| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
ما هي إلا أيام قلائل وتفتح المدرسة أبوابها مشرعة لاستقبال الطلاب بعد قضاء إجازة الصيف التي استراح فيها الطلاب من عناء المجهود اليومي الذي كان يقضيه الطالب في المدرسة فهو بحاجة الى هذه الاستراحة الاجبارية حتى يستقبل عامه الدراسي المقبل بكل همة وحيوية ونشاط يظهر من بين هؤلاء الطلاب ضيوف جدد قادمون على المدرسة لأول وهلة في حياتهم حيث يتميزون بصغر سنهم العمري، وعدم اكتمال نضجهم الذهني والحركي والعطلي نسبياً,, هؤلاء هم أطفالنا,, أكبادنا الذين وصلوا سن السادسة من أعارهم وهو العمر المناسب لدخولهم المدرسة.
وبنظرة حاذقة الى هذه البراعم الغضة نجد ان هناك تبايناً في مدى الاستعدادات الدراسية لدى هذه النوعية من الطلاب فنجد أن هناك فئة من الأطفال سبق لهم الالتحاق بدور الحضانة والروضة وهي مؤسسات تربوية واجتماعية لها أهميتها في تعزيز الجوانب السلوكية الايجابية لدى الأطفال وكذلك دورها في تدعيم دور التوافق النفسي والاجتماعي لهم مع اقرانهم ومدرسيهم فضلاً عما تقدمه من مهارات قرائية وكتابية مختلفة تساهم وبشكل كبير في تأسيس معلومات الطفل وثقافته مما ييسر له جوانب الدراسة في المدرسة الابتدائية, ولكن هناك بعض الأطفال الذين لم تتهيأ لهم مثل هذه الفرص حيث يحتاجون لمزيد من العناية والرعاية المستمرة سواء من حيث تعويدهم على الالتزام بالسلوك الجيد وتدريبهم على القيام ببعض الجوانب المهارية في مجالات القراءة والكتابة وتحويل بعض موضوعات المواد الدراسية الى دروس عملية تطبيقية تعايش واقع الطلاب وتتفاعل مع حياتهم اليومية.
إن هؤلاء الأطفال في امس الحاجة إلى رعاية أكبر وعناية أفضل لكن السؤال الذي يطرح نفسه,, ما نوع الرعاية التي يحتاجونها عندما يدخلون الى ابواب المدرسة في أيامهم الأولى فيها.
عند الشروع في الإجابة على تساؤل كهذا لابد لنا أن نعرف أهمية الجوانب السيكلوجية للطفل في خلال هذه الفترة كما أنه من الافضل التعرف على مرحلة الطفولة بشكل عام ومدى تأثير العديد من العوامل عليها والتي لا ينبغي إغفال دورها إيجاباً أو سلباً, ومن المتعارف عليه في الأوساط المهتمة بالتربية او بما يراه علماء النفس أن هذه الفترة العمرية من سن الطفل والتي تبين مدى اندماجه بأقرانه ومجتمع الرفقاء من الأطفال الآخرين قد تكون في ذهنه ملامح جديدة عن الحياة المدرسية, وقد تتضارب هذه الملامح لديه أحياناً على ضوء الخلفية الثقافية للأسرة مثلاً وطبيعة الحياة التي يعيشها مع والديه وإخوانه ومن خلال ما يشاهده على الشاشة الفضية من أحداث تساهم في تشكيل وقولبة هذه الملامح عنده.
