يحدِّثني عن الغيث السَّحابُ
فأعلم أنَّ منطقَه الصَّوابُ
وتغدو مُزنةٌ وتروح أخرى
فيحدُثُ في روابينا انقلابُ
وتبتسم الزهورُ لها، احتفاءً
ويكشف عن مشاعره الترابُ
هنالك، قريتي تغدو فتاةً
يُواري حسنَها عنَّا الضَّبابُ
تراقبني بأهداب حِسانٍ
يمتِّعني برؤيتها النِّقابُ
يحدِّثني السحابُ فَيَستَبيني
بمنطقه إذا نطقَ السَّحَابُ
يحدِّثني فتبتسم الرَّوابي
وَيَعذُبُ في سواقيها الشَّرابُ
هنالك تَصغُرُ الدنيا أمامي
ويخضَع عند زورقي العَبابُ
وتحلف قريتي أني مُحِبٌّ
وتسألُني وفي فمها الجَوابُ
أحبُّكِ والرِّياضَ، فمنكِ شَهدٌ
لقافيتي، ومن تلكَ الرُّضَابُ
هنا رتع الصِّبا غَضَّاً نديَّاً
وفي جَفنِ الرياض نَما الشَّبَابُ
فعندكما بقافيتي احتفاءٌ
وبينكما مَجيئي والذَّهابُ
هنا، من قريتي أَسرجتُ خيلاً
من الشعر الأصيل، لها انصبابُ
بها واجَهتُ في الميدان قَوماً
قشور الوهم عندهمُ اللُّبَابُ
وناديتُ الرياضَ ونَهرُ شعري
يكذِّب ما يروِّجه السرابُ
رياضٌ حولها اجتمعت بلادٌ
أمام شموخها تَهوي الصِّعابُ
لقد رَوَّيتُها بحنينِ قلبٍ
وفيٍّ، بالضَّغينةِ لا يُشابُ
رياضَ الحبِّ غرَّدتِ القوافي
لأنَّ الحقَّ في دمها مُذابُ
أتتكِ وفوق راحتها زهورٌ
وللألحانِ في فمها انسيابُ
رياضَ الحبِّ، اخفقت الدَّعاوى
ومزَّقَ ثوبَ ظُلمتِها الشهابُ
سهام المرجفين بها انكسارٌ
فليس سوى حناجرهم تُصابُ
وقد تتعدَّد الآراءُ فينا
وتختلف المَسالكُ والشِّعابُ
وما ضرَّ العبادَ خلافُ رأيٍ
وما ضاقت بساكنها الرِّحابُ
وما يدعو إلى الغدر اختلافٌ
فكلٌّ حَسبَ نيَّته يُثابُ
أقول لمن ينام على سريرٍ
من الأحقاد قُدوتُه الذِّئابُ
سهامُكَ صوَّبتكَ فَمُت ذليلاً
وعند الله ينكشف الحجابُ
فبعض الناسِ، غَيبَتُه حضورٌ
وبعضُ الناسِ مَحضَرُه غيابُ
أتنسى أننا أَتباعُ دينٍ
بهَديِ كتابه اكتمل النِّصابُ
لنا من ربِّنا نِعَمٌ عِظامٌ
يسيل على حَلاوتها اللُّعابُ
فلا عَجَبٌ إذا ألقى حَسُودٌ
حبائلَه وداهمَه اضطرابُ
وكم قولٍ يروِّجُه حَسُودٌ
وأصدقُ ما يردِّده كِذابُ
لنا في أرضنا شِيَمٌ، عليها
سما قَصدٌ وعزَّ بها الجَنابُ
شمائلُ من مكارمنا تغذَّى
بها الشِّيبُ الأكارمُ والشَّبابُ
إذا شدتِ البلابلُ أَطربتنا
ويُزعِجُنا إذا نَعَبَ الغرابُ
ولسنا كالملائكةِ اصطفاءً
ففينا ما يُرَدُّ وما يُعابُ
ولكن ما لنا في الغدر كفٌّ
مدنَّسَةٌ ولا ظِفرٌ ونابُ
ونعلم أنَّ دنيانا ستفنى
وعند صراط خالقنا الحسابُ
رياضَ الحُبِّ، إِن شَرِقَ الأعادي
بمبدئنا، فقد خسروا وخابوا
لقد نسبوا إلينا الغدرَ، لكن
إليهم، لا إلينا الانتسابُ
يطيب لأسود القلبِ التجنِّي
ويُشوَى عند جاهله العُقابُ
وكم صُوَرٍ على بُعدٍ نراها
مُغَبَّشَةً، يوضِّحها اقترابُ
ينزِّهُنا عن الغدر التزامٌ
بمبدئنا، ويُرشدنا الكتابُ
ويغرس منهجُ الإسلامِ فينا
يقيناً، لا يخالطه ارتيابُ
وفي النَّفس الكريمةِ ألفُ بابٍ
لهمَّتِها، وما للغدر بابُ
رياضَ الحُبِّ قُولي، أودَعيني
أَقُل، فالحرُّ غايتُه الصَّوابُ
إذا صَفَتِ المنابعُ عند قومٍ
فقد طابت مشاربُهم وطابوا