتم توظيفه في هذه المنشآت بالتنسيق مع الصندوق, ويدفع صاحب العمل النسبة المتبقية من الراتب.
4 دعم تمويل برامج ميدانية ومشاريع وخطط ودراسات تهدف لتوظيف السعوديين.
5 تقديم قروض لمنشآت تأهيل وتدريب القوى العاملة الوطنية الخاصة التي تؤسس في المملكة والمنشآت القائمة بغرض توسعة نشاطها لادخال الاساليب الحديثة عليها.
** وبهذا فإن القطاع الخاص الذي يريد موظفين مدربين ومؤهلين لشغل وظائفه سيجدهم بمشيئة الله تعالى,, وهو يريد أجوراً منخفضة,, وسيجد ايضاً مشاركة من الدولة من خلال الصندوق في دفع جزء من أجور الموظفين.
وبعد هذا,, لم يعد للقطاع عذر في مراوغاته حول دوره الوطني في توظيف ابناء الوطن,, وعلى الجهات الرسمية المعنية ان تنتقل بدورها في هذه القضية الى مرحلة اكثر حزماً وجدية.
ذلك ان زمن المناشدات يجب ان يكون قد انتهى,, فلقد ناشدت الدولة القطاع الخاص كثيراً وطويلاً دون طائل,, واصبح الامر يتطلب معايير التطبيق النافذة,, فالامر لم يعد يحتمل,, وخطورة الوضع اكبر بكثير مما قد يكون من سلبيات في الالزام
|
|
|
|
|