| أفاق اسلامية
* كتب المحرر
انتشرت المراكز الإسلامية في بلاد الغرب بهدف تبليغ الرأي العام الغربي بأحكام ديننا الحنيف، كما تعد تلك المراكز والجمعيات الإسلامية نوافذ شرعية ينتشر من خلالها الإسلام إلى كل أصقاع المعمورة وفي الوقت نفسه المدافع الأول عنه ضد كل الطعنات والسموم الموجهة له علاوة على نشرها للفكر الإسلامي الصحيح بين الجاليات والأقليات المسلمة.
وبمناسبة عقد ملتقى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود الإسلامي الثقافي (الجمعيات والمؤسسات والمراكز الإسلامية في أوروبا) نظمها أهدافها آثارها الذي تنظمه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المدة من 10 12/6/1421ه بدولة المجر، بهذه المناسبة طرحت الجزيرة على اثنين من القائمين على تلك المراكز الإسلامية في الغرب سؤالاً عما إذا كانت المراكز قد أدت واجبها الدعوي والتعليمي؟،
أم أنها تحتاج إلى تكثيف جهودها في هذا المجال؟
التوجه نحو الدين الحق
فتحدث في البداية رئيس المركز الإسلامي الثقافي الإسلامي بمدريد بإسبانيا الدكتور صالح بن محمد السنيدي الذي قال: إن ظاهرة تواجد المراكز والمساجد والمصليات وانتشارها في المدن والقرى ببلاد الغرب؛ ليدل دلالة حقيقية على أن هناك توجهاً واضحاً نحو هذا الدين الحق من قبل سكان هذه البلاد، أو أن هناك هجرة ونمواً في قطاع المسلمين الذين دفعت بهم الأقدار إلى تلك البلاد، مشيراً إلى أن هذه الدراسة تؤكد أن الفئة الأولى وجدت في الإسلام ضالتها بعد أن تخبطت يميناً وشمالاً، كما أن الفئة الثانية تأكد لها بعد التجربة أن تشبثها في هويتها التي هي الدين واللغة هو الحل الأمثل أمام موجات الذوبان وفقدان الهوية؛ لأنها مهما وصلت وعلت في تلك المجتمعات ستظل بنظر رجل الشارع على الأقل أجنبية ووافدة ومرتزقة وليست محل ثقته، وأن التعايش معها يلفه الغموض.
وأضاف الدكتور صالح السنيدي قائلاً: ولهذا انتشرت المراكز الإسلامية وتكاثرت كرمز للانتماء وحفاظا على الهوية شجعها وباركها هذا الإقبال الكثيف من قبل أفراد الجالية المسلمة، مبيناً أن هذه المراكز وما تحمله من فكر نير بعيداً عن الخصوصيات الضيقة والاقليميات المتعصبة تعد نافذة حضارية مهمة نقدم فيها أنفسنا وما نحمله من مبادىء وقيم ومثل وحضارة للمجتمع المضيف الذي يجهل الكثير عنا، ويتلقى صورة قاتمة من الإعلام الذي توجهه وتهيمن عليه الصهيونية العالمية بأدواتها المتعددة، والنظرة المحلية المتعصبة ذات الأبعاد الدينية والتاريخية، وما يترجمه سلوك البعض منّا نحن المسلمين خاصة في الغرب من غوغائية في السلوك والمعاملة والنظرة للآخر، مما يجيره البعض في أرصدة المسلمين في الغرب ويسحبه على المجموع بدلاً من حصره في زاويته الحقيقية الشاذة والمحدودة؛ لذا فإن لهذه المراكز أكثر من مراكز والاهتمام بهاواختيار القائمين عليها بدقة وتوجيه برامجها، سيكون له الأثر الفعال بإذن الله تعالى ليس لخدمة الجالية فحسب، بل لخدمة الإسلام والمسلمين وتصحيح النظرة الظالمة نحو دينهم وقضاياهم التي تريد القنوات الإعلامية ترسيخها في ذهن هذا المجتمع الغربي او ذاك.
وبالنسبة إن كانت تلك المراكز قد أدت واجباتها أم لا، أبان الدكتور السنيدي أن المراكز الإسلامية تحتاج في البداية إلى فهم تركيبتها ومجموعة العوامل التي تحيط بها، فهي في غالبيتها مجتهدة تنقصها البرامج والأطر والأهداف الواضحة المحددة، كما أن البعض الآخر منها يعتمد على موارد مالية محدودة، أو ان هناك سوء تدبير لهذه الموارد لدى هذا البعض، وصنف ثالث منها مؤطر في مذهبية او حزبية أو جماعة معينة يسعى لبث فكرها واستقطاب أنصار لها، مؤكداً أنه لمعرفة ما إذا كانت قد أدت واجباتها أم لا؟ فهناك ظروف تحكم كل مركز ونوعية من يعمل في ومدى جديته عن أدائها لما هو منتظر ومطلوب منها تحكمه الظروف كل مركز ونوعية من يعمل فيه، ومدى جديته وتعامله مع الظروف المحيطة.
تهيئة الأجواء للوافدين
واستطرد رئيس المركز الثقافي الإسلامي بمدريد في الصدد نفسه قائلاً: إن تلك المراكز قد قامت بدور مهم وضروري فهي إن لم تستطع ان تبلغ رسالتها للمجتمع الذي تعيش فيه فقد نجحت في تهيئة الأجواء للوافدين إلى هذا البلد أو ذاك في الالتقاء والتعارف ومن ثم التكاتف والتعاون، وبث هموم الغربة ومشاكلها، والعمل على تذليل مشاكلها وعدم الوقوع في مساوئها.
