أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 3rd September,2000العدد:10202الطبعةالاولـيالأحد 5 ,جمادى الثانية 1421

محليــات

لما هو آتٍ
شعرة معاوية
د, خيرية إبراهيم السقاف
هناك خيط رهيف كشعرة معاوية بين حدٍّ وحدٍّ,.
والفصل بين أيِّ حدّين يأخذ بأحدهما في اتجاه معاكس للحد الآخر,.
ولا أتخيل أن كلاً منهما سوف ينحازان إلى الضوء، أو إلى العتمة,, ولا بد أن يتجه أولهما لهذا والآخر لذلك,.
والضوء والعتمة بين حدّي الشعرة أو الخيط يمكن أن يجعلا الناس بين مبتسم ومكتئب، بين ناجح وفاشل، بين صاعد وهابط، بين صادق وكاذب، بين ظالم ومظلوم، بين سليم ومبتلٍ، بين نائم ويقظ,, وبين واحد في خط، أو في حد، وبين آخر في الجهة المعاكسة له,.
والأمثلة التي تواجه الإنسان في الحياة عن هذه المفارقات اليومية كثيرة,,، تستوقفني منها تلك المتعلقة بموقف الإنسان من الإنسان حين تتجرد نفس الإنسان من الرفق ويكون عدم وجوده سبباً في التحام الحق مع الباطل، والظلمة مع الضوء، والأبيض مع الأسود و,.
ولنأخذ مثالاً حياً من واقع الحياة,.
ويشغلني أمر التعليم كثيراً، وما يتعلق به من أمر التربية؛ ذلك لأن مناط الحياة التعليم والتربية ودونهما لا يمكن التخيل كيف يكون واقع الحياة ببشر لا يجدون الهدى ولا يدركون مساره.
المعلم الذي لا يتحلى بالرفق، يؤدي عمله في آلية فهو يلقن ويقوِّم ثم يرصد النتائج دون أية اعتبارات للدارس الإنسان بين يديه، وهو لا يعنيه تفقد أحوال تلميذه النفسية أو الاجتماعية أو الأسرية أو حتى أحواله في بيئته المدرسية,, وقد تكون هناك من الأسباب والدوافع ما تقصي الدارس عن أن يكون في وضع نفسي أو ذهني يؤهلانه للدراسة الجادة، فتغطي هذه العوامل على قدراته، ويبدو أمام معلمه فاشلاً متقاعساً متأخراً عن بقية زملائه, وهو يرسب ويرسب ويشاع عنه الفشل وهو في الواقع على غير ذلك,.
كان يحتاج فقط إلى شعرة معاوية تفصل بين ما هو عليه وما يمكن أن يكون عليه، ولأن معلمه لا يلقي بالاً إلى ذلك، ولا يرفق به ولا يوليه اهتماماً يستحقه ولا يكلف نفسه عناء السؤال والإحاطة والتوجيه,, وبمعنى آخر تنتفي عنده المشاعر الإنسانية فإن الدارس يظل على حاله ويزداد ألماً وفشلاً وتقوقعاً بينما المعلم يريح نفسه ويمارس عمله في آلية مجردة خالية من أي إحساس بالإنسان الذي يحتاج منه إلى كمية زهيدة من الرفق والاهتمام والرعاية النفسية.
هذا الحد الوجداني مطلوب أن يتوفر في كل من يقف على مفترقٍ يرتبط بالإنسان، المعلم، الطبيب، الأب، الأم، المسؤول، الزميل، الصاحب، الصديق، وكل من يحمل صفة تجعله على مقربة من الناس.
يذكرني ذلك بما قاله رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وأكد فيه على أن ما من عمل كان فيه الرفق إلا زانه، وما من عمل خلا من الرفق إلا شانه.
وإن أقرب الناس إلى الجنة من يتمتعون بالرفق، وأبعدهم عنها من يتجردون منه.
ترى كيف يكون شعور معلم يجد تلميذه قد وصل حد الموت قهراً ومرضاً عند تعرضه للفشل بين يديه لأكثر من مرة,, وهذا المعلم يجهل ما يمر به تلميذه من ظروف اجتماعية قاهرة أقصته عن القدرة على التركيز أو الدرس فيما لو قرب منه، ومنحه شيئاً من نصحه ومساعدته وإضافة دقائق يشرح له مالم يستوعبه ويخفف عنه؟! هناك من يقول: إن المعلم ليس مسؤولاً أن يكون معالجاً نفسياً,.
ولكن: ألم يوجه الخالق العظيم نبيه ذا الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم بأن يخاطب الناس بالحسنى، ويذكره بأنه: لو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك ، والانفضاض هنا يعني البعد عنه وعدم الأخذ بهداه أي بتعليمه؟! بينما هو بخلقه ورفقه وقربه النفسي قد كسب الجميع ونشر الدعوة فيهم وأدى الأمانة وعلّم الأمة بالقلب الرفيق، وبالخلق الجميل، وبالصبر، وبالانتباه، وبتفقد الحاضر ممن يعلم والغائب, وفي ذلك توجيه سامٍ لمراعاة النفس البشرية عند الوقوف على أمر ما من أمور صاحبها كي يؤهل للأخذ والعطاء معاً, ألا فلتكن شعرة معاوية بين أيديكم خيطَ نورٍ يفصل بين حدٍّ وآخرَ في صالح الآخر.
تتميزون حينها بالإنسانية تلك التي أضاعتها قوافل التناكب في الحياة .

أعلـىالصفحةرجوع












[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved