| الثقافية
* قلنا في المقالة السابقة انه يفترض ان يشارك القارئ الكاتب في اتمام النص الأدبي الابداعي المفتوح دائما على كل الاحتمالات الفنية والموضوعية، دون أن يفكر كثيرا في مسألة هدف الكاتب أو مغزى النص، لأن النص القصصي الحديث تجاوز السرد التقليدي الذي كان أساس القصة في الماضي وتجاوز المنطقية في القصة التي كانت تهدف الى ان يمسك القارئ بالقصة حتى لا تفلت منه فلا يستطيع فهمها، أصبح النص القصصي الحديث يقدم صورا متعددة الدلالات والايحاءات تستعصي على الفهم أو الادراك المباشر وتحتاج الى مجهود ذهني من القارئ لكي يقرأ ما بين السطور كما يقال أو لكي يقترب من مسافاتها ودلالاتها ومفاتيحها المتعددة والمبدعة.
ولهذا نأمل أن يكون كتاب النص القصصي الحديث على مستوى الطموح الفكري لهذا النص المتقدم، لأنه لا يكفي حتى الرغبة في العودة بالنص القصصي الى واقعه ورائحة وتاريخ أمكنته، فهذا النص بحاجة الى كاتب ذي وعي اجتماعي وفكري واسع وخلاق وهذا لا يمكن صناعته أو لا يمكن توفره على كل حال في كل تجربة قصصية تسعى الى التجديد الفني والموضوعي أيضا، وكل هذا لا يمنع الكاتب من تجريب أدواته، وتحدث عن أهمية التجريب في النص الأدبي الكثير من النقاد، وهنا نلتقط رأيا للأستاذ أسامة الملا نشر في هذا الملحق قبل فترة يقول فيه: ان التجريب يعد أداة نصية يقوم به العمل الروائي لفتح أبعاد سردية مبتكرة للخروج من نمطية مألوفة الى أخرى أكثر جدة تتهيأ للاشتغال بآفاق المتخيل من خلال الانعتاق من متن نمطي متراكم ومكرس عبر المألوف في خلفيتنا القرائية، لذا كان التجريب بوصفه فعلا نصياً خالصا يبتعد عن كونه تقليعة اختلافية سرعان ما يخفت صوتها ويذهب بريقها ليصبح استراتيجية نصية للولوج الى منطقة محفوفة بالمغامرة والتجاوز .
إذاً فإن النص الأدبي بحاجة الى أن يجرب أدواته الفنية، ويُفترض ان تستمر المحاولات بشكل جاد وواعٍ ومدروس كما أكدت الزميلة ريمة الخميس، لأن الهدف ليس استعراض لغة أو صور غريبة أو صور طلسمية، الهدف أسمى وأبعد من ذلك كثيرا، وهو ببساطة محاولة لكسر حدة النمط والتقريرية في النص الأدبي ومحاولة الانطلاق به الى آفاق رحبة وجديدة قادرة على خلق الصور الابداعية المتعددة الدلالات والايحاءات، لهذا نرى انه لا يمكن أن ينهض نص أدبي حقيقي بدون لغة متمكنة وابداعية ولا يمكن أيضا للكاتب الجاد أن يقبض على هذه اللغة قبل أن يدخل في حوار وجدال ومغامرة معها حتى يتمكن منها ليكون قد امتلك جزءا كبيرا من أدواته الفنية لإبداع نص قصصي عالي التقنية قادر على تناول مضامين أكثر عمقا تتداخل مع اسئلة وهموم الواقع, وربما هذا يقودنا الى ملاحظة ان نسبة كبيرة من نصوص القصة المحلية والخليجية وبنسبة أقل العربية التي قرأناها في العقدين الأخيرين وحتى الآن كانت فقيرة أو أقل من طموح المتلقي على مستوى المضمون أو الأفكار أو المواضيع التي تعالجها، لهذا نرى ان اقتراب النص القصصي العربي القصير في السنوات الأخيرة من اسئلة الواقع بجرأتها وطموحها سوف يكشف أو يعري التجارب القصصية المحلية والخليجية والعربية المتواضعة على المستوى الفكري أو الموضوعي.
* وطبعا على المستوى المحلي نعتز كثيرا بتجارب رائدة في النص القصصي الحديث الذي كتبه أدباء معروفون منذ نهاية السبعينات الميلادية ومنهم جبير المليحان وفهد الخليوي وعبدالله السالمي وعبدالعزيز مشري ومحمد علوان وصالح الأشقر وجارالله الحميد، ثم تواصلت التجربة من خلال الكثير من الكتاب والكاتبات الذين كرسوا لتجربة القصة الحديثة المحلية حتى الآن على اختلاف مدارسهم وعلى اختلاف مستوياتهم أيضا ولكن بعض هذه التجارب فقط استطاعت تجاوز النمط التقريري المباشر والسائد والأفكار العادية في كتابة القصة منطلقين من حقيقة أن القصة الحديثة يفترض ان تمثل انقلابا جذريا في المفهوم العام لكتابة القصة وليس مجرد تغيير في الشكل اذ تغيرت طبيعة السرد المتعارف عليها الى طرائق تعبير جديدة تستطيع ان تمنح النص دلالات وأفكارا متعددة لتعميق أبعاده، وهذه الرؤية تجعل مساحة الحرية تزداد مع الكتابة وهذا هو الأهم حتى لا تظل محدودة بإطار مرسوم سلفا، لهذا تأتي حرية الكتابة من أهم الروافد الفنية لإبداع نص قصصي مختلف ومتميز يستفيد من كل الأجناس الأدبية والمدارس الفنية مع الاحتفاظ بروحه القصصية.
** هنا تتوقف هذه التداعيات المفتوحة التي حاولت الاقتراب من القصة والتجريب خلال العقدين الماضيين.
هموم فنية ,.
** ولنا في الأسبوع القادم مداخلة صغيرة مع بعض الآراء التي حاولت وضع إطار خاص ومحدد سلفا من أجل كتابة رواية متميزة ، أحد الآراء يطالب الأديب العربي أن يحاول مزج العادات والتقاليد العربية في بوتقة واحدة من أجل الخروج برواية عربية جامعة مانعة ومتميزة، وآراء أخرى تطالب الأديب بأن يعيش مثلاً كل عام في دولة أو مدينة لكي تكون لديه تجربة الحياة والمعرفة والثقافة حتى يتمكن من كتابة رواية حقيقية، طبعا مثل هذه الآراء تقتل حرية العمل الروائي ولا تقدم له شيئا لأنها بكل بساطة تفرض عليه شروطا، والشروط ممنوعة في الكتابة الادبية التي تحتاج إلى الفن والأحاسيس المرتفعة والوعي الفكري والحرية دون شروط، لأن مثل هذه التنظيرات المتواضعة التي ترى انها تليق بعظمة الرواية، هي باختصار محاولة للقول ان هناك شيئا مثاليا في الأدب، بينما الحقيقة هي ان المثالية في الكتابة فقط الكتابة بحرية وفي أي مكان وأي زمان المهم مستوى هذا العمل في النهاية وماذا قدم,, أليس كذلك؟
* أيضا سوف يكون لنا محاولة للاقتراب من المجموعة القصصية الأولى لزميلتنا في جريدة الجزيرة الأستاذة أمل الفاران، انطباعات حول وحدي في البيت التي صدرت حديثا في الرياض.
|
|
|
|
|