| مقـالات
حينما يصب مسؤول في حجم الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية جام غضبه وحنقه على الحوادث المرورية في المجتمع السعودي، فلأن تلك الحوادث استنزفت من ثروة هذا المجتمع 7 آلاف مليون ريال سنويا، بالاضافة الى 35027 قتيلا و284869 مصابا إبان السنوات العشر الماضية، وهذا يعني قتيل وثمانية مصابين كل ساعة تقريبا.
ولنتصور جميعا مواطنين ومقيمين هذه الخسارة الفادحة في القوى البشرية السعودية، التي تهدر على الطرقات، وهي التي كان بوسعها أن تسهم بإيجابية في عمليات التنمية الاجتماعية المستمرة، ولنتصور أيضا أن هذا الهدر الاقتصادي المادي (7 آلاف مليون ريال سنويا) كان بوسعه أن يسهم في بناء المدارس، والمستشفيات، والطرق، والمراكز الاجتماعية، وكلها حاجات أساسية لا يمكن للمجتمع السعودي بحال من الأحوال ان يستغني عنها، ناهيك عن التفريط فيها.
خلال عام 1419ه ارتفع عدد الحوادث المرورية الى 622264 حادثا، بزيادة قدرها 110599 حادثا عن العام الذي سبقه 1418ه، وقد نجم عن حوادث عام 1419ه 31059 حالة إصابة بزيادة 2915 مصابا عن عام 1418ه، فيما بلغ عدد الوفيات عام 1419ه 4290 قتيلا بزيادة عن العام الذي سبقه 816 قتيلا، أي بمعدل حوالي 724 حادثا، و86 مصابا، و12 قتيلا يومياو بمعدل حوالي 30 حادثا، و3,5 مصابين كل ساعة، وحوالي قتيل واحد كل ساعتين وفقا للتقرير الاحصائي السنوي لعام 1419ه الذي اشار في الوقت نفسه الى أن هذه الأرقام الكبيرة ناجمة عن المخالفات المرورية، وسنصاب جميعا بالذهول إذا علمنا ان تلك المخالفات المرورية بلغت عام 1419ه 2,782,556 مخالفة، بزيادة عن عام 1418ه بلغت 1,035,183 مخالفة.
الدراسات والبحوث العلمية، أوضحت أن السرعة الزائدة، أو تجاوز الإشارات المرورية وغيرها من المخالفات المرورية، ليست السبب الوحيد في تنامي الحوادث المرورية، بل إن هناك عوامل أخرى ساعدت على انتشار هذه المخالفات المرورية الخطيرة، يأتي في مقدمتها: ضعف الوعي العام والوعي المروري تحديدا، لدى نسبة لا يستهان بها من الشباب السعودي، بالاضافة الى بعض الوافدين المقيمين في المجتمع السعودي.
ومن هنا انبثقت فكرة التوعية المرورية، منطلقة في ذلك من مفهوم الأمن أولا والأمن في المجتمع السعودي هو أمن شامل لا يمكن أن يتجزأ، لأن المجتمع غير الآمن يعاني مواطنوه والمقيمون فيه من الأخطار الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، ما يجعلهم عرضة للخوف، وحينما يصبح الإنسان خائفا، لم يعد في مقدوره أن ينتج أو أن يعطي أو حتى يأخذ.
وليس ثمة شك أن الاستخدام المتعدد لوسائل التقنية، والانفتاح والتعرف على الثقافات المختلفة، اسهم في ظهور الآثار السلبية، التي نجمت عن هذا الاستخدام المتعدد غير السليم، وبخاصة إساءة التعامل مع المركبة، وما ترتب عليه من حوادث مرورية، قل ان تنجو منها أي أسرة في هذا المجتمع، فضلا عن إهدار الممتلكات، حتى غدت الحوادث المرورية تمثل عبئا يرهق الاقتصاد السعودي، ويحد من قدراته على مواجهات المتطلبات الأخرى لهذا المجتمع.
يضاف الى ما سبق عوامل أخرى هي:
1 الانحراف الناجم عن التحرر من المسؤولية العقدية والاجتماعية.