ولذلك ومن خلال منظار آخر فالمدرسة تشكل لدى بعض الأطفال مكاناً غريباً كل الغرابة عليهم ابتداءً بالمبنى المدرسي وشكله وطبيعة عمل المدرسين وأساليبهم التربوية والتعليمية,, فقد يتهادى الى سمعهم تلك الغلطة التي لم يزل يتشبث بها بعض المعلمين ظنا منهم أنها وسيلة علاجية لبعض الطلاب الذين لا تنفع معهم الوسائل التربوية المتعارف عليها,, ومن جهة أخرى فان بعض الآباء يجعل من المدرسة وسيلة تأديب وعقاب لطفله الذي لم يزل يعبث بأثاث المنزل والذي يشاكس إخوته او الذي يملأ المنزل ضجيجاً وصراخاً, أما الإخوة الكبار فقد يساهمون بمثل ذلك زارعين قي قلوب اخوتهم الصغار الوجل عندما يملون عليهم بأنهم في حالة دخولهم المدرسة سينالون أشد الجزاء فيما لو تأخروا عن الطابور الصباحي أو لغيابهم عن المدرسة أو لعدم حفظهم لأي موضوع دراسي يراد حفظه,, من هذا نستطيع أن ندرك قتامة الجو النفسي المحيط بذلك الطفل القادم للمدرسة وقد تكهرب بمشاعر الخوف والرهبة فيتردد في الالتحاق بها عن طيب خاطر في كثير من الأحيان ولربما يذهب إليها مكرها,, مجبوراً كسير النفس فلم يعد له الرغبة فيها,, وكما أنه لا ينبغي لنا أن نغفل بأن طفل السادسة لم يزل قريب العهد بأمه حيث الدفء والعطف والحنان وكذلك وجوده بجانب إخوته الصغار في المنزل وبأطفال الجيران في ساحة البيت او في الحي الذي يسكنه ولذلك فهو في حاجة إلى من يشد على يده ويعضد ساعده ويشجعه بقوة في خلال هذه الفترة الانتقالية الهامة من حياته ولذلك أفليس هو بحاجة الى أب متفهم لمعنى الأبوة الكاملة مقدراً مرحلة الطفولة بما فيها من براءة الأطفال وسماحتهم؟
كما أنه بحاجة الى أم واعية، عارفة لدورها في التنشئة الاجتماعية والخلقية، مهتمة بمستقبل أطفالها، مدركة لدور التربية الحقة مقدرة أهمية التعليم,, ولتأكيد دورها الأساسي في صناعة الرجال وإعداد النشء سواء كانوا صبياناً أو بنات، أما المدرسة فإن من أولويات الاهتمام فيها هو شعور العاملين فيها بسمو رسالتهم وعظمتها وأنه لا يعادلها شيء سوى كسب الاجر والثواب من الله عز وجل فإذا شعر رجالات المدرسة بأن التربية رسالة قبل كل شيء وليست مهنة تكسيبية فإنهم سيرتقون بالطفل إلى أعلى الدرجات ولعل أولويات العمل تجاه هؤلاء الأطفال في أسبوعهم الدراسي الأول,, بناء حياة جديدة وروح ثابتة صادقة في ان يستقبلوا الاطفال بمشاعر صادقة وأحاسيس فياضة تعلوها ابتسامة على الشفاه والابتسامة في وجوه الآخرين صدقة كما يحثنا على ذلك ديننا الإسلامي الحنيف بالاضافة الى الدعم المتنامي الذي يستحث العطاء المستمر,, وقد يكون ذلك في مشاركتهم ألعابهم,, في جريهم ومشيهم,, في تعريفهم على المدرسة ومرافقها وساحاتها والطرق المؤدية اليها مع تدريبهم على المشي الجيد المتسم بالحيطة والحذر من حركة الشارع وما به من سيارات مارة أو أي مركبات أخرى ولا بأس من أن يعرض عليهم بعض الأفلام التلفزيونية بواسطة الفيديو عن آداب المشي، وحركة المرور في الشارع لتفادي الحوادث، وكذلك آداب الاكل، والاهتمام بأداء الصلوات الخمس، ودروس يومية عن احترام الآخرين وتقدير آرائهم.
ولنمنح أطفالنا الفرصة لكي يقولوا ما يودون قوله من حكايات وقصص وأحاديث سبق لهم تلقفها من آبائهم وأمهاتهم وجداتهم أو من أطفال الحي الذي يعيشون فيه أو مما يرونه من مسلسلات الأطفال التلفزيونية.
