| أفاق اسلامية
* تحقيق :فهد الغميجان
من المعلوم أن الأسرة هي وحدة المجتمع الصغير، وإذا هيئت لها عناصر التكوين السليم عقدياً وعقلياً وجسدياً أصبحت لبنة صالحة في البناء.
ولكن ومع ظهور التقنيات الاتصالية وانفجار الثورة المعلوماتية عبر وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة، وانتشار أماكن الترفيه كالمقاهي والاستراحات والأسواق ونحوه أضعف من ترابط الأسرة.
وأدت ظاهرة التباعد الأسري أو التفكك الأسري وما أشبهه، ونشوء بعض الفجوات بين أفراد الأسرة الواحدة، إننا في موضوعنا لا نعارض جل تلك الوسائل ولكن نحذر من مغبة الاستسلام لها لعواقبها الوخيمة التي من بينها ظاهرة التفكك الأسري، وبهذه المناسبة يسرنا ان نبسط بين يدي القارئ الكريم عناصر تحقيقنا ليكشف خيوط هذه الظاهرة:
وا أسفاه على أسرتي
في بداية الموضوع التقينا بالشاب عبدالرحمن ولم يفصح عن اسمه كاملاً الذي تحدث عن واقع حاله مع أسرته فيقول: إن مما يؤسف له أن حالة الترابط والعلاقة بين إخوتي ووالدي هشة ومفككة، فكل مشغول بحاله واهتماماته، فأنا وبالذات أثناء الإجازة أواصل السهر حتى اواخر الليل لأقضي معظم الفترات بالاستراحة لمتابعة القنوات الفضائية، مما يجعلني معظم أوقات النهار نائماً مفرطاً في الصلاة التي تهاونت فيها مؤخراً.
أما أخي الآخر فجل وقته أمام القنوات الفضائية بالتلفاز أو نائماً او متسكعاً يجوب الشوارع، وأما أبي ففي الغالب يكون مسافراً أو مع رفاقه أو مشغولاً بأعماله الحرة والتجارية، وأما أمي المغلوبة على أمرها فانها مستسلمة للأمر الواقع حبيسة البيت، إذ ان التفاهم بينها وبين ابي ضعيف, والاحترام مفقود فالحرص في الغالب يكون على تلبية احتياجات المنزل المادية، أما الاهتمام بالجانب المعنوي بيننا فمعدوم ، إذ ان الاجتماع والجلسات فيما بيننا قليلة وأحيانا لا نراها والاحساس بالتقارب ضعيف، إذ ان الفجوة والهوة بيننا متسعة لدرجة حصول سوء التفاهم، وبالتالي القطيعة والشجار بيني وبين أحد اخوتي، اضف الى ذلك اننا نفقد أحد اخوتي ليومين لا نراه فيها، فالواحد منا يدخل البيت ويخرج منه لا نعلم عنه شيئاً.
صحبة الأبناء للآباء مطلوبة
واستطلعت الرسالة أسباب وجود التفكك الأسري مع فضيلة رئيس هيئة محافظة الدرعية الشيخ عبدالمحسن الشثري الذي بينها بالنقاط التالية:
1 الثقة الزائدة في الأبناء، وذلك بأن يتخلى الأب والأم عن متابعة الأبناء من قريب او بعيد، من باب الثقة بهم وبتصرفاتهم، وقد يؤيدون في هذه الثقة ولكن لابد من وجود متابعة أو على أقل الأحوال مشاركة في اتخاذ القرار.
2 كثرة الملهيات، فتواجه كثيراً من الملهيات قنوات فضائية، انترنت، مجلات,, وغيرها وما يدس بها من غث وسمين، لا يراعى فيها الجوانب الايجابية، أضف الى ذلك الآثار السلبية التي تعود بسبب ما تخلفه مشاهدة الأفلام والمسلسلات التلفزيونية غير المفيدة من اشغال الأب والأم، وتشتيت اذهانهم، وبث العنف ونشره بين الأبناء.
3 عدم تحمل المسؤولية,
4 عدم صحبة الأبناء للآباء، فتهاون الكثير من الآباء في اصطحاب أبنائهم للزيارات العائلية والمناسبات يؤدي الى اللامبالاة من قبل الأبناء لذويهم وأقاربهم فينتج عنه عدم المعرفة بحقهم والقيام بواجبهم.
