(34)
بكِ ابتدأتُ,,.
وبكِ انتهيتُ,,.
وبكِ أعود,,.
رحلة الأيام التي طافت في محطات المروق,,, كانت ذكية,,, بمثل ذكاء عين النور وهي تستشف زوايا الخفايا، وتنهل من غموض الصمت، حتى تفجر ينابيع الكلام,,.
والكلام عنكِ ومعكِ يحلو,,, بمثل حلو الخفوق في مسرى اللحظات الوارفة بكلِّ ثرائكِ وبكلِّ جمالكِ، وبكلِّ هيبتكِ، وبكلِّ بهائكِ,,.
ضَحكتُ كثيراً كثيراً,,.
وليس ذلك من ضحكِ الفَرِيحين الذين ينتهون إلى العقوبة لا المثوبة,,.
بل ضحك النَّابهين إلى معارج الطرق، يدركون أنَّ في مفازاتها، ودهاليزها، والتواءاتها، وحفرها، وحجارتها، وانبساطها، ما يوقظ وقدة الانتباه، حتى إذا ما أدركتُ شيئاً من ضيائكِ وقفتُ هنا عند مفتاح السير كي أغذَّ بكلِّ الثقة في أن القمة قادمة، والنهاية ليست استشراقاً للانتهاء، بل بداية للابتداء,,.
وتذكرني محطَّاتكِ بشيء من حكم البقاء,,.
كما تذكرني بكثير من قصص المثُلات,,,، وتتلاحم في ذاكرتي بقايا وخفايا الانتصار,,,ذلك لأن ضحك الانتصار يفوق فرحة اللهو العابر السادر نحو الإخفاق في هوة الفقد,,, أو الكسب,,.
فالذين يفقدون وهم يضحكون,,,سيبكون كثيراً عندما تذهب رهجة الضحك من فوق شفاههم,,,، والذين يكسبون وهم سادرون سيبكون كثيراً عندما يفيقون,,.
تذكرني محطاتكِ بنشوة الانتصار على معارج الطريق,,, ذلك لأن المضي مستمر,,, والحياة حلوة بكل ما يأتي,,, جميلة بكل ما يكون، بهيَّة بما سوف يكون,,, والجلوس فوق منصة الفرح سيكون محطة الوصول,,, يا سيدتي وحدكِ من يصنع للطريق نوره، وبهاءه، وخفقة نبضه,,.
تسأليني إن كان للطريق نبض؟!
إي وربي,,, لقد سمعتُ رسيسه وهو يستقر في جوفي بشيء من السعادة التي ما كنتُ اشعر بأنها ستعمِّر دخيلتي بمثل ما أنا فيه منها الآن,,.
منذ أن وضعتُ قلمي كي يستريح عند مشارف نهركِ,,, حمَّلني شيئاً من النبض وهو يقول: هذا زادكِ فابتسمي,,,،
وتهاوى كلُّ الذين لا يقدمون الفرح,,,، واعتليتِ فوق ذرى البهجة يا سيدتي,,.
قلتُ لكِ,,, هاأنذا عدتُ,,.
فاقتربتِ إليَّ أكثر مما كنتِ، والتَحمتِ ذاتاً بذاتٍ,,, حتى تساوى الرسيسُ,,,وابتدرتُ أزرعُ الأرضَ,,, كي تخصبَ ثمارُكِ,,.
هذه الطريق مرسومة,,.
والمعالم تتضح,,.
والمتسابقون إليكِ,,, يُدلجون في الليل بعدد أضعاف لحظاته وثوانيه,,, ويلجون في أنهار كذلك,,.
وما كنتُ إلا أقدِّمُ لهم أطباقكِ كي يلتقموا شيئاً من زادكِ، ويرتشفوا شيئاً من رُوائكِ كي يذهبَ عنهم الجوع والعطش، وكي ينهضوا بشيء من الحثِّ نحو ارتكاب الركض في دروبكِ,,, كلُّ ذلك كي ينهلوا منكِ فأنتِ إنسانية العطاء,,, لا تتصومعين,,,ولا تحجمين,,.
منحتِني شيئاً من انطلاقة العطاء,,, فكنتُ أنتِ,,, وهتكتُ حواجز التَّصومع، وأقبلتُ بكِ فيَّ كي أمنحَ كلَّ الذين يضحكون بذور الفرح,,,،
جاءني صوتكِ البهي,,, وأنتِ تمرِّرين يديكِ فوق رؤوسهم,,,، لكنهم لم يفهموا,,, أدركتُ في التوّ أن الرسائل لا تصل إلَّا إلى النابهين,,,، فتركتهم ومضيتُ,,, سمعتكِ تؤيدين,,, ذلك لأن المضي لا يحتمل الانتظار,,,، ومواقف الانتصار لا تحتمل الانتظار,,,، والمراكب تعبر، والقوافل تمضي، والوقت محسوب,,, ولا وقت للانتظار,,,،
قلتِ لي ذلك فأتيتُ أنهلُ من وقدة المضي,,.
جئتُكِ بكلّ القوة التي شحذتِني بها، وحملتُ قلمي,,, وابتدأتُ بكِ,,, كي ألجّ من بوابات النور,,, ذلك لأن نوركِ وحده ما يُوقظ كلَّ ذرات الطريق، ما يُهيء كافة قوافل العبور، ما يُنعش في الزهر أكمامه، وفي العطر شذاه، وفي القلب حنينه نحو ارتشاف الحرف من معين لا ينضب,,, كي نواصل الالتحام,,, نتوحَّدُ في الاتجاه,,, ونوقد للحادي شعلته,,, وتأذن بالانطلاق,,.
جئتكِ وكلِّي اطمئنان,,.
وفي جوفي تتقد مراجل البوح,,.
وعند مشارف الانطلاق جيوش الحروف تتأهب للانطلاق,,.
وجئتِني تمسحين على بساط ساحاتي بضوئك,,, فاستوى الكلام,,.
ألم أقل لكِ، وتقولي لي,,.
ما قلناه معاً,,,، ما فهمناه,,,؟!
وستظلين المعين,,.
وستشرق المحطات,,.
ولن ينتهي الكلام,,.
|