| مقـالات
في مسيرتنا مع المؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد، في الفصلين الأول والثاني من الباب الأول، نراه في كتابه هذا: التوبة يحرص على الاستدلال لكل أمر يورده بآية من كتاب الله عز وجل، أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أو بهما معاً، مرسخاً بذلك دلالة المعنى الذي جاء عنده، بما لا يقبل الشك، وما ذلك إلا لمكانة التوبة في السجل المحصى ونفيها لدرن الأعمال، التي ندم عليها التائب,, والله جل وعلا يحب التوابين.
ففي الفصل الثالث من الباب الأول: الذي زاد عن مائة صفحة، وسماه مسائل في التوبة، والفصل الرابع، الذي جعله لكيفية التوبة من بعض الدنوب 81 184 نراه يضع الفصل الثالث في 22 نقطة، ويوضح بعضها المهم بأقسام ليرسخ دلالتها.
وقبل أن نسير معه في تعريفه لبعض المسائل التي أورد، نحب التنبيه لغلطة مطبعية في الفهرس ص 316، في رقم 18 انقلاب الكبيرة صغيرة، وانقلاب الكبيرة صغيرة، إذ الصحة وانقلاب الصغيرة كبيرة ، بدل وانقلاب الكبيرة صغيرة التي تكررت مرتين.
يقسم التوبة إلى توبتين كما قسمها ابن تيمية رحمه الله في جامع الرسائل: توبة واجبة، وتوبة مستحبة: فالواجبة تكون من فعل المحرمات وترك الواجبات، والمستحبة تكون من فعل المكروهات، وترك المستحبات، فمن اقتصر على الأولى كان من الأبرار المقتصدين، ومن تاب التوبتين كان من السابقين المقربين، ومن لم يأت بالأولى كان من الظالمين لأنفسهم.
والتوبة النصوح التي ذكرها الله في القرآن هي: الخالصة الصادقة، الناصحة الخالية من الشوائب والعلل، وتكون في جميع الذنوب، وتقع لمحض الخوف من الله وخشيته، والرغبة فيما لديه، والرهبة مما عنده، وليست لحفظ الجاه والمنصب والرياسة ولا لحفظ الحال أو القوة، أو المال ولا لاستدعاء الحمد من الناس، أو الهروب من ذمّهم، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء، ولا لقضاء النهمة من الدنيا، أو للإفلاس والعجز، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل ص 81 وبهذا التحليل والتفنيد نرى المؤلف، يمحص التوبة المقصود بها وجه الله سبحانه، ليعرف المرء المسارب التي تفسد مقصد التوبة الحقيقي ليبتعد عنها.
ولما كان من شروط التوبة، التخلص من الحقوق المتعلقة بالآخرين: سواء كانت مظالم، أو حقوقا مالية، أو بدنية، أو انتهاكا في الأعراض أو غيبة ونميمة، وغير ذلك من حقوق يرى العلماء أداءها قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات، في يوم الجزاء والنشور,, أما حق الله فإنه يكفي فيه التوبة والندم على ما حصل، والعزم على عدم العودة إليه لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض، فليتحلله اليوم، قبل أن لا يكون هناك دينار ولا درهم، إلا الحسنات والسيئات ,, فهو يقول في ذلك: أما حق غير الله، فيحتاج إلى التحلل من المظالم فيه، والى أداء الحقوق إلى مستحقيها، وإلا لم يحصل الخلاص، من ضرر ذلك الذنب، ولكن من لم يقدر على الايصال بعد بذله الوسع في ذلك، فعفو الله مأمول، فإنه يضمن التبعات، ويبدل السيئات حسنات ( ص 83).
ثم في توضيح كيفية تأدية تلك الحقوق: فإن كانت مالية، سواء كانت تلك المظلمة غصباً أو سرقة أو جحداً لأمانة مالية أو نحو ذلك,, والحل في مثل هذه الحال يسير بحمد الله: فإما ان يذهب لصاحب الحق بنفسه ويخبره بما كان من أمره، ويرد عليه ما أخذ منه، وإما أن يهاتفه عبر الهاتف، ويتفق معه على حل معين، وإما أن يرسل له المبلغ المالي عبر البريد، وإما أن يوسط أحداً من الناس في ارسال المال والتحلل من صاحبه,, وان لم يتيسر معرفته فإن عليه ان يقدر ما أخذ منه، ويتصدق به عنه,, ويكون لأهل الحقوق ان كان عرفهم الخيار، بين أن يجيزوا مافعل، ويكون الاجر لهم، وبين ألا يجيزوا، ويأخذوا المال في الدنيا، وإن كان لم يتيسر معرفته، فإن أجازوا صدقته كان الثواب لهم عن تلك الصدقة، وإن لم يجيزوا يأخذوا من حسناته بقدر أموالهم، ويكون ثواب تلك الصدقة له، إذ لا يبطل الله ثوابها، ولا يجمع سبحانه لأربابها بين العوض والمعوّض، فيغرمه إياها، ويجعل أجرها لهم، وقد غرم من حسناته بقدرها، بل إن صاحب المال، قد يسره وصول ثواب ماله اليه أعظم من سروره بوصوله إليه في الدنيا (ص 84).
