| مقـالات
البير كامو مثل غبرييل مارسيل وسارتر وكامو وروبلس يفقد عندهم العقل العلمي المتخصص المتدرب فلسفياً متعة العظمة الفكرية التي يجدها في الأثر الفكري المجرد، ويفقد فيها الأديب المتعة الوجدانية والجمالية كالتي يجدها في زنبقة بلزاك,, والسر في ذلك أن هاأُلاإ ما بين حواة لأطرافٍٍ من الفلسفة، وما بين متعمد أن يكون من الحواة الذين يتلمسون أطرافاً شاذة من الفكر الفلسفي يبهر دهماأ المثقفين الذين لا تخصص لهم ولا ركائز عقدية عندهم,, وهاأُلاإ الدهماأُ يعشقونهم قراأة لا مشاهدة في التمثيل؛ لإخفاقهم فنياً,, على أن الإخفاق اعتبر ظاهرة في المسرح الفرنسي؛ ليكون مسرح كتاب!! (1) ,, قال أبو عبدالرحمن: إن السوق للكتاب الأدبي بأجناسه المختلفة، وخصوصية الشيوع للرواية,, أما الفيلسوف فهو غير مطروح شعبياً، وليس أثره الفكري سواأ أكان سوياً صادقاً، أم ضحية تضليل، أم متعمداً له ملموساً في الدهماإ؛ لهذا طرق باب التسويل الأدبي بأفكار فلسفية ذات ترويج أدبي، أو بمعنى آخر ذات برهان شعري، أو بمعنى ثالث ذات تشبث بالأداإ الجمالي,, وقد نجح التسويل الكامي حتى كتب بعض أدباإ العرب رثاأ له يقطر حرارة؛ لفقد مصلح عظيم,, يقول الدكتور محمود السمرة: في الرابع من يناير (كانون الثاني) 1960 توفي الكاتب الإنساني ألبير كامو عندما اصطدمت سيارته بشجرة وهو في طريقه إلى باريس، وبهذا صمت إلى الأبد الصوت الذي عبر عن قلق عصره أصدق تعبير,, ويبدو لي أن كامو هو واحد من أولئك المفكرين من أمثال تين وهربرت سبنسر الذين خُلقوا لعصرهم,, ومثل هاأُلاإ المفكرين عادة هم أكثر المفكرين تأثيراً في مجتمعاتهم؛ وهذا هو السبب في أن كتابات كامو تركت دوياً، واستحقت تقديراً؛ لأنها عكست روح العصر، وعبرت عنه,, حتى ليذهب النقاد إلى أنه أكثر كاتب بعد مالرو يُقبل الفرنسيون على كتاباته؛ وهذا هو السبب أيضا في أن الجدل الذي دار حول انتاج كامو، والنقد الذي كتب حوله يفوق ما كتب عن أي كاتب معاصر,, حتى ليفوق ما كتب عن ت,س, إليوت.
لقد كان كامو متديناً دون دين، وسياسياً دون حزب (فقد ترك الشيوعية)، وفيلسوفاً دون فلسفة موضوعة؛ فقد انفصل عن الوجودية,, وكان مُأمناً عميق الايمان بالإنسان الفرد وبالإنسانية، وبضرورة الكفاح من أجل العدالة والحرية,, وكان مُأمناً منذ كتابه الأول بأن مهمته في الحياة هي ألا يعيش في الخداع، وأن يجعل من نفسه الصوت الناطق باسم الإنسان المضطهد المظلوم,, وأول خطوة يجب أن يخطوها الإنسان لتحقيق هذه المثل في رأيه هي أن يبدأ بنفسه؛ فيقول: وإن أكبر معركة يجب أن يخوضها الإنسان هي معركته مع نفسه,, معركة ينتصر فيها حب العدالة على شهوة الحقد، وتستسلم فيها الكراهية والعنف، والتعصب الأعمى لكل ما هو نبيل في الإنسان .
من أجل هذه الدعوة، ومن أجل الإنتاج الأدبي الرائع الذي صاغ فيه هذه المعاني ودعا إليها بحرارة: نال جائزة نوبل للآداب,, ونجد هذه المعاني كلها في إنتاجه وكتابه الذي نقدمه.
وكامو الإنسان جم التواضع، قوي الحجة، عذب الحديث، خال من المرارة التي نجدها عند الوجوديين,, وهو إلى هذا شديد التمسك بما يُأمن به عن مّبادِأَ، وقد أثار حتى إعجاب من لا يشاطرونه الرأي، وذلك بإخلاصه وتفانيه وصدقه وجرأته (2) .
