| أفاق اسلامية
إن من اخطر الادواء التي تعترض جنس الانسان هو الهوى، وهو امر خفي، يعد من مكنونات الصدور، ومخبآت النفوس، فمسالكه ومساربه دقيقة جداً، لدرجة ان المرء ربما لا يدرك اختلاط ارائه وافكاره بالهوى، الا اذا تجرد تمام التجرد من كل علائق النفس، ومطامعها وشهواتها، واتقى الله حق تقواه، هنالك يحصل له الفرقان الذي يميز به بين الحق والباطل، وبين الرغوة والصريح.
ولذلك اوغل المشركون في الانحراف والزيغ ورد الحق على الرغم من معرفتهم صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وسمو التعاليم التي جاء بها، وذلك بسبب سيطرة الهوى على نفوسهم، حتى ان القرآن الكريم يذكر لنا انهم بسبب عنادهم ومخالفتهم للحق عن علم قد اتخذوا اهواءهم آلهة من دون الله فقال:افرأيت من اتخذ الهة هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله افلا تذكرون وكذلك اهل البدع على مرور العصور قد احدثوا انهيارات عقدية وايمانية داخل صفوف المسلمين كل ذلك بسبب تشبع نفوسهم بالاهواء المضلة التي تتجارى بهم كما يتجارى الكلب بفتح اللام بصاحبه وذلك بالجناية على نصوص الوحيين، بالتأويلات الفاسدة بل وصل الحال برأس من رؤوسهم لما اعياه التأويل الفاسد ان تمنى لو بمقدوره حك آية من كتاب الله لكونها لا توافق ما انتحله من اعتقاد وعلى هذا المنوال كثير.
واهل السنة يطلقون على اهل البدع اهل الاهواء لانهم جانبوا الحق والصواب بسبب غلبة الهوى على نفوسهم.
ولخطورة الهوى، ولكونه من الصفات القبيحة، والاخلاق الرديئة، والتي لا تليق بآحاد المؤمنين، فقد نزه الله منه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وامره عز وجل ان يحذر من اصحاب الاهواء المضلة حين دعوتهم، ونبهه ان حرصه على هداية القوم يجب ان يكون مصحوباً بالحذر الشديد من اهوائهم المضلة فقال تعالى: فلذلك فادع واستقم كما امرت ولا تتبع أهواءهم وقال:قل هلم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع اهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون .
وحاشاه صلى الله عليه وسلم ان يتبع اهواء الذين لا يعلمون، وهو المعصوم، ولذلك كان جوابه لاصحاب الاهواء المضلة والعقائد الفاسدة كما حكى الله عز وجل ذلك بقوله:قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا اتبع اهواءكم قد ضللت اذاً وما انا من المهتدين .
فالهوى اصل الضلال، ومصدر الشر، وبخصوصه قاعدة ثابتة مستلة من النصوص الشرعية لا تكاد تنخرم، انه لا يمكن بحال ان يكون استجابة موفقة في ظل وجود الهوى، والذي يجهز بدوره على الحق حتى ليقلب لصاحبه الموازين، فيرى الباطل حقاً، والظلام نوراً، والمنكر معروفاً.
وانظر الى هذا الحوار مع اهل الكتاب والذين طمس الهوى في نفوسهم كل مقومات حياة النور والهداية قال تعالى:فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا اوتي مثل ما اوتي موسى او لم يكفروا بما اوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا انا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما اتبعه ان كنتم صادقين، فان لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون اهواءهم ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين وقال تعالى: افكلما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون وهذا شأن المشركين على مرور الدهور.
ولتعلم ارشدك الله ان اتباع الهوى يختلف بحسب المتبع فقد يكون كبيرة من الكبائر، كالحيف في القضية، وعدم العدل بين الزوجات بالسوية قال تعالى:فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا وان تلووا او تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيراً وقد يكون مروقاً من الدين مثل: ترك الايمان، او عدم اعتقاد صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، او تبديل الشريعة، او دعوى عدم صلاحية الاسلام في هذا العصر ونحوها من الامور التي تعد من نواقض الدين.
فلتحذر اخي المسلم وفقك الله لكل خير كل الحذر من الهوى في امورك وشؤونك كلها، فالنبي صلى الله عليه وسلم اخبرنا وهو الصادق المصدوق :ان الفتن تعرض على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فأي قلب اشربها نكت فيه نكتة سوداء واي قلب انكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب الى قلبين ابيض كالصفا لا تضره فتنة مادامت السموات والارض، واسود مرباد كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً الا ما اشرب من هواه وكما بينت من خطورته وانه لا تكاد تسلم منه نفس بشرية الا من عصم الله، الا انه يكثر في نفس، ويقل في اخرى بحسب ما يقوم فيها من ايمان ومراقبة لله تعالى.
واذا اردت ان تمتحن نفسك فانظر ما يعترضك من امور يتجاذبك فيها مرادان ومحبوبان: مراد ومحبوب لله، ومراد ومحبوب للنفس والشيطان، فمتى قدمت الاول فأنت سالم موفق، ومتى قدمت الثاني فلتعلم انك في خطر عظيم، يحتاج منك المسارعة الى تطهير نفسك من هذا الداء المردي، وذلك بكتاب الله وسنة رسوله ، واللذان فيهما الشفاء من كل داء، وعليك بمراقبة الله جل وعلا في كل احيانك، فبها يخرج الانسان باذن الله من حظوظ النفس، ويتجرد من نزواتها، وتمتلئ تلك النفس الذابلة بالامور السفلية، والمكبلة بالاهواء، تتملئ بالايمان، وتتنسم عبير الاستقامة، فيصبح عندها حب الله وطلب مرضاته غاية مرادها، وبهذا المنهج تستقيم الامور، ويصلح المعتقد، والعمل ، وتشيع الفضيلة، ويصلب القلب في الحق,, ويوفق العبد لما فيه نجاته باذن الله من يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.
اللهم انا نسألك نفوساً بك مطمئنة.
عرعر
|
|
|
|
|