| المتابعة
تتوجه أنظار العالم هذه الأيام الى مدينة نيويورك حيث تتوافد عليها الوفود الرسمية من كل حدب وصوب في أنحاء المعمورة لحضور قمة الألفية بالجمعية العامة للأمم المتحدة بالمقر الزجاجي للمنظمة الدولية الكائن بالمدينة الأمريكية ويأتي هذا الاجتماع الاحتفالي في وقت تزداد فيه وتتسع حدة النقاش على كافة المستويات الرسمية والأكاديمية في مختلف دول العالم حول الدور المستقبلي للأمم المتحدة وطبيعة الوظائف والمهام التي ستضطلع بها خلال القرن الحادي والعشرين.
اذ يمثل الاجتماع الألفي بالجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يحضره وفود أكثر من 185 دولة هي أعضاء المنظمة الدولية مناسبة جيدة وفرصة ملائمة للتأمل في مسيرة نصف القرن الماضي من عمر الأمم المتحدة بما لها وما عليها، من أجل طرح تصورات واقتراحات ورؤى عملية بشأن ما ينبغي أن يكون عليه الاداء المستقبلي لهذه المنظمة العالمية بحيث يتواءم مع التغيرات الهائلة التي شهدها العالم على شتى الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، وبما يمكن هذه المنظمة من الوفاء بما تأمله دول وشعوب العالم منها اذ تعد بمثابة البيت العالمي للعائلة الانسانية.
وتكتسب هذه المراجعة لأداء ودور الأمم المتحدة أهميتها من طبيعة التحولات والتغيرات التي يشهدها العالم مند بداية العقد الأخير من القرن العشرين وحتى الوقت الراهن, فقد شهدت الحضارة الانسانية المعاصرة عدة تحولات كبرى وطفرات نوعية على الصعيد العلمي والتكنولوجي والاتصالي والمعلوماتي والبيئي، كما شهدت جنبا الى جنب مع هذه التحولات تغيرات وتطورات بعيدة الأثر وعميقة الدلالة على صعيد النظم والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكان لهذه التطورات والتحولات الدولية انعكاساتها على الأمم المتحدة وأسلوبها في بلوغ الأهداف التي قامت من أجل تحقيقها.
فقد أدت الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الى طي المسافات بين الدول، وساهمت جهود تحرير التجارة الدولية وزيادة التدفقات المالية عبر الدول في زيادة درجة الاعتماد المتبادل بالشكل الذي مس جوهر مفهوم السيادة الوطنية للدولة بمعناه التقليدي الضيق، وكان من شأن ذلك كله بروز شعور عام بين شتى دول وشعوب العالم بالمسؤولية المشتركة لمواجهة العديد من الأزمات ذات الصبغة العابرة للحدود مثل تهريب المخدرات، وغسيل الأموال، والارهاب، وتلوث البيئة، والانفجار السكاني والهجرة غير المشروعة,, الخ، ومن ثم بات من المعتمد على الأمم المتحدة أن تفرز استجابات عملية فعالة للتعامل مع التغيرات الحادثة في البيئة الدولية فقد فرضت هذه التغيرات بنودا جديدة على أجندة العمل الدولية ووسعت من مفهوم السلم والأمن الدوليين بما يستدعي ضرورة بلورة آليات جماعية جديدة من أجل حل وادارة وتسوية الصراعات الدولية، ودعم العمل الدولي المشترك في المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية.
ولا شك ان البحث في ملامح الدور المستقبلي للأمم المتحدة يقتضي بالضرورة تبين طبيعة الوضع الراهن لهذه المنظمة عالمية الصبغة، وقبل ذلك النظر في خبرتها التاريخية لاستخلاص العبر والدروس، ذلك أن المستقبل ليس زمنا مستقطعا مبتورا من حركة التاريخ وانما هو ابن شرعي للحاضر وحفيد طبيعي للماضي.
في ضوء ذلك سوف تنقسم هذه الورقة الى الأقسام التالية:
* القسم الأول: الأمم المتحدة ككيان وتنظيم.
* القسم الثاني: الأمم المتحدة والحرب الباردة خبرة الماضي .
* القسم الثالث: الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد شواهد الحاضر .
* القسم الرابع: اصلاح الأمم المتحدة الدواعي والمقترحات .
* القسم الخامس: خاتمة.
الأمم المتحدة,, الكيان والتنظيم
مثلت الحرب العالمية الثانية بكل ويلاتها والآثار التدميرية التي خلفتها وراءها المنطلق العملي الرئيسي وراء تأسيس منظمة الأمم المتحدة، اذ اجتمعت كلمة وارادة دول العالم وفي مقدمتها الدول الحليفة المنتصرة في الحرب على ضرورة وضع ضوابط وقواعد ذات صبغة دولية من شأنها منع تكرار مأساة الحرب العالمية الثانية وكفالة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين بشكل دائم ومستمر.