وبعد أن فصل كيفية التوبة من حقوق الابدان، أو الأعراض، دخل في المظالم العامة، التي يتضرر منها عموم الناس وكيفية التوبة منها,, وذكر منها حالات: بيع الخمور والمخدرات والدخان والأفلام الهابطة والمجلات الخليعة والصحفي الذي ينشر سمومه عبر الصحافة، أو ممثل يغري بالرذيلة من خلال تمثيله، أو مبتدع في دينه، ناشر لبدعته، وغير هؤلاء ممن يتضرر المسلمون من أعمالهم، ضرراً عاماً.
فإنه يرى ان هؤلاء لا يلزم ان يعلنوا توبتهم، التي قد يترتب عليها مصلحة، اللهم إلا اذا كان ذلك من باب أن يقتدي بهم غيرهم,, فالتوبة في حقهم ان يدعوا ما قاموا به، وان يحرصوا كل الحرص على اصلاح ما افسدوه، وان يقبلوا على الله، ويكثروا الاستغفار وسائر الطاعات (ص 87).
وعن توبة القاتل عمداً، فإن عليه ثلاثة حقوق: حق الله، وحق القتيل، وحق الورثة، فإنه لما كان حقّ القتيل لايمكن الوفاء به في الدنيا، فقد قال ابن القيم في هذه المسألة: فالصواب والله اعلم ان يقال: اذا تاب القاتل من حق الله وسلم نفسه طوعا الى الوارث ليستوفي منه حق موروثه، سقط الحقان عنه، وبقي حق الموروث لا يضيعه الله، ويجعل من تمام مغفرته للقاتل تعويض المقتول، لأن مصيبته لم تنجبر بقتل قاتله.
والتوبة النصوح تهدم ما قبلها، فيعوض هذا عن مظلمته، ولا يعاقب هذا لكمال توبته (ص 88).
وبما أن التوبة لها شروط، فكذلك لها وقت، كما قال سبحانه: ثم يتوبون من قريب (النساء 17).
وقد أورد رأي ابن رجب الحنبلي في تحديد القريب بقوله: وأما التوبة من قريب فالجمهور على أن المراد بها التوبة قبل الموت، فالعمر كله قريب، ومن تاب قبل الموت، فقد تاب من قريب، ومن لم يتب فقد بعد كل البعد,, فالحي قريب، والميت بعيد من الدنيا على قربه منها، فإن جسمه في الأرض يبلى، وروحه عند الله تنعّم أو تعذّب، ولقاؤه لا يرجى في الدنيا، بمعنى انه منذ أن يذنب حتى الموت وهو وقت, وحدد نهاية المهلة للتوبة، بآراء بعض العلماء، منهم قول ابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه سفيان الثوري قال: التوبة مبسوطة ما لم ينزل سلطان الموت.
لكن هذه التوبة، قد تنتقض، كما ينتقض الوضوء، فالعبد اذا تاب من ذنب ثم عاد إليه مرة أخرى، يكون ناقضاً للتوبة، فيلزمه حينئذ ان يجدد التوبة، ومن رحمة الله بالعبد انه لا يرجع إليه إثم الذنب الذي تاب منه، وإنما العائد إليه هو إثم الذنب الجديد المستأنف لا الماضي، لأن الماضي قد ارتفع بالتوبة، وصار بمنزلة ما لم يعمله,.
وقد استشهد لهذا بآية كريمة، وحديث شريف، وبتوضيح لبعض العلماء.
ويأتي لطف الله بعباده في جانب آخر، وهو رجوع الحسنات إلى التائب بعد التوبة: فإذا كان للعبد حسنات ثم عمل بعدها سيئات استغرقت حسناته القديمة وابطلتها، ثم تاب بعد ذلك توبة نصوحاً عادت إليه حسناته القديمة، ولم يكن حكمه حكم المستأنف لها.
مقوياً هذا القول بقول حكيم بن حزام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت اشياء كنت أتحنث أي أتعبد بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم فهل فيها أجر؟ الذي أجابه عليه صلى الله عليه وسلم بقوله: أسلمت على ما اسلفت من خير ,, وفي معنى هذا الحديث قال ابن حجر رحمه الله : لا مانع من أن يضيف الله إلى حسناته في الإسلام، ثواب ما كان صدر منه في الكفر، تفضلاً واحساناً (ص 90 95).
