| الاقتصادية
إحدى أهم ركائز الإدارة الاحترافية أنها تعمل دوماً على تحليل المشكلات الإدارية (على مستوى الفرد والمنشأة والسوق) وتحاول أن تفصل الأعراض عن الأسباب ثم تلاحق الأسباب الحقيقية (لأنها الداء) وتعالجها بالطرق والاساليب والتعديلات الملائمة, ومن المهم ان تتعلم المنشأة الاحترافية كذلك عن طريق حفظ اساليب معينة لمواجهة مشاكل متكررة ومتشابهة وهذا يمتد في النظرية الإدارية ليشمل ما يمكن ان نسميه ب(استراتيجية التكيف), إذن، التحليل والمواجهة والتعلم والتكيف، اربع حلقات متشابكة للتعامل مع المشاكل والتهديدات التي تضرب منشآت الأعمال في ارزاقها وتقلص من نجاحاتها.
لدينا، الوضع مختلف حيث تطغى أهمية الأعراض السطحية على الأسباب الحقيقية وتتقلص المواجهة إلى مواجهة إعلامية وتحديات مع النقاد والمحللين الخارجيين وتصبح عملية التعلم والاستفادة مؤجلة وتتحول استراتيجية التكيف الى استراتيجية اعلامية يمكن ان نسميها (استراتيجية التبرير), لنأخذ مثالاً من الواقع, العديد من مؤسساتنا وشركاتنا المساهمة تحقق نتائج ضئيلة نسبة الى حجمها وامكانياتها والفرص المتاحة امامها، فتغمض عينيها (ويسهر المساهمون جراها ويختصم!!) عن فرص الحركة والتصحيح وتلقي بثقلها في عملية التشبث بالتبرير والدفاع المستميت (ولكنه دفاع سلبي وناقص) بدلاً من البدء في رسم استراتيجية مواجهة معتبرة.
النقص الأول في مفاهيم الإدارة الاحترافية يتمثل في الغفلة عن الاسباب الحقيقية والغوص في عمليات تفسير الاعراض والاهتمام بها, فيقولون (مشكلتنا) انخفاض الارباح او المبيعات,, وليس (مشكلتنا) نقص المهارات او القدرات او الكفاءة الانتاجية, في الاولى يتحدثون عن اعراض تعلو وتهبط بسبب ما جاء في الجملة الثانية، وعلينا ان نتذكر ان (خفض) حرارة المريض قد لا تعني شفاءه من السقم او الفيروس الذي يختبئ بين اضلاعه.
ثم بعد ذلك تعلن الشركات ضعيفة الاداء حالة الاستنفار وتحشد قواها لصياغة وتطبيق (استراتيجية التبرير) بحثاً عن شماعات ومعالق ودواليب (تعلق) عليها حالات الضعف والهزال والارباح الشحيحة, احدهم كتب مؤخراً مقالاً عن اداء الشركات ودشن الموقف التبريري بإلقاء اللوم على الوضع الاقتصادي ومستوى الصرف الحكومي والقوة الشرائية وان الناس لم تعد تشتري كما كانت، علاوة على الاعذار المعروفة التي اكل الدهر عليها وشرب مثل المنافسة والاغراق وضعف الحمايات والحظ وغير ذلك.
مأساة استراتيجية التبرير انها تتجه نحو طريق واحد مسدود يتمثل في التمسك بتأثير العوامل الخارجية التي تقل قدرة الشركة على التحكم فيها او تدفن رأس الشركة في اسباب لها علاقة بالمصادفات والمقادير التي لا يستطيع التخطيط التحسب لها, وعلى العكس، تلتفت الادارة الاحترافية نحو المشاكل والعوامل الداخلية ذات العلاقة وادائها ومهاراتها وكفاءتها ومن ثم تعالجها بالذي هو مناسب وتتجه بعد ذلك الى غيرها من المنغصات والمشاكل البيئية والخارجية, بذلك تملك الادارة اليد الطولى في السيطرة والتحكم وتسيير (المقادير) لصالحها وعكس اتجاهات الريح الى حيث المطر والارباح والخير الوفير (اللهم ارزقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين).
|
|
|
|
|