وهكذا شهد الرابع والعشرون من شهر أكتوبر عام 1945م توقيعها للميثاق المؤسس للأمم المتحدة يقع ميثاق الأمم المتحدة في 19 فصلا مكونة من 111 مادة وديباجة ، بالاضافة الى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من الميثاق لتصبح النموذج الواقعي للمنظمات الدولية المعاصرة ذات الصبغة العالمية من حيث اتساع نطاقها الجغرافي، وتعدد الأجهزة الرئيسية والفرعية الملحقة بها وحجم وعدد وتنوع المشكلات والمجالات التي تقع في دائرة اهتمامها، ناهيك عن كونها مثلت الاطار الدولي الذي علق عليه الرأي العالمي وما زال آمالا عريضة لادارة العلاقات الدولية ادارة فعالة سلما وحربا.
وقد نص ميثاق الأمم المتحدة على مجموعة من الأهداف والمبادىء العامة التي شكلت الأسس والقواعد التي ينبغي للمجتمع الدولي أن يقيم عليها جدرانه ويؤسس عليها بنيانه.
فبالنسبة للأهداف كما وردت في الميثاق فهي الى جانب مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين الذي يعتبر الهدف ذي الأولوية، تتعدد أهداف الأمم المتحدة لتمثل انماء العلاقات الودية بين الأمم والعمل على تحقيق التعاون الدولي وتعزيزه لحل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والانسانية.
كمانظم الميثاق العلاقة بين الدول الأعضاء في المنظمات الدولية وفقا لمجموعة من المبادىء في مقدمتها المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء، وحسن النية في الوفاء بالالتزامات الدولية، وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي للدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وفي ضوء الأهداف والمبادىء السابقة يبدو جليا ان الأمم المتحدة منظمة دولية ذات طابع سياسي بالدرجة الأولى، وهي ليست منظمة فوق الدول Superd States Organization ولا تمثل حكومة عالمية ذات سلطة تشريعية أو تنفيذية وانما هي منتدى عالمي يتم في اطاره مناقشة القضايا الدولية من أجل ايجاد حلول ناجعة لها بما يحفظ السلم والأمن الدوليين ويدعم الاستقرار العالمي من ناحية، ويحقق الرخاء والتنمية في شتى بقاع الأرض من ناحية أخرى.
وعلى الصعيد المؤسسي والتنظيمي، فانه وفقا للميثاق يتكون الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة من ستة أجهزة رئيسية هي الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس الوصاية، محكمة العدل الدولية، والأمانة العامة.
على انه من الناحية الواقعية فان جهازين فقط من الأجهزة السابقة هي التي ينطبق عليها بحق صفة الرئيسية وهما الجمعية العامة ومجلس الأمن، اذ يناط بهما معا بشكل مشترك اتخاذ القرارات واصدار التوصيات الهامة والمؤثرة في نشاط وأداء الأمم المتحدة مثل القرارات الخاصة بقبول أعضاء جدد في المنظمة الدولية أو فعالية هذه العضوية أو إلغاؤها انتخاب الأمين العام للأمم المتحدة، اختيار الأعضاء العشرة غير دائمي العضوية في مجلس الأمن ، أما باقي الأجهزة الأخرى المشار اليها فهي لا تعدو في واقع الأمر ومن خلال القراءة المتأنية والمتكاملة لبنود ميثاق الأمم المتحدة، كونها تابعة بشكل أو بآخر لأي من هذين الجهازين السياسيين الرئيسيين أو لكليهما معا.
وبالاضافة لهذه الأجهزة الرئيسية، توجد وكالات عديدة تابعة للأمم المتحدة فتضطلع بمهام دعم التعاون الدولي في مجالات الاقتصاد والاجتماع والتعليم والثقافة وتسمى الوكالات الدولية المتخصصة ومن امثلتها: منظمة الصحة العالمية، المنظمة الدولية للأغذية والزراعة الفاو ، منظمة الأمم المتحدة للعلوم والآداب والثقافة اليونسكو ، ومنظمة الأمم المتحدة لرعاية الأمومة والطفولة اليونيسيف .
المملكة العربية السعودية والأمم المتحدة
تعتبر المملكة العربية السعودية أحد الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة حيث ساهمت بفاعلية في مناقشات ووضع ميثاق المنظمة الدولية في سان فرانسيسكو,
والواقع ان هذا الأمر لم يكن بغريب على المملكة اذ انها التزمت سياسة الحياد ابان الحرب العالمية الثانية وذلك تحت قيادة الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود الذي رفض منح امتيازات نفطية لكل من اليابان وألمانيا، كما رفض تأييد دول المحور من أجل الحفاظ على حياد الأماكن الاسلامية المقدسة من النزاع العالمي.
