| مقـالات
هكذا يُزف الشاب المسكين إلى (قفص) الزوجية مكبلاً بأغلال الديون، مائة ألف للمهر ونيف وعشرة آلاف للخطبة، وشنطتان للعروس وأهلها بعشرين ألفاً والصالة في أقل الحدود بخمسة عشر ألفا والفرقة كذلك والذبائح بما يصل في مجموعه أو يفوق مائتي ألف ريال,.
ولايكاد شهر العسل يقضي نحبه حتى يبدأ غول الديون في إرهاق ميزانية العش السعيد,, واغتيال حمامة السلام بين الزوجين، فكلما طرق باب العريس التعيس صاحب دين نحى باللائمة على تلك العروس التي جاءته يتقدمها طابور من الدائنين يحيلون ليله نهارا، ويجعلون نهاره في سواد الليل الحالك,.
هل يتهرب,, هل يسدد؟! وإذا سدد ماذا يبقى له ليعيش؟ لا شيء تقريباً,, وكذاك الذي ينزل إلى السوق في نهار رمضان فينفق كل ما في جعبته لشراء أضعاف ما يحتاج، يطمر الشاب في الزواج طمراً ينسيه علم الحساب فيستدين بما يفيض كثيراً عن قدراته,, ويجد نفسه فجأة أمام مشاكل لاتنتهي والسبب دائماً هي,, وجه الخير وقدم السعد,, ومع أن الزوجة في هذه الحالة ليست جانية بالدرجة الأولى بل ربما هي مجني عليها في معظم الأحوال بفعل الجشع من ذويها فإنها وحدها تعيش وعقدة الذنب تلاحقها، وإما أن تتداعى المشاكل وتتفاقم الأمور حتى تصل إلى طريق مسدود وأعني بذلك الطلاق وما يلحقه من تشريد الأطفال الأبرياء وإما عيشة الهم والنكد والنظرة الدونية والمعاملة السيئة التي تلقاها المرأة من زوجها,, ونشأة هؤلاء الأطفال بشرخ نفسي عاطفي يجعلهم غير أسوياء.
وفي كلا الحالين كل الأطراف خاسرون,, وإذا استمر الحال على ما هو عليه فإن المجتمع منقاد إلى ترسيخ حالة عدم الوفاق بين الأزواج بسبب إصرار أهل الزوجة على تثقيل كاهل الشاب بما تنوء به إمكانياته المحدودة وهو في مقتبل حياته,, والعجيب في الأمر أن شيوع هذه الظاهرة جعل منها عرفا موجبا للالتزام وإن كان البعض ممن ينساقون وراء هذا التيار يدركون مغبته إلا أنهم لابد أن يغلوا ابنتهم,, وأن يثبتوا ولاءهم لعرف هم يعرفون خطره بالمغالاة في فرض ما يشبه الإتاوة على الشاب المسكين, والأغرب من ذلك أن بناتنا حتى الجامعيات منهن لا أدرى هل هو عقد إذعان أن ينسقن وراء موجة الحرب على الشباب بتعقيد أمر الزواج أمامهم؟! وماذا يستفدن وعندنا الآن عشرات الآلاف العانسات فاتهن قطار الزواج أو كاد ومثلهن بالطبع من الشباب وإن كانت عنوسة الشاب تتأخر كثيراً عن عنوسة الفتاة.
إننا في إطار المتغيرات الحضارية والثقافية المتجددة التي تعيشها البلاد وسط عالم جديد في فكره وفي كل أمور حياته مدعوون إلى إعادة النظر في كثير من أمورنا وموروثاتنا التي جرت مجرى العرف وهي أشد فتكا علينا من كل غزو,, وإلا فماذا أنكى وأمر من أن تتحول أعرافنا إلى معاول هدم لبيوت أبنائنا وبناتنا التي من المفترض ان ندعم قيامها على تقدير الظرف والتعاون والتسديد والمقاربة,.
نحن مدعوون لإعادة النظر باستنارة فيما يحث عليه ديننا الحنيف من المودة والتراحم,, والسؤال: إلى متى تظل حالات الطلاق وحوادث المرور ندبتين في جبين هذا المجتمع الناصع بياضه بشرع حنيف وحكم يقوم عليه وحده؟!
* وكيل إمارة منطقة عسير المساعد.
|
|
|
|
|