| مقـالات
(يقولون الله يسامحهم!) إن المرأة تتمتع بخيال أوسع من الخيال, إنها واقعية واقعة على الأرض وخيالية محلقة بجوار العنقاء, بل إنها نتاج لصراع تجلى أزليا من أتون صراع الأمر الذي جعل نصيبها من الإبحار في غبب الخيال تحطما على شواطىء خيبة الأمل!, إليكم هذا المثال: من المعلوم أن المرأة تعشق الرجل الذي يتصف بالكرم والشجاعة والشهامة: تعشقه (سماعا!) فتبادر إلى (عجن!) هذه الصفات فتجسيدها خيالاً, بعبارة أخرى: إنها تقوم بعملية (تدوير) ذهنية يتحول من خلالها (هو) من مجرد صفات متبعثرة مجردة إلى صفات خيالية مجسدة بكيان قائم (خيالا!), إنها، بالأحرى، عملية (تحميض) ذهني تتحول من خلالها الصفات المذكورة (عنه) إلى صورة حقيقة (له): صورة لا توجد سوى في الخيال فقط!, إنها عملية تبلور وتبلور فتجسد فتجلي عن جسد جميل بأعضاء جميلة لا تنتج سوى في (مصانع الخيال!).
إن هذا الخيال الجامح يقود إلى تلاشي كل صفات (المخبر) ليحل محلها المظهر: سواد أو بياض شعره,, غناه او فقره,, طوله أو قصره,, سلامة أعضائه من العيوب أو عدمها, وعليه، وبصيغة سؤال (واحد) ذي أربع صيغ (واحدة!): ماذا يحدث إذا لم يحدث ما توقعت المرأة حدوثه,, أو ما هي النتيجة في حال تجلى البطل (الخيالي) على عكس ما رسمه (خيالها عنه؟!),, أو ما هي نتائج فشل غريزة خيالها هذه,, أو ماذا يحدث عندما يخيب ظنها بخيالها؟! حسنا، دعونا ننقب في التراث لنرى ما يحدث مستعيرين ما ذكر ابن قتيبة، في (عيون الأخبار، ص 39) بقوله: كان ذو الرمة (يحب امرأة اسمها مية) وكانت من أجمل النساء ولم تره قط! فجعلت لله عليها بدنة حين تراه (يعني نذرت أن تنحر ناقة أو بقرة إن تحققت أمنيتها برؤيته!) فلما رأته رجلاً دميماً أسود، صاحت: واسوءتاه! وابؤساه فقال ذو الرمة:
على وجه مي مسحة من ملاحة وتحت الثياب الشين لو كان باديا ألم تر أن الماء يخبث طعمه وإن كان لون الماء أبيض صافيا! |
هنا فألم ذي الرمة المتمثل ببكائه شعراً قد نجم، بالطبع، من اصطدامه بخيال انثى قد اصطدمت (بخيبة) خيالها عنه (شكلا!), إنه نفس الخيال الذي دفع (بمولى بني الحسحاس) إلى أن يعترف (لها) بقبحه مقدما وقبل أن يلتقيها، حيث إن هذا (المسكين!) قد اعتقد خاطئا بأن اعترافه لها بقبحه مقدما سوف يروض خيالها عنه فيجعل منها أكثر واقعية أو على الأقل يسلم (هو!) من عاقبة ردة فعل خيبة خيالها في حال رأته فجأة أو على حين غرة!؛ وقانا الله وإياكم موت الفجأة وخيبة الآمال!!, خذوه وهو يعترف لها إنه قادم إليها (قبيحا!) وذلك كما يفيد عجز بيته القائل (عنه إليها!): (بوجه براه الله غير جميل!!)، والنتيجة؟!,, ولولة سوء وصراخ بؤس وكما ذُكر آنفا!
بل ماذا عن اعتذار المتنبي لها بقوله:
إن تريني أدمت بعد بياضي فحميد من القناة الذبول! |
ماذا جرى (بالضبط) بين المتنبي وبينها استشفافا من سياق البيت السابق الذكر؟ حسنا، أعتقد أنه لا مناص من توقع (السيناريو) التالي: يأتي إليها المتنبي بشوق ولهفة وهو متعب يعروه الذبول من وعثاء السفر، يلتقي بها متوقعا منها مبادلته نفس الدور المشاعري؛ يلحظ تعكر مزاجها وهناك يحس (بامارات الصدمة وخيبة الأمل الخيالي) في ذهنها,, فلا يجد من وسيلة تخفف من (حرجه) في موقف كهذا سوى الاعتذار إليها عن (تغير لونه) شعرا: وهكذا كالبطل السابق ذكره يحاول المتنبي خاطئا أن يكون عقلانيا ناسيا أنه لحظتها كان في مقبرة (العقلانية) المجاورة (لحديقة الخيال!) فيحاول عبثا تعليل حيثيات تغيُّر (لونه!) ويقارنها بأسباب (ذبول القناة) إلى الدرجة التي يرتكب فيها المتنبي خطأ آخر: فلشدة حرجه من أن (تقيمه حسب مظهره فقط!) يرتبك فيرتكب خطأ لغويا فحواه شرح أسباب (سمرته) الشمسية باستخدام لفظ (الأدمة) والأدمة، كما هو معروف، هي الحمرة بسواد، وليست السمرة الناجمة عن التعرض لأشعة الشمس!!,.
ولكن هيهات هيهات: فها هو بطل من أبطال نجد ما قبل التأسيس يبادر بعد قرون وقرون فيصحح ويقوِّم خطأ المتنبي الآنف الذكر: فذات مرة وجد هذا البطل نفسه أمام المرأة التي أحبته سماعا فرسمته خيالا!؛ وهناك وبعد أن رأت (سمرة) شمس نجد الحارقة تعلو محياه (انصدمت وخاب ظنها بخيالها!) فما كان منها سوى التساؤل باستهتار قائلة: (هذا هو فلان؟!!),,؛ ليبادرها البطل مخاطبا (خيالها) الجامح بالقول:
يا ليتها معنا على الهجن ساعه حتى تَعَذر وجيهنا لو غدن سود! |
ختاما (وإنصافا!)، ماذا يحدث عندما يحدث العكس: عندما يصطدم (خيال) الرجل (بواقعية!) المرأة؟ إليكم النتيجة بعجالة: حيث يقال إن (أحدهم) خطب (احداهن) فلم يعجبها (شكله!) ورفضته، فكتب إليها:
فإن تنفري من قبح وجهي فإنني أريب أديب لا غبي ولا فدم! |
فما كان منها إلا أن بادرته بالرد قائلة: ليس لديوان الرسائل أريدك,,!
,, هكذا تكون الواقعية,, أو الخيال!,, (اختر واحدة فقط!!).
للتواصل: ص, ب 4206 رمز 11491 الرياض
|
|
|
|
|