ودأبت المملكة العربية السعودية على التأكيد غير مرة على الثوابت والتوجهات الحاكمة لسياستها الخارجية على الصعيد الدولي والتي جاءت متفقة تمام الاتفاق مع روح وجوهر مبادىء الأمم المتحدة، ولعل ذلك يبدو جليا فيما جاء في خطاب الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود بعد توليه مسؤولية الحكم اذ أكد ان المملكة تؤيد نزع السلاح وتجنيب البشرية مخاطر الأسلحة الفتاكة، وتدعو الى حرية تقرير المصير لكل الشعوب وحل المنازعات الدولية بالطرق المرتكزة على الحق والعدل.
كما حرصت المملكة العربية السعودية على التزام مبادىء الأمم المتحدة في سلوكها الخارجي لا سيما في مجال اتباع الطرق السلمية لحل المنازعات الدولية، فعلى سبيل المثال اتبعت المملكة أسلوب التفاوض المباشر لحل مشاكلها الحدودية مع جيرانها خاصة في حالة النزاع الحدودي مع قطر عام 1993م، وكذلك المفاوضات التي جرت بين الرياض وصنعاء خلال السنوات القليلة الماضية والتي اسفرت عن التوقيع على المعاهدة التاريخية للحدود بين السعودية واليمن قبل شهور قليلة يونيه 2000م وقد اعتبر اداء الدبلوماسية السعودية نموذجا يحتذى في هذا الشأن.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شهدت أروقة الأمم المتحدة نشاطا محموما من قبل الدبلوماسية السعودية التي دافعت عن الحقوق العربية والاسلامية من خلال المنظمة الدولية خاصة تأكيدها على الحقوق العربية في اطار الصراع العربي الاسرائيلي وضرورة حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة وفي مقدمتها حق تقرير المصير واعلان دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والتمسك بضرورة انسحاب اسرائيل من كافة الأراضي العربية التي احتلتها بالعدوان عام 1967م.
الأمم المتحدة والحرب الباردة
على الرغم من الصلاحيات والسلطات الواسعة التي وفرها الميثاق للأمم المتحدة كى تضطلع بالمهام الموكلة اليها على الوجه الأكمل الا ان الظروف الدولية التي تلت قيام المنظمة الدولية مباشرة لعبت دوراً سلبياً في الحد من فاعليتها على المسرح العالمي, فلم تكد الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها حتى بدأت المواجهة الأيديولوجية بين المعسكرين الشرقي والغربي وأطلت أجواء الحرب الباردة على العالم الأمر الذي كان له تداعياته المتباينة على أداء الأمم المتحدة.
وقد كان التأثير السلبي لأجواء الحرب الباردة أكثر وضوحا وأعمق أثرا في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين ذلك ان المواجهة بين القوتين العظميين حالت دون تحقيق اتفاق حول المسائل المختلفة ومن ثم برز اسراف واضح لحق الاعتراض الفيتو من قبل القوتين العظميين على وجه الخصوص استخدم هذا الحق 249 مرة خلال الفترة من 1945 م الى 1989م منها 116 مرة للاتحاد السوفيتي السابق، و72 مرة للولايات المتحدة، و80 مرة لبريطانيا مما ترتب عليه شلل مجلس الأمن وعجزه عن القيام بدوره حيال حفظ السلم والأمن الدوليين على الوجه الأكمل، اذ فشل في بناء أركان نظام أمن جماعي كما ورد في الميثاق، وأمام هذا الشلل شبه الكامل لمجلس الأمن برز نظام أمني واقعي بديل خارج اطار الأمم المتحدة اعتمد على الاعتبارات السياسية وتوازنات القوى فيما سمي بمناطق النفوذ ممثلا في تأسيس حلف الأطلنطي عام 1949م وحلف وارسو عام 1955م.
