| مقـالات
كانت تتجول بين المقاعد والطاولات في احد مقاهي الطريق في مدينة (بروكسل) ترتدي ثياب الساحرات السوداء الطويلة، وقد رسمت عينيها بظلال داكنة وطلت اظافر يديها الطويلة بألوان فاقعة، تتأمل الوجوه من خلال نظرة عميقة وغامضة، لم يكن ينقصها سوى ان تمتطي مكنستها وهي تحلق وتطلق ضحكة الساحرات الماكرة الصاخبة، ولكنها لم تكن تحمل مكنستها بل كانت تحمل جهاز كمبيوتر صغيرا بدلا من بلورتها السحرية، وكانت تعرض خدماتها من قراءة الكف ومعرفة الابراج والطوالع من خلال برامج خاصة خزنتها في الكمبيوتر الذي اطلقت عليه بدورها (تومي) او الجني المشاغب الذي علق في جهاز الكمبيوتر (كما تقول) ورفض ان يغادر!!
وسرعان ما يلتف حولها السياح، والفضوليون، والمكتئبون، واصحاب الآمال الخائبة، فتزداد بدورها صخبا ومرحا وحضورا طاغيا مطمئنا لا يكدره سوى زخات متقطعة من المطر الصيفي الفاتن.
واخذت اتأملها واتساءل ما هو الجسر الذي سارت عليه هذه الساحرة حتى وصلت الى هناك؟ كم جسد احرقته اوروبا في العصور الماضية بتهمة السحر او الشعوذة؟! ما هي الفظائع التي كانت ترتكبها محاكم التفتيش في العصور المظلمة؟ حيث كانت تعلق النسوة بالمجاميع فوق صلبان خشبية ومن ثم يحرقن وهن احياء دون محاكمة او دليل قاطع ومجرد الاشتباه او التخمين كان كفيلا بقيادة اي امرأة الى المحرقة، وما هي الاثمان الباهظة التي تدفعها البشرية ثمنا لحريتها؟؟
تلك المحارق المروعة والاجساد الملتهبة كانت هي نقطة الضوء التي تلتمع في نهاية النفق الاسود الدامس، وطاعون محاكم التفتيش التي كانت تعد الادانة قبل التهمة، تحت هوس (كنسي) أعمى كان يطوف اوروبا كالإعصار دفاعاً عن فضيلة مزعومة!! حيث التغييب الكامل للعقل والمنطق الإنساني، واحلال المبدأ فوق الفرد على حين وضع هذا المبدأ بنفسه لخدمة الفرد المنكوب!!
مازالت البشرية متورطة في آثامها السابقة، وما برحت الفكرة تقتات اجساد البشر!!
ويعيش المبدأ ويلغى الفرد دون مرجعية عقلانية او منطقية.
ولكن في نهاية النفق المظلم كانت تلك الساحرة تملأ المقهى صخبا وضجيجا وتنبؤات فاشلة.
البريد الإلكتروني: Omaimakhamis @yahoo .com
|
|
|
|
|