رأس الحكمة مخافة الله
بعد ذلك انتقلنا الى فضيلة مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة حائل الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد الرضيمان الذي بين أسباب تصدع أركان الأسرة، ومن بينها:
1 عدم الالتزام بأوامر الله وعقوق الوالدين.
2 قطيعة الأرحام بسبب ما ينقل من كلام لا يقصد به إلا الفساد.
3 الطمع الذي يحصل بعد موت المورث، فيتنافس الأقارب على المادة ويتهاجرون بسببها.
4 جلساء السوء الذين لا يسعون في الاصلاح، وربما أفسدوا العلاقات بين الجماعة والأقارب.
5 المعاصي التي يفعلها بعض أفراد الأسرة، فتسبب نفوره من الآخرين حتى تتباعد القلوب.
6 أكل المال الحرام الذي نشأ عنه قسوة القلب، وبالذات الربا.
7 الطلاق سبب في فراق الأم لأبنائها والأب لأبنائه فيصبح الأبناء في حيرة من أمرهم، مما يجعل حياتهم الدراسية والاجتماعية عرضة للاخفاق.
8 ضعف الوعي الديني الذي أوصى به الله في محكم كتابه وأوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته قال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً وقوله تعالى: وبذي القربي واليتامى والمساكين والجار الجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تقاطعوا ولا تهاجروا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يهجره، ولا يسلمه، التقوى ها هنا، ويشير إلى صدره ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه .
علاقة الزوجين
صدق الشاعر حين قال:
الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق |
وبما أن المرأة نصف الرجل الآخر والمكمل له، وباعتبارها عنصراً مهماً في المجتمع، وبمثابة العمود الفقري في الاسرة كان لابد من استطلاع دورها في هذه القضية حيث تحدثت أم ايمان للرسالة وقالت: ان أساس طرق التربية والمنهجية المتبعة والأنماط السلوكية التي كان الزوجان يتغذيان ويستمدان طريقتهما في التربية وأسلوب التعامل مع الأبناء منها لها الدور الأكبر في إيجاد ترابط الزوجين والأسرة من عدمه.
وأضافت فالمشكلة الأولى تبدأ عندما يكون هناك اختلاف في التربية بين الزوجين، وذلك عندما تتفاجأ الزوجة مثلاً بالأسلوب الذي يتبعه الزوج ان لم يكن عاقلاً ومتزناً وصبوراً، وبالتالي تتسع الفجوة بينهما بسبب عدم التفهم والتفاهم والإقناع بأسلوب هادئ ومحبب فرضاً كأن يطلب منها زوجها ان تجلس مع اخوته وإلقاء التحية عليهم بحضور أفراد الاسرة الآخرين.
وأضافت أم ايمان بعض الأسباب التي تؤدي الى التفكك الأسري ومن بينها:
1 شخصية الزوج، فبحسبها تحدد سلوك أفراد الأسرة، إذ ان خير الأمور أوسطها، والجمع بين الشدة واللين مطلوب فلا عنف مرعب، ولا ضعف مخل وممل، حتى تنشأ الأسرة على بصيرة ووعي.
2 هشاشة التربية التي يكون عليها الأبناء وضعفها بسبب الدلال الزائد عن حده.
3 الفوارق العلمية والثقافية بين الزوجين، يتولد من خلالها الشعور بالنقص لدى أحدهما، ومن ثم تنشأ محاولة الاستعلاء من أحدهما على الآخر وبالتالي يحصل الشجار.
4 عدم تنازل أحد الزوجين عن بعض قناعاته في سبيل ارضاء الآخر، كما تؤكد على ان الزوج والزوجة هما المحور الأساسي للقيام بدور الرابط للاسرة ككل.
فوائد الترابط الأُسري
وحول النتائج الطيبة والآثار الحميدة التي تعود جراء تماسك الأسرة وترابطها سجل فضيلة مدير عام الرئاسة العامة بمنطقة الجوف الشيخ صالح بن عبدالله الخليف الانعكاسات الإيجابية مجملاً إياها بما يلي:
أ نتائج إيجابية على الفرد في حال الجو الأُسري السليم، مع قيام الأسرة عموماً بدورها المطلوب، وهي:
1 أنه يتيح للابن الجو الملائم للتنشئة السليمة متأثراً بما عليه الاسرة من الخير والتشبه بوالديه ومحاكاتهما في أقوالهما والتأثر بما يراه ويشاهده منهما.