وليس أدل على فشل الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين من أن بين أكثر 100 أزمة دولية حادة اندلعت خلال الفترة 1945م 1985م استخدمت فيها القوة المسلحة فإن الامم المتحدة لم تتمكن من ارسال قوات لحفظ السلام الا في 13 حالة فقط، أزمة حادة وممتدة مثل الأزمة الفيتنامية والتي استمرت نحو 10 سنوات لم تناقش أصلا داخل أروقة الأمم المتحدة, ويكفي القول أخيرا ان مجلس الأمن لم يتخذ طوال هذه الفترة الممتدة لأربعة عقود أية قرارات استنادا الى الفصل السابع من الميثاق الا في حالتين فقط لغرض عقوبات اقتصادية ضد الحكومة العنصرية جنوب أفريقيا وروسيا ولم يكن لها تأثير يذكر من الناحية العملية ولكن في المقابل، أدى نظام الاستقطاب الدولي الى زيادة فاعلية الأمم المتحدة في مجال القضاء التدريجي على الظاهرة الاستعمارية لا سيما منذ عقد الستينات وذلك عبر مجلس الوصاية في البداية ثم الجمعية العامة التي زاد دورها في هذا المجال مع زيادة عدد الدول الصغيرة والمتوسطة في عضوية الأمم المتحدة عقب حصولها على الاستقلال ولظروف الاستقطاب الدولي ذاتها نجحت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة التابعة لها في أن تكون منابر دولية فمكنت من خلال الدول النامية الى لفت أنظار المجتمع الدولي الى خطورة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها هذه الدول وما يمكن ان يسببه استفحال هذه المشكلات من انعكاسات سلبية وخطيرة على السلم والأمن الدوليين.
ومن هنا بدأت الأمم المتحدة في انشاء سلسلة من برامج المعونة الفنية والصناديق المالية الخاصة للاستجابة للاحتياجات المتزايدة لعملية التنمية في الدول النامية خاصة برنامج الأمم المتحدة للتنمية Undp وتوجت جهود الأمم المتحدة في هذا الشأن بانشاء مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 1964م والمعروف اختصارا بالاونكتاو والذي مثل صيغة مؤسسية تجتمع بشكل منتظم كل اربع سنوات والذي دافع عن قضايا التنمية في العالم النامي ودعا الى اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يحقق التوازن والتكافؤ في توزيع الأعباء والمنافع بين أغنياء العالم وفقرائه.
الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد
كان للتحولات النوعية التي طرأت على منظومة العلاقات الدولية خلال السنوات العشر الأخيرة تأثيرها على البنى الرئيسية لهذه العلاقات وفي مقدمتها الأسس والأطر القانونية والتنظيمية ممثلة في الأمم المتحدة ومن أبرز هذه التحولات ما أطلق عليه النظام العالمي الجديد وهو الاصطلاح الذي صكته الولايات المتحدة ابان أزمة حرب الخليج الثانية 1990 1991م من أجل اقامة تحالف دولي قوي خلال هذه الأزمة والذي مثل جوهر الخطاب السياسي والاعلامي الأمريكي والغربي خلال هذه الفترة، ومفاد هذا الاصطلاح كما طرح ان هناك بداية نظام عالمي جديد تلعب فيه الأمم المتحدة دورا أساسيا لحماية الشرعية الدولية وحفظ السلم والأمن الدوليين، غير ان تتبع دور الأمم المتحدة في معالجة الأزمات الدولية التي أعقب حرب الخليج الثانية وضع عدة علامات استفهام أو بالأحرى طرح علامات شك وريبة في مدى جدية مقولة النظام العالمي الجديد وأثره الايجابي على دور الأمم المتحدة.
فواقع الأمر ان انتهاء الحرب الباردة حمل بعض المؤشرات الايجابية بشأن دور الأمم المتحدة في الساحة الدولية حتى قبل طرح مقولة النظام العالمي الجديد، حيث قللت حدة الخلاف بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وحدث اتفاق بينها على قضايا كثيرة لم يكن من الممكن الاتفاق عليها ابان الحرب الباردة، فمثلا في الفترة 1990 1995م تم اقرار ما يوازي 50% من عدد القرارات التي أقرت عبر 45 سنة من تاريخ الأمم المتحدة، بل ان غالبية هذه القرارات تم تبنيها بتوافق الآراء.
ثم كان أداء مجلس الأمن خلال أزمة حرب الخليج الثانية ليعلي من نبرة التفاؤل بشأن مستقبل فعال للأمم المتحدة في ادارة الأزمات الدولية في عالم ما بعد الحرب الباردة خاصة ان المجلس اتخذ حول هذه الأزمة وحدها خلال الفترة أغسطس 1990 نوفمبر 1990م 12 قرارا وهي أعلى نسبة قرارات يتخذها مجلس الأمن تجاه أزمة واحدة في تاريخه.
كما شهدت السنوات الأخيرة تزايدا واضحا في عمليات ومهام حفظ السلام التي تقوم بها قوات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة فحتى نهاية العام 1993م بلغ عدد الأفراد المدنيين أو العسكريين المشاركين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام أكثر من 50 ألف شخص يمثلون 70 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولم يقف الأمر عند مجرد الزيادة في عدد هذه العمليات، بل امتد ليشمل زيادة الرقعة الجغرافية التي تمتد اليها، اذ انتشرت في عدد كبير من دول العالم في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ناهيك عن تنوعها وشمولية أهداف هذه النوعية الجديدة من عمليات حفظ السلام، اذ لم يعد هدفها يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل انتهى ليشمل الاشراف على الانتخابات والتحقق من نزاهتها، وضمان احترام حقوق الانسان، والمساهمة في الادارة المدنية والاعمار بعد انهاء النزاعات المسلحة.
