| مقـالات
حينما يعطى العامل الوافد تأشيرة خروج وعودة ثم لا يعود إلى مقر عمله يعلن عنه صاحب العمل في الصحف بأنه خرج ولم يعد إلا أنه قد يكون قد عاد، ولكنه لم يباشر في مقر عمله، فتبلش الإدارة العامة للجوازات به وبالبحث عنه, والملفت ان صاحب العمل حينما يعلن عن عدم عودة العامل يرفق صورته مع الإعلان، فتظهر صورة العامل، سواء أكان هذا العامل حرفياً أم مهنياً أم فنياً، فكلمة عامل هنا هي وسام لكل من يقوم بعمل يكسب منه رزقاً حلالاً.
وحينما تقبض إدارة مكافحة التزوير على عدد ممن يمتهنون جريمة التزوير في الوثائق أو العملة، تعمد الإدارة الى التشهير بهم وبيان الجرم الذي قبض عليهم من أجله، وربما تذكر مع ذلك العقوبة التي يستحقونها، ومع هذا التشهير تنشر صور المزيفين والمزورين فتظهر صورهم في الصحف.
وفي الجانب الإيجابي حينما ينجح طفل من التمهيدي الى الابتدائية يعمد أهله الى نشر خبر عنه تشجيعا له في مواصلته دراسته بعد المعاناة التي خلفها وراءه في سنته التمهيدية، ويرفق مع الخبر صورة جميلة لهذا الطفل أو الطفلة، ويقاس على هذا النجاح من سنة الى أخرى تالية لها، حتى يصل هذا الى التبريك للمتخرج من كلية عسكرية، فتنشر صورة المتخرج بلباسه العسكري والنجمة الأولى بداية الطريق تلمع على كتفه.
ثم تتعدد المناسبات التي يعلن فيها عن حدوثها ويرفق مع الإعلان صورة للمعني بها، وقد يكون عريسا أو شاباً رزق بمولود ذكر أو أنثى واتفق هو وحرمه على تسميته أو تسميتها، ونادراً ما تنشر صورة المولود، وكثيراً ما تنشر صورة الوالد، وقد يكون موظفا حصل على ترقية، وقد يكون رجل أعمال سافر او عاد، وقد يكون مسؤولا تنشر صورته لأن هناك خبراً حصل في إحدى اصغر إداراته، وتغفل صورة المدير المباشر الذي يعود له الفضل غالباً في حصول الخبر الطيب بإذن الله.
كل هذه وغيرها يجمع بينها جامع هو نشر الصورة مع الخبر, وهذا مفهوم الى حدٍ ما، وربما تتناقل الصورة في المجالس والبيوت والإدارات لا للخبر بالضرورة ولكن للصورة.
الأمر الذي لم يرق لي بصفتي احد قراء الصحف المتابعين لها قدر الإمكان هو تلك الإعلانات الكثيرة من المستشفيات والمستوصفات والعيادات الأهلية عن استقدام أطباء متخصصين أو استشاريين في مجال من مجالات الطب، سواء أكانوا أطباء أو طبيبات زائرين أم كانوا أطباء وطبيبات سيعملون في هذا المرفق الطبي.
ولا بأس من الإعلان من حيث هو ليعلم الباحثون عن العافية عن وصول من يعتقد أنه سيكون سببا في الحصول عليها بإذن الله تعالى, أما الشافي فهو الله تعالى: وإذا مرضت فهو يشفين , ولا بأس من ذكر مؤهلاته وعضوياته في المجالس والجمعيات الطبية المعترف بها عالمياً, لا بأس بهذا كله الى حد ما لا يصل الى المبالغة وعدم الدقة في ذلك.
الذي لم يرق لي هو نشر صور هؤلاء الأطباء والطبيبات مع الإعلان، إذا كان الإعلان بحد ذاته لا بأس به دون المبالغة، إلا ان نشر الصورة قد نقل الإعلان من مجرد الإعلام بوصول هذا الطبيب او تلك الطبيبة الى ادراج هذه الرموز الراقية في تخصصها الى مادة إعلامية تجارية بحتة بعيدة عن تلك المكانة العالية التي رسخت في تقاليدنا عن الطبيب والطبيبة.
فكانت النتيجة المتوقعة لهذا الإجراء التجاري ان أسهم في النظرة إلى هذه المهنة الرفيعة نظرة تجارية بحتة بدأت في التأثير على تلكم المنزلة التي نحفظها لهذه الفئة من أصحاب المهنة المقدَّرة.
وإذا كنت أبحث عن العافية وأبحث بالتالي عن أسبابها من خلال الأطباء المقيمين أو القادمين، فإن الذي يهمني هو أن أعرف بوجودهم، وبمكان وجودهم ولا يهمني من قريب أن اتعرف على صورهم وإثباتاتهم فهذه ليست مسؤوليتي المباشرة، بل هي مسؤولية جهات طبية وصحية مهمتها التأكد من الصورة ومن الإثباتات.
ولعلي لا أبالغ إذا قلت اني أربأ بأرباب هذه المهنة أن ينساقوا مع هذا الابتذال الحاصل عند الإعلام بوصولهم الى المؤسسات الطبية الأهلية, وربما دعوت هنا الى الترفع عن هذا بقدر رفعة التخصص والمهمة والمسؤولية التي يتحملها هؤلاء المقدَّرون عندنا.
ثم إذا تركت الصحف وإعلاناتها ووقفت على باب مستوصف من هذه المستوصفات وجدت اللوحات الإعلانية عن الطبيب الاختصاصي فلان او الطبيبة الاختصاصية فلانة، وضعت هذه الإعلانات على مدخل هذا المستوصف وفي صالة الاستقبال بألوان صارخة وخطوط زاهية في بعضها ومؤذية في بعضها.
إن هذه المهنة من السمو بحيث تترفع عن هذه الأساليب التجارية غير اللائقة بالمهنة نفسها، والاستغناء عنها أفضل عندي بكثير من الاستمرار في تدفقها في صحافتنا ويكفينا منها الإعلام لا الإعلان، وكان الله في عون الأطباء والطبيبات في مهماتهم السامية، وكان الله في عون الجميع.
|
|
|
|
|