| الثقافية
البارحة، كان التنفس يتكاثف في حلقي حتى أشعرني بالاختناق، أو هكذا شعرت، وأنا أفقد وعيي! وفي الصباح، كان الدم قد تخثر في حلقي، في المنطقة التي تعلو تقرحات لساني!
لقد كنت أحسه كذلك، وأنا أسترجع قرف محادثة غير لائقة مع طبيبي الخاص، عفوا، دكتوري الخاص! أذكر كيف سرب الى رأسي اعتراضه الشديد على أعصابه، هو، تجاه نشري لكتابتي السالفة، وبالتحديد، ما كان فيها من تصريح بأخطائه الرياضية الطبية، آمرا بأن أتوقف عن الكتابة، وأصمت، وأتيبس كما أنا الآن على سريري المبالغ في بياضه، متعللا بأن هذه الكتابة لا تقول له الا مزيدا من تداعي صحتي وضمورها في تقاريره المطبعية، مصفوفة الأحرف الجاهزة!
لا يصمت لسانه، وان أقفل شفتيه بإبرة من ابره الغليظة ومعها خيط معدني! يقول، منشغلا عني بقراءة ذرات الموت المنتشرة في جسدي، كأنها بقايا خمسين طفلا دمروا خمدة الشاطىء الواهن، وأيقظوه بالبيوت، والخيول، والقلاع، وبقايا علب العصير، والحليب، والحلوى المخبأة عن أعين الأمهات,, نسيت ما كان يقول، ولربما هوالذي نسى أو تناسى، حتى، ما يفعل الآن، فهو بضآلة احساسه بحياتي العنيفة مع هذه الغرفة المغلقة لا يكاد يعرف انني أبصر كيف يشد تركيزه على لسانه وفمه اللذين يكسوان عينيه وعقله بطبقات سميكة، لزجة، متراكمة من المعقمات الفعالة في زحلقة كلمة السرطان /Cancer من قراءته أو عدّه المتكاثر مرات ومرات!
ذات مرة، لكزته بعقب سؤال أشعله:
من طلب منك هذا كله,, لتزعجني في لحظاتي الوحيدة والأخيرة؟ غيري؟ نعم, أنا؟ لا، ,,, أحبه، وأحبه، وأرتاح اليه أكثر مما أتكثر من أفكار جمجمتك التي تحملها معك، دائما، الى غرفتي وقت الملاحظة، دون أن تغيرها، أو على الأقل تعقم شحومها المتكونة منذ قرون لا تحكم الا بموت من يسكنه صديقي الذي لا تحب ذكر اسمه!
لم أكن مريضة، معدمة، مثالية! هكذا أنا، منذ كنت أقل من عامين من عمري، فقد غافلت اختي التي تؤامن أحضاني بكثير من العرائس الصغيرة واللطيفة التي لم اضطر في يوم من الأيام الى إلصاقها على الجدران ومراقبة تلاشيها كما فعلت غادة الغرباء في ليل غريب وطويل! المهم، ركبت عشر فقرات من ظهري في أعلى رقبتي، لأتمكن من مدها من خلف ساقيها، وجسدي خلف باب أمي، وهي تفلح زرع الأحواش ، وتلمّع أحجارها بغضب محير، لأصرخ فيها:
أنت لا تحبينني, أنت تكرهينني .
وصفقت الباب برعب وسرعة اضطراني لرسم رقبة، وعمود فقري، وجمجمة فيها ملامح وجه قشرتها من دهانات الجدار المتشققة، وثبتها، كلها، على كتفي!
أما أجزائي الحقيقية، فقد كان أخي الأصغر مستمتعا بها كأجمل فزّاعة يطرد بها العصافير التي تأكد أنها تجرجر حبات الشعير الخضراء لتنمو فوق الحصى في يوم، وتموت بعد يوم أو ثلاثة! أفكر في جسدي الآن مثلما أتذكر الشعير، يتورم بسرعة لها نتوءات ظاهرة التكوير والعروق، لينتهي بسرعة أكبر ويموت بالعنف الذي نشأ به،,, أعني الألم والمرض الخطر، لا روحي وأنفاسي، طبعا!
أعرف انكم تحنقون على هذا الدكتور! ولهذا فأنتم بعد لا تستحقون أن اكشف لكم المزيد من خصوصياته! لكن، أتدرون انه لو لم يتوقع طبيبا/ دكتورا أصفر، زائرا لأرسلني الى ما يسمى مستشفى الصحة العقلية ، معتقا تقاريري من تقرحات هذا الخبيث، ليقينه العظيم انني سأنسجم تماما مع ميّ التي يقولون: انها ما زالت تنتظرني هناك!
أعرف انه ينزعج من ثرثرتي الكثيرة في غرفتي المنعزلة، حتى ان آلاتي كلها تثرثر معي، وبات يسأم اصطحاب المهندسين الفنيين، خاصة الرقميين، لاصلاح عطلها الذي يراه في عدم ثبات تقارير قراءاتها المتصاعدة والهابطة، لعلة جسدي!
أكره أن أتدخل في الأمور الطبية الخاصة، كما أتواضع، كثيراً، بعدم إخباره بمعرفتي العلمية وفهمي العميق والقديم في مشاكل التقنية الرقمية تلك! لكني لا أكره أبداً ان أسر اليه بأن هذا الحديد والبلاستيك اللذين سيخضعهما لرأيه، هو، وتوقعه، يقرآن المرض الخفي، والمخيف، أفضل منه!؟
|
|
|
|
|