واذا كانت الايجابيات المشار اليها آنفا صحيحة، فان الأصح والمشاهد أيضا انه عند انتهاء حرب الخليج الثانية وحتى الوقت الراهن برزت شواهد عديدة على الساحة العالمية تؤكد ان النظام العالمي الجديد يحمل في طياته سلبيات أكثر مما يحمل من ايجابيات بشأن دور الأمم المتحدة في مجال العلاقات الدولية، فقد بدأ جليا للعيان ان الولايات المتحدة أصبحت القوة الرئيسية المحركة للأمم المتحدة بعد سقوط القطب السوفيتي المنافس وراحت تطوعها بما يحقق ويخدم مصالحها الحيوية والاستراتيجية، ويكفي في هذا الصدد ان نشير الى عدد من الملاحظات.
فمن ناحية عملت الولايات المتحدة على تسخير المنظمة الدولية بالشكل الذي يحقق مصالحها وذلك بتحديد ابتداء ما اذا كانت الأمم المتحدة ستشارك في علاج أزمة دولية معينة من عدمه، ثم رسم الدور الذي ستضطلع به حال مشاركتها، ومن ثم وضح تماما معيار الكيل بمكيالين في مجال تطبيق الشرعية الدولية بما يخدم ويتفق مع المصالح الأمريكية في المقام الأول,
ففي قضايا تكون الشرعية الدولية فعالة ودور الأمم المتحدة نشطا للغاية كما هو الحال ابان أزمة حرب الخليج الثانية والازمة الليبية الغربية حول لوكيربي، وفي قضايا أخرى لم تكن الشرعية الدولية فعالة أو بالأحرى لم يراد لها ان تكون كذلك كما هي حال الأمم المتحدة ازاء تسوية الصراع العربي/ الاسرائيلي، حيث تبدو المفارقة في انه على الرغم من ان مؤتمر مدريد للسلام لعام 1991م أكد ان عملية السلام في الشرق الأوسط تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام وقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، الا ان الواقع يشهد بأن الأمم المتحدة لم يكن لها أي دور في تسوية هذا الصراع حتى الآن اللهم الا الجانب الاحتفالي حيث شاركت كمراقب في افتتاح مؤتمر السلام عام 1991م.
ومن جانب آخر، فإن عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام بدت الرحمة من ظاهرها ولكن باطنها العذاب اذ انطوت على درجة عالية من الانتكاسية في التدخل بذريعة العوامل الانسانية، فالتدخل في معظم الأزمات الدولية التي تفجرت في السنوات الأخيرة ارتبط بشكل أو بآخر بالمصالح المباشرة للقوى المعنية ولا سيما الولايات المتحدة.
فبمنظور مقارنة لعمليات التدخل الانساني في السنوات الأخيرة يؤكد هذه الحقيقة، فلماذا مثلا تم التدخل لأغراض انسانية في تيمور الشرقية وكوسوفا ولم يحدث ذلك في حالات أخرى كان التدخل الانساني فيها أدعى كما هو الحال في الأزمة في الكونغو الديمقراطية والبحيرات العظمى أو في الشيشان؟!.
ومن ناحية ثالثة بدا ان الولايات المتحدة القطب الأوحد في العالم في الوقت الحالي، مستعدة لتجاهل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والتدخل بشكل سافر تحت دعاوى مختلفة في مناطق من العالم دون الأخذ في الاعتبار توفير غطاء قانوني ومبرر من الشرعية الدولية لهذا التدخل عبر مجلس الأمن، وذلك على نحو ما ظهر من تجاهل الولايات المتحدة للمجلس حينما شنت قوات حلف شمال الأطلنطي الناتو حملاتها العسكرية في اقليم كوسوفا ضد جمهورية صريبا.
وهكذا بدا ان ممارسات القوى الكبرى وخاصة القطب الأوحد في النظام العالمي الجديد جاءت مناقضة وعلى طرفي نقيض على الشعارات والمبادىء التي وضعت بصدد الشرعية الدولية وتدعيم دور الأمم المتحدة في ظل هذا النظام الآخد في التشكل، وهو الأمر الذي ارتفعت، انطلاقا منه، الأصوات للمطالبة بإصلاح وتطوير الأمم المتحدة.