وأفاد الدكتور السنيدي أن جوانب القصور في أداء المراكز الإسلامية لهذه الرسالة تنحصر في عدة عوامل داخلية وخارجية، لعل أهمها يكمن في نوعية العاملين بهذه المراكز فغالبيتهم ينقصه العلم الشرعي الصحيح وعدم التفرغ أمام مطالب الحياة المتعددة، كثير منهم طلبة، أو ممن لم يوفقوا في إكمال دراساتهم، كما ان نوعية مرتاديها في مجملهم من محدودي الثقافة مما يؤثر ذلك سلباً في انفتاحها على الآخرين ممن يريدون التعرف علينا وما لدينا من فكر ودين، وتأتي التداخلات المتعددة في عمل هذه المراكز وبرمجها لتقلل من فاعليتها وتأثيرها في محيطها.
نعود لنؤكد القول بأن هذه المراكز أدت بعضاً مما عليها وتنتظر الدعم والمؤزارة من الأهل وذوي القلوب الكبيرة والنوايا الحسنة، الدعم المادي المدروس والمعنوي بإشعارهم أن لهم سنداً يؤازرهم ويتبنى قضاياهم وهمومهم في غربتهم، وفي تجربتنا مع المركز الثقافي الإسلامي في مدريد ومن خلال الدعم والتشجيع الذي يحظى به هذا المركز من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين نستطيع القول: إن هذه التجربة مع قصرها تدعو للتفاؤل، حيث الانفتاح على الآخر وفتح قنوات الحوار معه دون حرج أو خوف من خلال النوافذ الإعلامية المختلفة، كل هذه أثبتت أن الإنسان الغربي على الرغم من الرواسب التي تعيق انفتاحه وتفهمه للفكر الإسلامي إلا أنه بدأ يبحث بنفسه عن ماهية الإسلام ونظرته إلى القضايا الحياتية من مصادرها الأصلية وهذا في رأيي يعد نجاحاً آخر وتحرراً من المصادر الأخرى المشبوهة التي كانت تملي عليه ماتريد أن يعرفه وتحجب عنه مالاتريده، كما أنه انعكاس لعقلية القرن الحادي والعشرين التي تحررت من القيود والحدود في ظل الأقمار الصناعية والانترنت وغيرها التي تسود الغرب حالياً وتأخذ مسارها إلى عالمنا الإسلامي.
وخلص الدكتور السنيدي إلى القول إلى ان هذه المراكز لكي تؤدي دورها الدعوي والتعليمي على الوجه المطلوب عليها أن تتسامى على خلافاتها الصغيرة التي هي غالبيتها مادية وشخصية، وتدرك أن لها رسالة أهم ومهمة من مسألة إثبات الوجود التي تمارسها، ومتى ما أدركت هذه الرسالة، وتبنت هذا الهدف فسيتحقق لها الاثنان معاً، خاصة إذا خلصت النوايا واتضح الهدف، كما أن المشوار طويل والعقبات عديدة ولابد من التضحية والصبر وإخلاص النية؛ لتحقيق هذا الهدف السامي.
مراكز القاديانية والأحمدية
ومن جهته تطرق مدير المركز الإسلامي الثقافي في النمسا الدكتور فريد اسكندر خوتاني إلى تاريخ المراكز الإسلامية في دول الغرب، فقال: إن أول المراكز التي قامت في أوروبا هي مراكز القاديانية والأحمدية، حيث وجدت هذه الطائفة الدعم والإمكانات؛ لنشر أفكارها في أوروبا، وهي اليوم تكاد تكون قداختفت تقريباً إلا بعض المراكز التي تقلصت نشاطاتها بشكل كبير، وتلا ذلك قيام المسلمين بافتتاح المراكز والجمعيات والمصليات ومعظمها بدعم من المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً، وهذه نعمة أنعمها الله سبحانه وتعالى ، إذ قيض الله لهذا الدين رجال من المملكة العربية السعودية ومن خارجها؛ ليقوموا برفع راية التوحيد، والاهتمام بشؤون المسلمين، والنظر إلى حل مشكلاتهم، إذ نرى اليوم أنه يكاد لاتخلو مدينة من مدن أوروبا من مركز أو جمعية إسلامية تعين المسلمين على الحفاظ على هويتهم الدينية، وتوضح لغير المسلمين آداب الإسلام وسماحته ونقائه.
وأضاف الدكتور الخوتاني في الصدد نفسه قائلاً: إن هذا التغيير والتقدم المنهجي والفكري للمراكز الإسلامية يعتبر انجازاً كبيراً للمسلمين، إلا أن المسلم يطمح دائماً إلى الأسمى والافضل، خاصة ونحن في عصر فقد فيه الغرب كل القيم الروحية الإيمانية والاخلاقية، ويعيش في خواء إيماني لايعرفه إلا من منّ الله عليه من الأوروبيين بفهم حقيقة الإيمان وحقيقة الحياة، فالمراكز حتى الآن أمامها الكثير من المسؤوليات والجهود التي ينبغي أن تقوم بها والميزان في ذلك هو، أولاً كم نسبة المسلمين الذين استطاعت المراكز والجمعيات استيعابهم في نشاطها من إجمالي عدد المسلمين في البلد الذي فيه المركز أو الجمعية؟، وثانياً كم من أهل البلد وصلتهم صورة هذا الدين صافية نقية، وكم منهم لم تصلهم؟.
|
|
|
|
|