| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
تحدثت في عدد الجزيرة ذي الرقم (10188) ثم في عددها ذي الرقم (10191) عن دور وزارة المعارف المتميز في النهضة العلمية الهائلة التي تشهدها بلادنا الغالية ثم تطرقت لبعض العثرات اليسيرة التي توجد في ميادين التربية والتعليم وذلك رغبة في تحقيق أقصى درجات الإبداع والتميز وإزالة لكل يعوق هدفنا الأسمى في التربية والتعليم، وقد تطرقت في العددين المشار إليهما لتسع من العثرات ووفاءً بالوعد بإتمام تلك الملحوظات كانت هذه العبارات سلسلة لتلك العثرات وهي كما يأتي:
عاشراً: وهب الله سبحانه وتعالى بعض الطلبة مواهب تميزوا به عن غيرهم كالذكاء الحاد وحسن الإلقاء وجودة الرسم والخط وغيرها من المهارات الأخرى،وتسعى إدارة كل مدرسة لتوظيف هذه المواهب لتساهم في رفعة اسم مدرستهم من خلال المشاركة في مناشط المدرسة الداخلية والخارجية، والسلبية في هذه المسألة تكمن في التركيز التام على عدد معين من هؤلاء المبدعين ومن ثم إثقال كاهلهم بسيل من الأنشطة والمشاركات دون مراعاة للآثار السيئة التي تترتب على الإقدام على مثل ذلك والتي من أهمها ما يأتي:
(1) معاناة الطالب المتميز والاثقال عليه بأنواع من الأنشطة المختلفة التي قد تتعبه وتؤثر على تحصيله الدراسي فهو كثير الخروج من الحصص الرسمية وله مشاركات مسائية ومسابقات تنافسية وكل ذلك يحتاج منه لأوقات طويلة لإتقان العمل الذي اسند إليه وهذا يؤثر على مستوياته الدراسية.
(2) قد يصاب الطالب المتميز بالملل من كثرة الأنشطة المسندة إليه وتكرّرها، فيدفعه تقديره لمعلميه ومدرسته للمشاركة فيها من باب تأدية الواجب فقط دون رغبته الشخصية وقد يدفعه ذلك لكراهية ذلك النشاط وفي ذلك قتل لموهبته.
(3) قد يؤدي خروج الطالب المتكرر في مناشط المدرسة الجماهيرية كالإذاعة ومسابقات الإلقاء والندوات ونحوها لإصابة زملائه بالملل وذلك ان النفوس تكره التكرار وتمل منه وتهفو إلى التجديد والتنويع،وهنا قد يشعر هذا الطالب المتميز بهذا الشيء فيؤثر على نفسيته ومن ثم على محبته للمشاركة في المناشط الأخرى.
(4) في التركيز على نوع معين من الطلبة وقصر المشاركات في الأنشطة المدرسية عليهم إهمال وإهدار للكثير من المواهب المدفونة والطاقات المكبوتة لدى شريحة أخرى من طلاب المدرسة وذلك ان دور المدرسة في هذا المجال ليس محصوراً على استثمار الموهبة الجاهزة بل دوره الأهم هو اكتشاف الموهبة المدفونة والمجهولة ومن ثم تنميتها واستثمارها وليس الهدف من إقامة الأنشطة والمسابقات رفع اسم المدرسة بل اكتشاف وصقل المواهب، كما أن المدرسة للجميع وليست حجراً على فئة معينة من الطلاب.
(5) قد يسري الغرور في نفس الطالب المتميزة ويتكبر على زملائه إذا أحس بأن المدرسة توليه اهتماماً زائدا عن زملائه والغرور صفة ذميمة وممقوتة طبعاً وشرعاً كما أنه مقبرة الموهبة.
(6) قد تمتلئ نفوس بعض طلبة المدرسة بالحسد والبغض والكراهية لزميلهم الذي يحظى باهتمام المدرسة ويستحوذ على كافة الأنشطة.
الحادي عشر: من المواد الأساسية التي لا يمكن لمسلم او متعلم الاستغناء عنها مادتا القرآن الكريم والقراءة والإملاء فالقرآن هو دستورنا وهو كتاب الله العظيم وحبله المتين وصراطه المستقيم وهو أفضل ما يُدرس ويدرَّس ،والقراءة والكتابة الإملائية هما مفتاح العلم والتعلّم في جميع العلوم ولا يمكن للطالب أن يتعلم إلا بهما ومع هذه الأهمية لتلك المواد إلا أن واقع الطلبة في مدارسهم لا يدل على الاهتمام بهذه المواد حتى أصبحت في نظر كثير من الطلبة مواد ثانوية لا قيمة لها وصار النجاح فيها من السهولة بمكان، ولذا فلا غرابة أن ترى كثيراً من طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية بل والجامعية لا يستطيعون قراءة آية من القرآن دون أن يكون فيها لحن أو خطأ؟ ولاغرابة أن ترى الكثير منهم لا يستطيع كتابة سطر واحد خال من الأخطاء الإملائية، ولا شك أن هذه عثرة كبرى في ميادين التعليم وهي نتيجة طبيعية لتجاهل الوزارة لهذه المواد فالقرآن ليس له من جدول الحصص الأسبوعي في المرحلة الثانوية إلا حصة واحدة فقط والإملاء لها نفس القدر في المرحلة المتوسطة أما في المرحلة الثانوية فلا وجود لها البتة مع ان الطلاب في هذه المرحلة بأمس الحاجة إليها وذلك لإدراكهم لقواعدها المتشعبة في هذه المرحلة أكثر من غيرها لذا فعلى الوزارة ان تزيد الحصص المقررة لهذه المواد وبدلاً من التركيز على مواد معينة يكون توزيع الحصص متناسقا وتعطى كل مادة حقها من الاهتمام دون إفراط أوتفريط ولابد من العناية بمقررات هذه المواد وإعدادها إعدادا جيداً يتوافق مع قدرات الطلاب ومداركهم العقلية، كما نوصي بإقامة دروس للتقوية لمن يلحظ عليه ضعف في هذه المواد حتى يستوعب ويتحسن وضعه فيها.