قال أبو عبدالرحمن: ألا ليعلم الدكتور السمرة ومخدوعون كُثُر غيره عدة أمور: أولها: أن كامو لم يعبر عن قلق عصره أصدق تعبير، بل عمد إلى المجتمعات القلقة ليجتذب من يعيش سلاماً وإيماناً فيرمي به في أتون (3) القلق؛ لأنه بالتطعيم الفلسفي والتسويل الأدبي أقنعه بأن الحياة عبث، وأنه لا محيد عن العبث.
وثانيها: أن صدق التعبير عن قلق العصر لو صح ذلك إنما يكون قيمة حق وخير وجمال بمقدار ما يتبع صدق التعبير من صدق البحث عن العلاج، أو السداد في الهداية إليه,, وكامو يهدم ولا يبني حتى لا ينسلخ الإنسان من حياة سوَّل له أنها العبث الحتمي.
وثالثها: لا أدري ما وجه اللقاإ بين كامو وتين وسبنسر,, إلا أن يكون ذلك مجرد تمظهر فلسفي أو ثقافي,, أما مقولة خُلقوا لعصرهم فلا تصدق إلا على أنبياإ الله ورسله عليهم الصلاة والسلام حينما يبعثون على فترة، وتصدق على ورثتهم العلماإ البناة المصلحين إذا بعدت القرون عن رفدها الرباني، وتصدق لمن حقق طموحاً عالمياً، أو فتحاً علمياً, فماذا ترك كامو لأبناء عصره؟،، اللهم لا شماتة.
ورابعها: أننا لا نعترف بتأثير كامو في مجتمعه فحسب بل نقر متألمين بتأثيره الضخم في دهماإ المثقفين من العالم,, ولكن أي تأثير؟,, إنه التأنيس للإلحاد، وربط الفرد في مشنقة العبث الحتمي.
وخامسها: أن التعبير عن روح العصر وعكسه معالج في الأمر الأول المذكور آنفاً,, ولا ريب أن روح العصر الغربية الإلحاد والقلق؛ فجاأ كامو لتكريسه.
وسادسها: وماذا يغني اهل السلام والأمن والإيمان إذا كان مكرِّس الكفر والقلق في الدهماإ تفوق شهرته شهرة مالرو وإليوت؟!,, وإن إبليس لعنه الله أعظم من هاأُلاإ كلهم شهرة، ومالرو وإليوت على علاتهما خير من كامو.
وسابعها: من البسيط ان تفهم مثل كلمة: وزير بلا وزارة ؛ لأنه لا تلازم بينهما في الاصطلاح الإداري,, وأما متدين بلادين فدون فهمه أكل القتاد!!,,وقل مثل ذلك عن مقولة: فيلسوف بلا فلسفة ,, وهاأُلاإ الكتبة ثريون بالثرثرة، مقلون في المضمون.
وثامنها: متى كان السياسي المتابع للأحداث بعمق، المحلل لها بألق ووعي، المتوقع عن فراسة، الداعي إلى حق وجمال وخير مشروطاً أن يكون ذا حزب؟!,, وقل مثل ذلك عن سياسي قد تتوفر فيه المقومات المذكورة آنفاً إلا أنه داعية للباطل والشر والقبح مثل كامو؛ فهذا لابد أن يكون سياسياً ذا حزب في العتمة، أو فريسة تضليل.
وتاسعها: أن هذا السمرة يُسأل سآلاً يغيظ السائل نفسه؛ إذ احتاج إلى طرح البداهة أمام الطلائع الثقافية,, أسأله بصدق: ما معنى الإيمان العميق بالإنسان الفرد؟,, أهو إيمان بوجوده؟,, فهذا لم يختلف فيه سميع أو أصم ، ولا مبصر أو أعمى، ولا ناطق أو أخرس,, أهو الإيمان بأنه فعَّال موهبةً وسلوكاً؟,, فهذا ليس محل خلاف بين البشر، وموضع مِنَّةٍ ربانية في الأديان الإلاهية,, أم أن قيمته بأن يعيش سلوكاً خاسئاً في حتمية العدم والعبث، وأن يكون متطاولاً متمرداً بلسانه يقول: إنه ندٌّ لربه يحاكمه ويحاجه؟!,, أي هل قيمة الإنسان هذا الكفر الذليل في هرطقة كامو؟,, لو علم السمرة وأمثاله يوماً يُرجعون فيه إلى الله لكانوا قراأً محاكمين بصيغة اسم الفاعل لا مجرد حواة!!.
