| مقـالات
مضى القرن العشرون ومازال يطرح الملف الثقافي وقضية العقل العربي وأدبيات هائلة حول هذين الموضوعين: الهوية الثقافية، مسائل الثقافة، وإشكاليات الفكر، أزمات الثقافة، الغزو الثقافي، والتثاقف وتطول قائمة القضايا والمفاهيم والطروحات.
إن ثقافة الصورة، في قوة تأثيرها وانتشارها تمثل فرصة غير مسبوقة في تاريخ البشرية للإعلام والتوعية والتثقيف إنها فرصة للتوعية والتربية والتنشئة.
فقد دخلت التكتلات الصناعية الكبرى إلى مجال الإعلام وثقافة الصورة وفرضت سيطرتها عليه من خلال مداخل متعددة: قنوات التليفزيون الرئيسية ذات السياسة الإعلامية الموجهة نحو ثقافة الاستهلاك، وشركات المعلوماتية ذات الطابع التجاري الربحي، وشركات التليفزيون التي تمول انتاج مسلسلات تليفزيوينة خاصة ، والشركات الكبرى المهتمة بنشرات الأخبار، وشركات البث المعنية بالتغطية الإعلامية للأحداث التي تتصف بالإثارة والإبهار وشد انتباه المشاهدين.
يقول مصطفى حجازي في كتابه حصار الثقافة : إن المقاربة البحثية لبرامج القنوات الدولية التي تتخصص في الأخبار، وتلك التي تتخصص في التسلية والترويج، تبين أن هناك مكونات أساسية، أصبحت تشكل ملامح البرامج ومحتوياتها.
نشرة الأخبار، على سبيل المثال، أصبحت مقننة في عناصرها في العديد من المحطات: أخبار الأحداث، الإعلانات، سوق المال، الطقس والرياضة.
إننا بصدد تكثيف معلومة، وإحاطتها بأكبر قدر من الزخم في المحتوى وضغط الزمن إلى أقصى الحدود الممكنة ، سواء في الأخبار أو الإعلانات.
لقد أصبحت أخبار الأسهم وأسواق المال مكوناً اساسياً من مكونات نشرات الأخبار عالمياً، كما محلياً، تحمل الشاشات في بنية أخبارها مشاهد أسواق المال وأسعار العملات والمؤشرات صعوداً وهبوطاً، كما تحمل حركة وكلاء البورصة ومشاهد آلات عدّ النقود.
والسؤال الملح: لماذا هذا التركيز على أخبار أسواق المال؟!, مع العلم أن الخبراء والمتعاملين في هذه الأسواق لهم شاشاتهم الدائمة التي توافيهم بتحركات السوق المالية الكونية, فهل المقصود التثقيف المالي ؟ أم أن المقصود هو جعل المال والسوق المالية مرجعية أساسية عند المشاهد سواء أكان يملك أم لا يملك؟!.
ثم، ألا يفتح هذا الأمر الباب لتحويل الناس إلى قناصين للفرص: هوس الأسهم والاستثمارات المالية؟ أو لا يفتح شهية تجربة الحظ الذاتي في الدخول إلى حلبة رأس المال الطيار، وإحلال الحس المالي محل العلم والجهد والعمل والانتاج.
والحقيقة، فليس هناك من حالة تعبِّر عن ثقافة السوق بقدر الإعلانات التي تدعو إلى متعة الاستهلاك الآني, إننا بصدد الإثارة والمتعة ، على الأقل اذا استعرضنا واقع الاعلان التجاري الذي يغمر الثقافة المرئية.
لقد سيطر الإعلام المرئي على الثقافة وسيطر الإعلان على الإعلام.
إن المشكلة ليست في الإعلان بحد ذاته بل في توجهاته والقيم الاستهلاكية التي يروِّجها.
والمشكلة أن العالم العربي، كالعالم الثالث يستهلك هذه الثقافة الجديدة عن طريق الاستيراد أساساً نظراً لفقر امكاناته في مجال الانتاج,إننا لا ندعو إلى حظر التسلية والترويح والمتعة وبهجة الحياة، بل ندعو إلى بذل الجهد للاستفادة من الفرص التي توفرها تقنية الإعلام للارتقاء بنوعية الحياة في العمل والجهد والتدريب والتأهيل، كما في الانتماء والتسلية والترفيه والتثقيف.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|