الثاني عشر: للمعلم مكانة كبرى في نفوس تلاميذه، وهم حريصون أشد الحرص على محاكاته وتقليده والاقتداء به فالحسن في نظر الكثير منهم ما استحسنه معلمهم وفعله والقبيح ما استقبحه بفعله قبل قوله، ولعل المطّلع على واقع بعض المعلمين هداهم الله يلحظ عليهم تقصيراً كبيرا في هذا المجال وذلك من خلال اتصافهم ببعض الصفات السيئة كالكذب والكلام الفاحش أو التدخين أو التقصير في أداء الواجبات المناطة بهم كالتأخر عن الحصص أو الخروج من الفصل بعد التأكيد على الطلبة بالتزام الهدوء ونحو ذلك من الأعمال والصفات المشينة، قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله في وصيته للمعلمين : (ثم احرصوا على ان ما تلقونه لتلاميذكم من الأقوال منطبقا على ما يرونه ويشهدونه منكم من الأعمال، فإن الناشئ الصغير مرهف الحس، طُلَعَة إلى مثل هذه الدقائق التي تغفلون عنها، ولا ينالها اهتمامكم، وإنه قوي الإدراك للمعايب والكمالات، فإذا زينتم له الصدق فكونوا صادقين، وإذا حسّنتم له الصبر فكونوا من الصابرين, واعلموا ان كل نقش تنقشونه في نفوس تلامذتكم من غير ان يكون منقوشاً في نفوسكم فهو زائل، وان كل صبغ تنفضونه على أرواحهم من قبل أن يكون متغلغلاً في أرواحكم فهو لا محالة ناصل حائل، ألا إن رأس مال التلميد هو ما يأخذه عنكم من الأخلاق الصالحة بالقدوة، وأما ما يأخذه عنكم بالتلقين من العلم والمعرفة فهو ربح وفائدة)، وهنا أوصى كل معلم بالرجوع إلى الدرر التي سطّرها الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في كتابه (مع المعلمين) ففيه من الوصايا الجامعة ما نحتاجه نحن معاشر المعلمين، خاصة وان الشيخ كتبها من خلال ممارسة وتجربة فهو أحد فرسان التعليم، ويجب ان نعلم ان ما سبق تسطيره في هذه الفقرة ليس خاصا بالمعلمين فقط بل ينسحب وبنفس الدرجة من الأهمية على مديري المدارس والوكلاء والمرشدين وكل منتسب لحقل التربية والتعليم.
الثالث عشر: من العثرات في ميادين التربية والتعليم لجوء بعض مديري المدارس بمباركة من إدارات التعليم إلى ربط بعض الحصص مع بعضها دون فاصل بينها للفسحة والراحة وذلك بقصد التخلص من المشاكل المترتبة على خروج الطلبة كالإزعاج والتأخر في العودة للحصة التالية ونحو ذلك بالإضافة إلى الرغبة في اختصار زمن اليوم الدراسي والخروج من المدرسة مبكراً, ولا شك ان بقاء الطالب حصتين أو ثلاث حصص متواصلة دون الخروج من الفصل فيه إثقال على الطالب وشعور بالملل والتضجر، لذا لابد من إعادة النظر في ربط هذه الحصص وإعطاء الطالب حقه في الترويح عن نفسه والاستعداد للدرس الجديد، وانا اعرف ان شريحة كبرى من المعلمين لن يتقبلوا هذا الرأي وسيغضبون لطرحه ولكن في نظري أن هذا هو الأنفع للطالب لذا فلا غضاضة في طرحه ومن الواجب علينا جميعاً ان نكون صادقين مع أنفسنا في مناقشة مشاكلنا التعليمية والتربوية بعيداً عن مصالحنا الذاتية.
عزيزتي الجزيرة :
هذه جملة من العثرات في ميادين التربية والتعليم كتبناها حرصاً على مصلحة أبنائنا الطلاب وإزالة كل ما يعوق قطار التربية والتعليم ولنا عودة لإكمال هذه الملحوظات في عدد قادم بإذن الله وعلى بساط درة الصحافة المشرق (عزيزتي الجزيرة) والله ولي التوفيق والسداد.
أحمد بن محمد البدر الزلفي
|
|
|
|
|