إصلاح الأمم المتحدة
لم تكن الدعاوى التي طالبت باصلاح الأمم المتحدة وتعالت أصواتها خلال السنوات القليلة الأخيرة وليدة اللحظات الراهنة المرتبطة ببزوغ نظام دولي جديد يختلف بشكل أو بآخر عن النظام السابق عليه وانما نمطية اصلاح الأمم المتحدة في واقع الأمر قضية مطروحة منذ نشأتها وتحديدا منذ بداية الحرب الباردة وحتى اللحظة الراهنة فقد ظلت على مدار عمر هذه المنظمة الدولية هناك فجوة تضيق وتتسع بين دور الأمم المتحدة كما ورد في الميثاق المنشىء لها وبين الدور الفعلي الذي تقوم به في ضوء هيكل علاقات القوى في النظام الدولي القائم والذي تعمل في اطاره ووفقا لقواعده وهياكله، وانما تطورت قضية الاصلاح وفقا للتطور الحادث في طبيعة النظام الدولي منذ الخمسينات من القرن العشرين وحتى مطلع الألفية الثالثة.
وواقع الأمر انه اذا كانت الدعاوى الاصلاحية قد قيدت بالمحدودية خلال فترة الستينات، اذ ركزت على ضرورة احداث اصلاح في الهيكل الاداري والمالي للأمم المتحدة كما يتسنى التغلب على الأزمة المالية الخانقة التي كانت تكاليفها ابان هذه الفترة، كانت دعاوى الاصلاح في التسعينات وما بعدها كانت أكثر شمولا اذ انها شملت الى جانب ما سبق ادخال اصلاحات على الأجهزة الرئيسية المكونة للأمم المتحدة ولاسيما الجمعية العامة ومجلس الأمن، وعلى طبيعة العلاقة بين هذه الأجهزة بعضها ببعض.
وثمة مجموعة من الأسباب توجب ادخال اصلاحات على نظام وهيكل الأمم المتحدة وتجعل من قضية الاصلاح أمرا ضروريا يصل الى حد اعتباره ضرورة بقاء وحياة للمنظمة الدولية، ويمكن اجمال هذه الدواعي والموجبات في الآتي.
* أظهرت الممارسة العملية بعد نحو نصف قرن من وضع ميثاق الأمم المتحدة موضع التنفيذ وجود جوانب قصور ينبغي معالجته ومن امثلتها:
* ضرورة اعادة النظر في عدد من المبادىء والقواعد التي نص عليها الميثاق ولكنها خضعت لتأويلات شتى قادت الى نوع من الازدواجية في التطبيق وفي مقدمة هذه المبادىء عدم التدخل في الشؤون الداخلية، حق الدفاع الشرعي عن النفس.
* أظهرت التجربة العملية حاجة ملحة لاعادة النظر في الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة, فلم تعد هناك حاجة مثلا لمجلس الوصاية بعد تصفية الظاهرة الاستعمارية، كما تبرز الحاجة الى تطوير مجلس الأمن الدولي باعتباره الأداة التنفيذية الرئيسية للأمم المتحدة والآلية الأساسية لاتخاذ القرارات الحاسمة داخلها، فضلا عن ضرورة علاج الخلل العام الذي ظهر في التوازن بين سلطات الأجهزة الرئيسية للمنظمة خاصة بين كل من الجمعية العامة ومجلس الأمم ومحكمة العدل الدولية.
* الحاجة الى ايجاد علاج ناجح للأزمة المالية التي تواجه المنظمة منذ الستينات وما زالت قائمة حتى الآن بما يكشف عن الطابع الهيكلي لها ويستدعي تدبير موارد جديدة لتغطية نفقات الأمم المتحدة، بالاضافة الى علاج التضخم الذي أصاب الجهاز الاداري للأمم المتحدة ممثلا في الأمانة العامة.
* كما ان التحولات الهائلة التي طرأت على النظام الدولي منذ نشأة الأمم المتحدة وحتى وقتنا هذا تمثل حاضرا على اصلاح الأمم المتحدة لتواكب هذه التغيرات من ناحية وتسوية قادرة على مواجهة التحديات الناجمة عن هذه التغيرات بشكل فعال ومتميز من ناحية أخرى فعلى الأمم المتحدة ان تعزز آليات جديدة أو تطور آلياتها الموجودة فعلا كما تستطيع القيام بالوظائف التي عليها أن تؤديها في ظل النظام العالمي الجديد مثل التعامل مع مشكلات جديدة أصبحت تتصدر جدول الأعمال الدولي وفي مقدمتها مشكلات البيئة واللاجئين والهجرة والايدز والارهاب وغيرها.
ماهية الإصلاح
تراكمت على مدى نصف القرن الفائت مقترحات لا حصر لها لاصلاح أو تطوير الأمم المتحدة على نحو جزئي أو شامل، بعض هذه المقترحات رسمية تقدمت بها الدول الأعضاء أو السكرتير العام للأمم المتحدة أو لجان من خبراء حكوميين والبعض الآخر منها غير رسمية صدرت عن باحثين أو مهتمين بشؤون الأمم المتحدة.
