| الاخيــرة
تنسب القصيدة الزينبية للامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه، وقد حوت الكثير من المواعظ والنصائح التي جسدت السلوك الانساني السائد عبر الازمنة والدهور، وسأقطف من زهورها في هذه العجالة ما راق وطاب، وسأنتقل من غصن الى آخر دون ترتيب, فهاهو في بعض الابيات يقول:
ان الغني من الرجال مكرم وتراه يرجى مالديه ويرهبُ ويبش بالترحيب عند قدومه ويقام عند سلامة ويقربُ والفقر شين للرجال فانه يزرى به الشهم الاديب الانسب |
البشاشة والترحاب، سلوك انساني قد يكون محموداً اذا لم يتجاوز الحد ولم تطله المبالغة، ولكن واقع الحال لدى البعض مبالغة في الترحاب، وتجاوز في القريض، حتى لكأن الملق قد بات ديدن الناس في التهلل والترحيب، بل اضحى مظنة وسوء خلق، فلزم البعض وألزموا غيرهم بسلوك قد يكون من المحمود تلافيه, والنفاق ان اصبح مبالغة في المجاملة فذاك شأن قد يمكن قبوله، غير انه ان تعداه الى الخداع والمراوغة فذلك ما عناه الامام علي بن ابي طالب في قوله:
لا خير في ود امرئ متملق حلو اللسان وقلبه يتلهب يلقاك يحلف انه بك واثق واذا توارى منك فهو العقرب يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب |
وفي الخداع نيل مرام، وبلوغ هوى، ولذة انتصار, غير انه مرام الناقم، وهوى الجائر، وانتصار الحاقد، ونحسبها صفات تهوي بصاحبها الى سوء الحال في الدنيا والآخرة, والكذب صنو الحسد، والخداع اداة الحسود, لذا فمفارقة الكذوب التماساً للعافية، ونجاة من المظنة، فهاهو الشاعر يقول:
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً ان الكذوب لبئس خلاً يصحب وذر الحسود ولو صفا لك مرة أبعده عن رؤياك لا يستجلب |
لكنه عاد فاختار لك الجليس الجدير بالمعاشرة، الذي يكون لبيباً عاقلاً متأدباً فها هو يقول:
كن ما استطعت عن الانام بمعزل ان الكثير من الورى لا يصحب واجعل جليسك سيداً تحظى به حبر لبيب عاقل متأدب |
فاللبيب يهديه عقله الى مسالك الخير، ونبل المعشر، ناهيك عن كون اللبيب حبراً، لديه من العلم ما يؤنس به المجالس، ويغذى به الفؤاد، ويهذب به السلوك، ولذا لزم حفظ الود له، وحسن معاشرته حتى لا تتنافر القلوب، ويقل الود، وتزيد الجفوة، وهذا ما عناه الشاعر بقوله:
واحرص على حفظ القلوب من الاذى فرجوعها بعد التنافر يصعب ان القلوب اذا تنافر ودها شبه الزجاجة كسرها لا يشعب |
وفي القصيدة نفسها تحدث علي رضي الله عنه عن القناعة، في كونها راحة البال، وتجارة دائمة، وغنى أبدياً, ومن ادواتها اليأس مما فات، لانه يريح البال، ويمحو الشأو البعيد المنال، فيزول الشنان والتملل والقلق، ولكون القناعة كنزاً أبدياً، فلا إخال صاحبها الا وقد استمتع بما لديه من كنز، وصفا وده لمن حوله من اقارب واصدقاء ومعارف لتركه ما يجلب البغض والتنافر, اما الطامع فقلق البال، بائر التجارة، دائم الفقر, وهو بطمعه قد اكتسى ثوب المذلة والهوان تراه يلهث في جمعه للمال دون مراعاة لقيم او مبادئ، يبدو في ثياب الفقر في غناه، وفي مقام المذلة مع استغنائه عنها، لكنه اراد لنفسه ان يكون هكذا فكانت، ولا يكاد ان ينال فضل المعسر او الموسر الا ويبحث عن نوال جديد، يده ممدودة الى الكريم واللئيم، فان اعطاه الكريم شكر وطلب المزيد، وان رده اللئيم واذله عاود الكرة دون خجل، لا يمنعه حياء، ولا يشبعه الا التراب.
د, محمد بن عبدالرحمن البشر
|
|
|
|
|