2 غياب العلاقات بين الجيرة.
3 الرغبة في الامتلاك.
4 الاستجابة للرغبات.
5 التقاعس عن اتخاذ الحيطة والحذر.
وكل هذه العوامل كما قال الأمير نايف بن عبدالعزيز : أدت الى تصاعد الطلب، والانفاق على الناحية الأمنية، ومضاعفة الجهود لتأكيد حقيقة الأمن واستمراره .
أما الأمير أحمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية، فقد انحى باللائمة على سائق المركبة ووسمه بأنه المتسبب في الدرجة الأولى في الحوادث، وأكثرهم للأسف من الشباب المتهورين فتجاوز سائق المركبة السرعة المحددة، والتجاوز الخاطىء، والوقوف غير النظامي، وقطع الإشارة، والدخول والخروج الخاطىء من الطرق، والإرهاق نتيجة القيادة لوقت طويل، وقلة خبرة السائق مع مركبات النقل الثقيلة، أدت الى زيادة حجم وانتشار الحوادث المرورية، وهي مسؤولية تلقي بظلالها الداكنة على المواطن والوافد معا.
وفي خضم هذه المؤشرات السلبية هل يمكن القول: إن جزءا مهما من المسؤولية يلقى على عاتق مدارس قيادة السيارات في المجتمع السعودي؟
الفريق أسعد بن عبدالكريم الفريح مدير الأمن العام الذي اقتبست العنوان منه لم يستبعد ذلك، ورأى أن على مدارس قيادة السيارات ان تطور نفسها، وأن تقوي برامجها، وأن تشدد على ألا ينجح في اختبارات القيادة إلا من يستحق النجاح، وأعلن عن تنظيم جديد لهذه المدارس سيطبق قريبا، كما توعد تلك المدارس بمحاسبتها في حالة الإخلال بالقيام بمهماتها على الوجه المطلوب، والفريق أسعد يضع بهذا مدارس قيادة السيارات أمام مسؤولياتها، من منظور التكامل في قيام كل طرف من الأطراف المشاركة بمهماته في تقليص الحوادث المرورية.
المجتمع السعودي سيكون على موعد بدءاً من يوم 4 جمادى الآخرة 1421ه (2 سبتمبر 2000م) مع تطبيق نظام مروري صارم يشمل: تطبيق عقوبات مشددة ضد مرتكبي الحوادث المرورية، والمتسببين في حوادث السيارات، وعلى الذين يرتكبون تكرار هذه الحوادث ان يهيئوا أنفسهم لعقوبات تستهدف سحب رخصة القيادة منهم، وتنفيذ الحق العام ضد السائقين الذين تثبت مسؤوليتهم المباشرة، عن وقوع حوادث تؤدي الى الوفاة او الإصابة، وليعلموا أن هناك سجلا دائما للسائق، يرصد مخالفاته المرورية بكل أنواعها، حتى إذا بلغت سقفا معينا من المخالفات، جرى بحقه تطبيق عقوبات مشددة تتضمن: سحب الرخصة، او مصادرة السيارة، او منعه من القيادة مرة أخرى.
آمل منا مواطنين ومقيمين ألا نلقي بأيدينا الى التهلكة، وأن نعي مسؤولياتنا أمام أنفسنا وأسرنا، بل المجتمع السعودي برمته، فليس أصعب على النفس البشرية من ان تفقد أبا أو ابنا أو زوجة أو ابنة أو صديقا، في وقت نكون جميعا في حاجة ماسة لوجوده بيننا، كي يعيل أسرة فيها أطفال صغار ينادون بملء أفواهم عد الينا ياأبي سالما بغية ان تعمر الأرض، وتنبت الزرع.
ولعلي أردد في الختام، مقولة مدير الأمن العام الفريق أسعد الفريح، مخاطبا رجال الأمن: لكل نظام سياج لا بد من احترامه وصيانته، والكلام وحده لا يكفي من أجل تحقيق ذلك على نحو مبدع وخلاق، والكلمة لكم الآن على أرض الميدان .
|
|
|
|
|