وبوجه عام ركزت الجهود والآراء التي عالجت قضية تطوير أو اصلاح الأمم المتحدة على نقطتين رئيستين هما: الاصلاح المالي والاداري وتطوير بنية الأمم المتحدة.
فبالنسبة للاصلاح المالي والاداري، فقد ذهبت معظم الاقتراحات في هذا الشأن إلى التأكيد على ضرورة وضع معايير موضوعية لتوزيع الأعباء المالية وتوفير الشفافية الكاملة في مرحلة اعداد الميزانية وفي مرحلة الرقابة اللاحقة، مع تمكين الأمم المتحدة من تمويل انشطتها ذاتيا من خلال حصيلة الضرائب المباشرة أو غير المباشرة على بعض الأنشطة الدولية كالطيران الدولي ومبيعات السلاح، وبخصوص الاصلاح الاداري ركزت الاقتراحات على ضرورة الحد من تضخم الجهاز الاداري للأمانة العامة للأمم المتحدة مع مراعاة العدالة في التوزيع الجغرافي لوظائف السكرتارية وغيرها من الوظائف الادارية.
وقد شهد العامان الماضيان انجاز بعض هذه الاقتراحات لا سيما فيما يخص الحد من التغير البيروقراطي للأمم المتحدة، فقد دمج بعض الادارات مع غيرها وتم الغاء البعض الآخر غير انه لم تحقق انجازات تذكر على الصعيد المالي نظرا لتقاعس الدول الكبرى ذات الحصص الكبيرة في ميزانية المنظمة، خاصة الولايات المتحدة، عن تسديد حصصها السنوية بشكل منتظم حتى ان الولايات المتحدة كانت مهددة بحرمانها من التصويت داخل الجمعية العامة بسبب المتأخرات المالية للأمم المتحدة لديها.
أما الاقتراحات الأهم والأخطر والتي سوف يكون لها تأثير عميق على تفعيل أو عدم تفعيل دور الأمم المتحدة مستقبلا فهي التي ترتبط باصلاح بنية الأمم المتحدة وذلك من خلال معالجة جانبين هامين للخلل في هذه البنية وهما.
أ اصلاح مجلس الأمن: وتنصب الاصلاحات المقترحة في هذا الشأن على ضرورة توسيع عضوية المجلس بما يتفق والتطورات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية في العالم وبحيث يكون هناك عدالة في التوزيع الجغرافي والتمثيل الثقافي والحضاري للمقاعد داخل المجلس، والأمر الآخر يرتبط بقواعد واجراءات التصويت داخل المجلس، وتدور الاقتراحات هنا حول مدى ملاءمة الابقاء على استمرار حق الاعتراض الفيتو واحتكار فئة بعينها من الدول له، وامكانية تقييده أو استبداله بنظام آخر يفضله.
واستنادا الى ردود الدول الأعضاء على استبيان قام به السكرتير العام السابق للأمم المتحدة د, بطرس غالي حول هذا الموضوع يبدو ان الاتجاه الغالب يتمثل في اعادة تشكيل مجلس الأمن وتوسعته ليضم من 25 الى 30 مقعداً بدلاً من 15 مقعداً على أن يخصص نصفهم للمقاعد الدائمة وهناك شبه اجماع بأحقية كل من ألمانيا واليابان في احتلال مقاعد دائمة,
كان ان الاتجاه الغالب بشأن حق الفيتو يميل الى تقييد وترشيد استخدامه بدلا من الغائه وذلك بتحديد الحالات التي يجوز فيها استخدام هذا الحق وتلك التي لا يجوز استخدامه فيها.
الجدير بالذكر ان عدة دول في مختلف قارات العالم طرحت اقتراحات لشغل مقاعد دائمة في مجلس الأمن، ففي أفريقيا تسعى نيجيريا وجنوب أفريقيا لشغل مقعدين دائمين كممثلين للقارة داخل مجلس الأمن، وفي آسيا طرحت الهند وباكستان واليابان، وفي أوروبا جاءت كل من ألمانيا وايطاليا في صدارة الدول الأوروبية الرامية الى تبوؤ مقاعد دائمة بالمجلس نيابة عن أوروبا، ولم تكن القارة اللاتينية بعيدة عن هذا السباق حيث طرحت البرازيل والأرجنتين.
وقد يبدو مقبولاً ترشيح كل من المملكة العربية السعودية ومصر لشغل مقاعد دائمة بمجلس الأمن باعتبارهما محور ارتكاز في العالم العربي، ولا سيما وان كلتا الدولتين تمتلكان المقومات والمؤهلات اللازمة لشغل هذه المقاعد، فمصر لديها الثقل السكاني والحضاري والحضور السياسي وتتمتع المملكة العربيةالسعودية بوزن اقتصادي ومالي ذي شأن دولي واقليمي، ناهيك عن ثقلها الديني الإسلامي، هذا فضلاً عن كون كلتا الدولتين من الأعضاء المؤسسين في الأمم المتحدة ولكل منهما دوره الفاعل والمشترك والمشهود به في شتى أنشطة وأجهزة الأمم المتحدة.
