| عزيزتـي الجزيرة
بيني وبين الرسم وقفة أحوال!! ولقد كانت مادة الرسم من أثقل المواد إلى النفس خلال مراحل التعليم العام، تماماً كما كانت بالنسبة لصاحبي الفنان غازي القصيبي!! الذي كاد أن يرسب في مادة الرسم في احدى سنوات دراسته الابتدائية، إلا أنه ومع النمو الثقافي الشخصي بدأت أُدرك ما للفن التشكيلي من أهمية في حياة الأمة وأنه جزء لا يتجزأ من فكرها، حيث انه لغة صريحة وثيقة الارتباط بالتراث والمرجعية الثقافية لكل مجتمع.
وما كنت آسفاً على أن تجاوزتني حرفة الرسم، فيكفيني من القلادة ما أحاط بالعنق، حيث انني على صلة وثيقة بالعديد من الفنانين التشكيليين بالمملكة، متابعاً لمعارضهم التشكيلية، قارئاً في دراسات الفن التشكيلي ومدارسه المختلفة.
وفي الوقت الذي قد نزلت فيه قبل اسبوعين ضيفاً على صديقي الفنان التشكيلي أحمد المغلوث، في واحة الأحساء الجميلة، اتنقل بين لوحات سحرية أبدعتها أنامله، في صالة عرضه التي أقامها على دعائم من الفن والجمال، تلقيت مكالمة هاتفية تنطوي على دعوة خاصة من فناني الزلفي التشكيليين، وذلك لحضور حفل افتتاح المعرض الأول لفناني محافظة الزلفي، المقام على صالة نادي مرخ، بمناسبة اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000م.
ولكم أسعدني وأسعد غيري ان يقام معرض للفن التشكيلي بمحافظة الزلفي، نظراً لما يشكله من أهمية في دعم وتنشيط الحركة الثقافية بالمحافظة، التي شهدت عقماً فنياً امتد لأكثر من خمسة عشر عاماً، عندما أقيم أول معرض للفن التشكيلي بالمحافظة والذي أقامه على صالة نادي طويق الفنان علي الغانم، الذي جمع لوحاته بعد ذلك وانتقل إلى الساحل الغربي جدة حيث الفن والجمال بأبهى صوره وأشكاله، وليحلق في فضاءات فنية أرحب، وليقيم معارضه الشخصية المتتالية هناك.
أعود إلى معرض الزلفي الذي سعدت بزيارته، والذي افتتحه محافظ الزلفي وبحضور عدد من الفنانين التشكيليين بالرياض والقصيم، والذي أبدعت في رسم لوحته الجميلة أنامل ثلاثة من الفنانين التشكيليين الشباب وهم: عبدالمحسن الطوالة وعبدالله الحميدي وبرجس السكران، لأقول: انه وعلى الرغم من أن المعرض قد أقيم بجهود ذاتية من هؤلاء الفنانين الثلاثة، إلا أنهم استطاعوا أن يعبروا من خلال لوحاتهم الجميلة عن ذلك الدور الحيوي الفاعل في الساحة التشكيلية، حيث استطاع الفنان عبدالمحسن الطوالة محاكاة المحيط المحلي لمحافظة الزلفي من خلال تناوله لعدد من الشواهد والمعالم الماثلة بالمحافظة، مستخدماً في ذلك ألوانه الزيتية، بدرجاتها المختلفة، حيث أبدع في رسم مسجد علقة، شعيب الحسكي، السبلة، حسو المنزلة وغيرها، وكأنه أراد بذلك استدعاء مشاعر المتلقي وأحاسيسه الدفينة المشابهة للحالة التي يشاهدها، كما نجح إلى حد كبير، عندما وظف قلم الرصاص في رسم وتناول سوق الزلفي الشمالي، متكئاً على لقطة فوتوغرافية التقطها المؤرخ فلبي لهذا السوق عام 1337ه، تلك اللوحة أثارت فضول الجمهور التشكيلي الذي اعتاد في الغالب تفضيل الأعمال الفنية المرتبطة بالبيئة المحلية، حيث انه يجد فيها بيت القصيد، لارتباطها بالموروث الشعبي والثقافي وزمن الطفولة الذي انقضى.
أما الفنان عبدالله الحميدي فقد تجاوز الاستغراق في الواقعية الذي كان عليه زميله الطوالة، ليبدع في معالجة وعرض عدد من الأعمال الفنية المتنوعة والمتباينة والتي يمكن ارجاع أغلبها إلى السوريالية، حيث حرص الفنان الحميدي على التواصل في أعماله بين العديد من العناصر الإنسانية والنباتية والجمادات في عدد من المواضيع التي تنم عن مستقبل واعد، كما أنه انفرد عن زميله في تقديم لوحة جميلة وظف فيها عدداً من الخامات الصناعية.
أما الفنان برجس السكران فعلى الرغم من قلة أعماله الفنية المعروضة، إلا أنه استطاع محاكاة بعض الظواهر الاجتماعية كما في الرحيل وبعض المواضيع الرمزية ومحاولات التحديث، كما انه انفرد عن زميليه بتقديم عمل فوتوغرافي، كما في مشهد الشيشان، والذي عالجه كمبيوترياً، وهي لوحة آسرة أثارت دهشة وانبهار الجمهور التشكيلي.
وعلى الرغم من أن المعرض لم يشهد أي توظيف للألوان المائية وألوان الاكريليك، كما انه خلا تماماً من أعمال النحت والتصوير الفوتوغرافي، إلا أننا نستطيع القول ان المعرض نجح بشكل كبير في تجسيد حالة ثرية من المزج الفني بين عدد من الوسائط اللونية والاتجاهات المنهجية والرؤية التشكيلية الخاصة بكل فنان في التناول والعرض,فشكراً لهؤلاء الفنانين الثلاثة الذين أبدعوا في رسم لوحة جميلة وقصيدة نثر أيقظت شعلتها أناملهم المدربة فقرأناها شعراً جميلاً، وعسى أن تكون هذه الخطوة بداية لمشاريع ثقافية قادمة وعلى عاتق رجال الأعمال تقع مسؤولية الدفع بمثل هذه الأعمال إلى الأمام عن طريق انشاء بيت الفن التشكيلي بالزلفي الذي نتقدم بفكرة انشائه عبر صحيفة الجزيرة.
محمد بن عبدالله السيف الزلفي
|
|
|
|
|