2 توفير الرعاية الإيمانية له التي تربطه بربه سبحانه وتحرره من اهوائه وشهواته.
3 تشبع حاجاته الضرورية التي تكمل توازنه وتنمي شخصيته، كحاجته الى العبادة، والأمن، والاحترام، والمحبة، والانتماء وغير ذلك.
4 توفير الرعاية الجسدية والصحية من اهتمام بمأكل ومشرب وملبس وصحة ونظافة ونوم.
5 الرعاية العقلية، من خلال حثه على العلم وزيادة تحصيله العلمي ومتابعته وتشجيعه.
وعلى عكس ذلك يحصل له الانحراف والضياع والبحث عن قرناء السوء ليجد عندهم ما فقده في أسرته فيقع فريسة للمخدرات وغيرها.
ب النتائج الإيجابية التي تعود على الأسرة من تماسك أفرادها:
1 تتيح فرصة للوالدين لمراقبة الأولاد وتقويم أخطائهم وتوجيههم ومناصحتهم، مما يعينهما على تربيتهم التربية الإسلامية المنشودة وأداء ما حملوا من أمانة ومسؤولية، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة الآية, وقال صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .
2 ان صلاح الأسرة يعتبر بمثابة قدوة ونموذج مثالي يحتذى به من قبل الأسر الأخرى، وهذا بلا شك يمهد لإقامة مجتمع مثالي، لأن الأسرة وحدة المجتمع الصغرى، إذا تهيأت لها عناصر التكوين السليم عقدياً وعقلياً وجسدياً، اصبحت لبنة صالحة في البناء.
ج النتائج الإيجابية التي تعود على المجتمع جراء تماسك الأسرة:
انها تجعل المجتمع قوياً في جميع نواحي الحياة، ثابتاً مزدهراً, والعكس من ذلك حين تتفكك الأسرة يضعف المجتمع ويتفرق أفراده، ويغرق في الأهواء والشهوات، وتطغى عليه النزعة المادية وتعمه الأنانية وتنحل عرى الأخلاق وتنطلق الغرائز البهيمية، وبالتالي يتيه المجتمع في سبيل الغي والضلال والضياع ويقع في التبعية والتخلف والهزيمة، قال تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس .
الناس متفاوتون في تقاربهم وعلاقاتهم
ويتحدث مدير إدارة العلاقات العامة لشركة القسي الأستاذ منصور العساف فيقول: إن الثورة الاتصالية الحديثة ساهمت الى حد جيد في التواصل الاجتماعي والأسري، وذلك من خلال وسائل النقل الحديثة: كالطائرة، والسيارة، كما ان وسائل الاتصال الهاتفي بثت الطمأنينة في قلوب هؤلاء المغتربين عن أهليهم وذويهم وذلك بفضل الله أولاً ثم بفضل أجهزة الهاتف بكافة أنواعها واشكالها.
ويضيف على أن الأفضل والمفترض تواصل الأهالي وأبناء الأسرة الواحدة بعضهم لبعض عن طريق الزيارات المستمرة, فوسائل الاتصال نعمة من الله عز وجل في تقليل شبح الغربة عن البعض ممن اضطروا الى الابتعاد عن أهليهم بسبب الدراسة والعمل والله سبحانه وتعالى يقول: والله خلقكم وما تعلمون .
ويستطرد العساف قائلاً: إن دور وأهمية العاطفة في ترسيخ العلاقات الأسرية والقبلية أو عكس ذلك من تفكك لتلك العلاقات مهم ومؤثر، فالأفراد يختلفون في النزعة العاطفية وقوتها، وبالتالي تختلف قوة الترابط العائلي والقبلي.
التقارب النفسي ضروري
وأكد الأستاذ عبدالله محمد المفيريج رب أسرة على ان الطريقة المثلى لتشكيل وحدة أسرية متماسكة هي التقارب النفسي بين أفراد العائلة من خلال تبادل الزيارات والآراء والاحاديث، والتفقد لاحتياجات كل شخص للآخر، والنظر للحياة بأمل وتفاؤل إيماني، وكل ذلك لا يتأتى إلا باتباع نهج ديننا الحنيف وبما جاءت به الرسالة المحمدية من تشريعات وآداب كثيرة للوالدين وصلة للأرحام واحترام الكبير ورحمة بالصغير.
|
|
|
|
|