وفي هذا فتح باب لغير المسلمين، وأصحاب المعاصي، لكي يدخلوا في الإسلام، ويتوب العصاة، حتى يضاعف لهم الأجر، ويحسن الله إليهم بحسنات الأعمال الخيرة التي قاموا بها قبل ذلك، تفضلا من الله عليهم بزيادة أجرهم، وهذا من حسنات وفضائل دين الإسلام، الذي يجب تبيينه، لمن يجهله ليدرك مكانة هذا الدين وسعة فضل الله الذي رضيه جل وعلا لخير أمة أخرجت للناس.
والتوبة تأتي على كل عضو من أعضاء الإنسان ؛ فتوبة العين: كفها عن النظر إلى الحرام، وتوبة الأذن: كفها عن سماع ما لا ينبغي سماعه من المحرمات، وتوبة القلب: تخليصه من كل ما ينافي سلامته من الشرك والشك، والحسد والغل، والحقد ونحو ذلك,, (ص 97).
وهكذا يقاس عليها بقية الأعضاء: فالرِّجل تخليصها من المشي الى المعاصي، واللسان كفه عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان، وعن التلفظ بما يستقبح من الكلام أو مما يثير الفتنة بين الناس، ومن الغمز واللمز، واليد منعها من التناول لما ليس للإنسان، ومن أخذ الحرام والظلم، والهواجس والتفكير بمجاهدة النفس عن الوساوس والشكوك والظن إن بعض الظن إثم ,, والأنف والأسنان والمعدة وغيرها من أعضاء الجسم، كل واحد عليه نصيبه من التوبة بحسب عمله ووظيفته التي هيأه الله لها,, كما أخبر صلى الله عليه وسلم بأن كل سلامي من ابن آدم عليه صدقة وفي عملها الخيري أجر، وعملها الآثم وزر، حتى بضع الإنسان الذي تعجب الصحابة من عمله ففيه صدقة فقالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فأجابهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: أرأيتم لو وضعها في حرام أليس عليه إثم؟ قالوا: بلى قال: فكذلك اذا وضعها في حلال أي له أجر,, وهذا من فضل الله واحسانه على عباده ان النية الحسنة تحول الأعمال الى حسنات، مع الصدق والاخلاص.
لكن مما يحسن بالمسلم الانتباه إليه، ومجاهدة النفس من أجله مراعاة: ان اساءة فلان من الناس لا تسوغ للإنسان الإساءة، واساءة الأمس لا تبرر اساءة اليوم، ولا يسوغ لإنسان ان يسيء بحجة أن فلاناً من الناس قد أساء، فكل مسئول عن نفسه، وكل نفس بما كسبت رهينة، وهذا ما يجب الاحتراز منه عن طريق القرناء الذين يوقعون الإنسان في المهالك، يقول ابن حزم رحمه الله : لم أر لإبليس أصيد ولا أقبح من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته، إحداهما: اعتذار من أساء بأن فلاناً أساء قبله، والثانية: استسهال الإنسان ان يسيء اليوم، لأنه قد أساء أمس، أو أن يسيء في وجه ما، لأنه قد أساء في غيره,, فقد صارت هاتان الكلمتان عذراً مسهلتين للشر، ومدخلتين له في حد ما يعرف، ويحمل ولا ينكر (ص 99 100).
وقد أفاض في أمر مهم، يتهاون فيه بعض الناس، ويعينهم على ذلك دعاة الشر، من أعوان ابليس: جناً وإنساً لأنه اخذ على نفسه ان يغوي بني آدم كلهم أجمعين إلا عباد الله المخلصين، هذا الأمر هو التهاون بالصغائر، من الذنوب، التي يجعلها تتحول إلى كبيرة تكبر ويعظم إثمها,, وأبان ان ذلك يكون في حالات مثل: الاصرار والمواظبة، واستصغار الذنب، والفرح بالمعصية، والاغترار بحكم الله، وأن يكون المذنب ممن يقتدى به,, فهذه حالات خمس تحدّث عن كل واحدة، مبيناً جوانب الخفاء فيها، ومواطن الضعف، حتى يكون مستعداً ليقظة القلب، وعمل ما يزيل آثار ذلك الذنب بتوبة تجلو أثره، وأورد قول الغزالي: وأعلم انه لا يذنب العبد ذنباً إلا ويسود وجه قلبه، فإن كان سعيداً اظهر السواد على ظاهره، لينزجر وان كان شقياً اخفي عنه، حتى ينهمك ويستوجب النار ص106، 104 107 وهذا برهان جيد لمن في قلبه نبضة احساس.