وفي هذا الإطار يبرز دور المعلم الناجح في مشاركته لطلابه الصغار سواء بالانصات والاستحسان لما يقولونه أو في التفاعل الحركي فيما يقومون به من حركات وإيماءات مع محاولة تحويل ذلك النشاط الى نشاط تمثيلي هادف مع إيجاد قدر جيد من التقييم لأدائهم والتعليق على بعض الجوانب لمحاولة تصحيح ما يبدر من تهويل أو مبالغة لحكاية من الحكايات سمعها بعض هؤلاء الأطفال ليحاولوا إلقاءها أمام زملائهم الأطفال القادمين الى المدرسة.
ومن هنا فإن البحث عن انتاجية الأطفال أمر مهم تبحث عنه جميع السياسات التعليمية والفلسفات التربوية في العالم كله,, لكن التصور يبدو شيئاً آخر لا يتلازم مع الواقع أحياناً فمشكلة الكثير من المعلمين التشبث بالجوانب التقليدية في التربية والتعليم وهذا ما نطلق عليه المعلم الكلاسيكي الذي يهمه بالدرجة الأولى أن يردد موضوعاته الدراسية ويرددها الطلاب الصغار وراءه وانتهى به الأمر الى قولته المعروفة ها,, حفظت يا شاطر؟ ومن هنا فإنه يطلب من ولي الأمر أن يستمر في تلقينه وتحفيظه في المنزل حتى يأتي للمدرسة وهو في حالة جاهزية كاملة، وفي هذا الإطار فإننا ندرك أنه في بعض الحالات يحمل معلم الصف الأول الابتدائي ما لا يطيق, فقد يسند اليه فصل دراسي مكتظ بالطلاب وقد يتراوح أحياناً طلاب الفصل من ثلاثين الى اربعين طالباً وتطلب منه أمور لابد من انجازها في فترة زمنية معينة, مثلاً التقيد بخطة توزيع وحدات المقرر الدراسي على أشهر العام الدراسي وضرورة إنهائها في الوقت المحدد لها,, وهذا يتم على حساب فهم الأطفال واستيعابهم ويؤثر كثيراً في انتاجيتهم,, ولذلك فإنه آن الاوان لإيجاد نظرة متوازنة تعيد حجم الفصل الدراسي مثلاً الى الحجم المعقول والمقبول وليكن من عشرين الى خمسة وعشرين طالباً مثلاً مع الأكثار من الحصص التي ترتقي بنشاط الطفل وفاعليته.
إن وجود ولي الأمر بجانب طفله في الأيام الأولى يعد عاملاً من العوامل التي تحث على استقراره بالمدرسة، وحافزاً قوياً يؤكد على بقائه فيها طيلة دوام اليوم الدراسي ولذلك فإنه لابد للمدرسة ان تبذل قصارى جهدها في جذب ولي الأمر للمدرسة من خلال الأسبوع الأول وألا تبخل عليه بالتوجيهات السديدة التي تحثه على المشاركة وزيادة أواصر الاتصال بالمدرسة من حين الى آخر وألا ينتظر أي دعوة من المدرسة,, فالمدرسة يوم مفتوح بل أقول إنها دار مفتوحة لجميع أولياء أمور الطلاب,, إن وزارة المعارف متمثلة في الإدارة العامة لتوجيه الطلاب وارشادهم قدمت عملاً جليلاً عندما وجهت مدارسها بأن يخصص الاسبوع الأول من بداية العام الدراسي لاستقبال الطلاب الصغار والاحتفاء بهم في جو مفعم بالمحبة والحنان الأبوي في روح تربوية خلاقة، ولهذا فإنه قد حذت حذوها في هذا مؤسسات تربوية أخرى.
فمزيداً من الاهتمام بأطفالنا الصغار,, ليبقى اطفالنا أكثر قوة وفهماً وتخطياً لحواجز الخوف والتعثر نحو عالم لا يدين إلا للنابهين من اولئك الناس الذين ينظرون للمستقبل بكل ثقة واطمئنان.
أحمد بن إبراهيم اليوسفي المرشد الطلابي بمدارس الهيئة الملكية بالجبيل
|
|
|
|
|