ب احداث توازن بين السلطات الممنوحة للأجهزة العاملة في مجال المحافظة على السلم والأمن الدوليين بمعناه المباشر مجلس الأمن وتلك العاملة في مجال السلم الاجتماعي الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية والمقترح هنا ادخال اصلاح يمكن الجمعية العامة من ممارسة رقابة سياسية فعلية وفعالة في مجلس الأمن ويتيح لمحكمة العدل الدولية الفرص الكاملة في ممارسة رقابة قضائية على المجلس حرزاً من احتمالات إساءة المجلس استعمال السلطات والصلاحيات الواسعة التي يمنحها له الميثاق في مجال الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
وحتى اللحظة الراهنة تعتبر الاصلاحات المتعلقة ببنية الأمم المتحدة هي الأكثر إثارة للخلاف والجدل نظراً لأهميتها وحساسيتها ولم تتخذ أية قرارات حاسمة بشأن أي منها، وعلى أية حال فإن التنفيذ الواقعي لهذه المقترحات يظل رهناً بموافقة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن ثم يتوقع ان تكون الاعتبارات السياسية والمصلحية والقانونية هي المحور الرئيسي لمستقبل هذه الاصلاحات.
وبوجه عام، فمن الراجح أن تشهد السنوات القادمة اصلاحات جزئية على هياكل الأمم المتحدة بما يسمح بحصول اليابان وألمانيا على مقعدين دائمين وتمثيل أفضل نسبياً للدول النامية، في صورة مقاعد غير أو شبه دائمة داخل مجلس الأمن، ومن المتوقع ان يصاحب هذه الاصلاحات اعادة تنظيم الامانة العامة ووضع ميزانية خاصة بعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام وربما اشراك المنظمات الأهلية بشكل أكبر لتنفيذ هذه العمليات ومن ثم تعمل جزءاً من نفقاتها ومن ثم لا يتوقع حدوث طفرة نوعية للأمم المتحدة على الأقل في المدى القريب والمتوسط.
الخاتمة
في ضوء العرض السابق يبقى الطموح في وجود أمم متحدة فعالة وقوية كما هو منصوص إليه في الميثاق أمراً مرغوباً بل وضرورياً بشكل أكثر من أي وقت مضى من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، فالولايات المتحدة وهي القضب الأوحد في اللحظة التاريخية الراهنة والتي ربما استمرت كذلك لعقد أو عقدين قادمين لا تستطيع وان رغبت لعب دور الشرطي العالمي وحدها نظراً لتكلفته الباهظة، وهي من ناحية أخرى لا ترغب وان استطاعت في التدخل بشكل منفرد أو جماعي في بؤر التوتر في العالم حين يكون لها مصلحة مباشرة أو تتعرض مصالحها الحيوية والاستراتيجية لتهديد خطير أو خطر داهم، ومن ثم فإن عبء التعامل مع الأزمات المتغيرة هنا وهناك سيقع بالدرجة الأولى مع الأمم المتحدة بما سيتدعي انجاز الاصلاحات المطلوبة في هياكلها وطبيعة العلاقات بين أجهزتها المختلفة كي يتسنى لها النهوض بالوظائف المنوطة بها بشكل فعال، على أن هذه الاصلاحات ستظل رهناً إلى حد بعيد بطبيعة التغير في علاقات وتوازنات القوى داخل وخارج الأمم المتحدة واذا كان الأرجح في ضوء الشواهد الحالية ان الاصلاح سيكون جزئياً فان ذلك لاينفي ان يكون هذا الاصلاح بداية لمرحلة تطوير شاملة ربما اذا اقترن ذلك بتغير نوعي في علاقات القوى في هيكل النظام الدولي ومستمرة للأمم المتحدة بحيث تصبح قادرة على ادارة شؤون المجتمع الدولي بالكفاءة والفاعلية المرجوتين.
ويبقى التساؤل إلى أي مدى ستكون أمم متحدة القرن الحادي والعشرين مختلفة أو متشابهة مع أمم متحدة القرن العشرين؟ وكم سيمضي من الوقت قبل أن تصير الأمم المتحدة، بحق المدير والمشرف والفاعل الحقيقي في مجريات الاحداث وتفاعلات القضايا على الساحة الدولية؟
تساؤلات إجاباتها اليقينية لا زالت في رحم الغيب.
|
|
|
|
|