وعاشرها: نقول بملإ أفواهنا: نعم هرطقة كامو تقوم على دعوى الكفاح من أجل العدالة والحرية، وأن لا يعيش في الخداع,, إلخ,, إلخ ولكن الدكتور السمرة هل كان مخبراً صحفياً يأخذ رُأُوس أقلام وعناوين لا يدري ما وراأها، أم كان قارِأً لركام كامو، مستبيناً لمعنى قيمة الفرد، وكفاحه من أجل العدالة والحرية، وأن لا يعيش في الخداع، وأن يكون الناطق باسم الإنسان المضطهد,, وأن ذلك لا يعني ظلم الأهداف الاستعمارية وهو ابن الاستعمار البار ، وظلم التطبيع الصهيوني بظلم القانون والإرهاب الإعلامي والتصفية النفسية أو الجسدية، وإشعال الحروب الأهلية، وابتزاز الأمم بالتلاعب بالاقتصاد العالمي، وتدبير أسباب المجاعات، وسرقة الدين والأخلاق، وتدمير شعب من أجل تجريب سلاح ، وإغراق أطنان من الحبوب طعاماً للأسماك على الرغم من المجاعات حتى لا يتأثر سوق التصدير,, إلخ ,, إلخ,, أم أن ركام كامو ذو شعارات كالعملة المزيفة يتوسل إلى قارِإه بقليل من الهموم ثم يأخذه على غرة؛ ليكون مضمون الكفاح مناحة كافرة ذليلة تتمرد على شرع الله وهي خاسئة عن التمرد على قدره؛ فلا تكون المطالبة بالحرية مثلاً تنفيذاً لمنحه الله قدراً أو شرعاً، بل طموح أرعن إلى مشاركة الله في ملكه وخلقه كما مر من فحيح ماسوني صهيوني عن المتمرد وإيفانه الرمز الوثني,, إن كان السمرة لا يعلم فذلك أعذر له من أن يكون داعية لكفر كامو وعبثه بالإنسانية!!
وحادي عاشرها: أن الكلمة التي نقلها عن كامو هي المدخل لتسويغ كفر إيفان، والتفنن بعبارات كفر لا أدري هل قال مثلها قوم نوح وعاد وثمود,, إلخ ,, فهل يعفي السمرة من المسأولية أمام ربه ثم أمام أمته أن يقول: في رأيه أي في رأي كامو بعد كل ذلك الإطراإ؟!,, ثم ماتبع ذلك من إطراإ واحتجاج بجائزة نوبل، ويالها من جائزة؟!
***
من المسأُول؟:
صرف بعض أهلي من بعض البنوك مبلغا من المال، وعند تداوله أعيد لهم ألف ريال من فئة خمسمئة ريال مزورة ويصحب صورة هذا التنويه صورة منها ؛ فلما راجعوا البنك قيل لهم: لا مراجعة بعد الصرف، ويجب التأكد قبل المغادرة.
قال أبو عبدالرحمن: يستطيع صاحب المبلغ التأكد من العدد، والتأكد من سلامة الورقة النقدية من التمزيق، وأما معرفة المزيف فليس في قدرته ,, ولا مسأولية على البنك بعد الصرف والمغادرة؛ إذ من المحتمل أن لا يكون هذا المبلغ صرف من هذا البنك,, ولا أرى سبيلاً لحل هذه الأزمة إلا بنية صالحة من مسأولي البنوك بندبِ ذوي أمانة يباغتون جهات الصرف والإيداع بالبنوك بجولات تفتيشية؛ للكشف عن المزيف ومصدره، والله المستعان.
***
الحواشي:
(1) انظر عن هذه الظاهرة مجلة الآداب/ العدد الأول من السنة الخامسة يناير سنة 1957 ص 37 مقالة نظرات في المسرح الفرنسي الحديث/ الإيديولوجية الملتزمة لعائدة مطرجي إدريس,, وقد جعلت من ويلات الحرب وآثارها ذات الحياة المضطربة سبباً لانغماس الفلسفة للفن.
(2) الأَتُّون بفتح الهمزة وتشديد التاإ المضمومة، وهو موقد النار، وأخدود الجصَّاص وشبهه,, وقد نقل ابن خالويه تخفيف التاء، ولكن الجوهري نسب التخفيف إلى العامة.
(3) مجلة العربي شهر رمضان عام 1381ه ص 133.
|
|
|
|
|