والفصل الذي خصصه للتوبة من بعض الذنوب، قصره على الذنوب الكبيرة الشائعة التي تحتاج إلى شيء من التفصيل في ذكر أضرارها، وكيفية التوبة منها، لأن البلية تعظم بها، والحاجة تمس إليها، وقد أفرد الحديث عن خمسة أمور، وتحدث عنها بإسهاب، داعماً حديثه كعادته بالآيات الكريمات من كلام الله، وبالأحاديث التي يوثقها ويبين مكانتها وتخريجها، من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبآراء العلماء المعتبرين ليستأنس بذلك في تثبيت الرأي، وتمكن المفهوم,.
هذه الأمور الخمسة هي الصلاة 116 124 ، الربا 125 132 ، والزنا 133 141 ، وقد تحدث عن آثاره وأضراره، وكيفية التوبة منه، واللواط، تحدث عن أضراره والتوبة منه وكيفيتها 142 149 ، والخامس الذي ناقشه مناقشة مستفيضة هو العشق 150 184 وكان أكثر نقولاته في هذا الموضوع كتاب: روضة المحبين، واغاثة اللهفان، والجواب الكافي,, لمن سأل عن الدواء الشافي,.
وقد اعتبر ابن تيمية العشق من مرض القلوب، وأشد ذلك أن يعشق الإنسان الصور، وكما قيل: كم من عاشق أتلف في معشوقه ماله وعرضه ونفسه، وضيع أهله ومصالح دينه ودنياه، وجاء في روضة المحبين ان العشق يترك الملك مملوكاً والسلطان عبداً.
وقد ذكر عشرة أمور هي سبب العشق، التي تجر إليه جراً هي: الإعراض عن الله عز وجل، والجهل بأضرار العشق والفراغ، ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، والتقليد الأعمى، والانحراف في مفهوم الحب والعشق، والاغترار ببعض الأقوال التي تبيح العشق، والتهتك والتبرج والسفور، واطلاق البصر، والمعاكسات الهاتفية.
فهو في هذه الأمور يناصح الشباب والشابات بالبعد عن المغريات، وان الحل فيما شرعه الله في دينه القويم، كما يدعو ولاة الأمور إلى الاعانة في ذلك,, ومع ذلك فقد ساعد في الحل بوضع أمور بلغت ستة عشر هي: الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، وغض البصر والتفكر والتذكر، والبعد عن المحبوب، والاشتغال بما ينفع والمبادرة بالزواج، وعيادة المرضى، ومواصلة مجالس الذكر، ومجالسة الزهاد وسماع أخبار الصالحين، وقطع الطمع باليأس، وقوة العزم على قهر الهوى، والمحافظة على الصلاة، وزجر الهمة الأبية، والتفكر في عيوب المحبوب، وتصور فقد المحبوب، والنظر في العاقبة، وان يعلم المبتلى أن الابتلاء سبب لظهور جواهر الرجال، والنظر فيما يفوته التشاغل من الفضائل.
وفي ختام هذا الفصل 182 184 ناقش الحديث: من عشق فعف، وكتم وصبر، ثم مات كان شهيداً ، ومعنى العشق المقصود منه، كما قال بعض العلماء، وضعف الحديث لأنه من رواية ابن القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً ولا يعتد به وفيه نظر,, ووعد بأن عليه بالمزيد من حديث العشق في الباب الثاني.
يوم الحساب:
قال ابن عبدربه في العقد الفريد: كان في زمن المهدي رجل صوفي، يركب قصبته في كل جمعة يومين: الاثنين والخميس، فإذا ركب في هذين اليومين، فليس لمعلم على صبيانه حكم ولا طاعة، فيخرج ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان.
قال أحد الرواة: شاهدته يوماً وقد صعد تلاً، فنادى بأعلى صوته، ما فعل النبيون والرسل؟ أليسوا في أعلى عليين؟ فقالوا: بلى قال: هاتوا أبا بكر الصديق، فأخذوا غلاماً فأجلسوه بين يديه، فقال: جزاك الله خيراً يا أبا بكر عن الرعية، فقد عدلت وقمت بالقسط، وخلفت محمداً عليه السلام في حسن الخلافة، ووصلت حبل الدين، بعد حل وتنازع، وفرغت منه إلى أوثق عروة، وأحسن ثقة، اذهبوا به إلى أعلى عليين.
ثم نادى: هاتوا عمر، فأجلس بين يديه غلام، فقال: جزاك الله خيراً يا أبا حفص عن الإسلام، قد فتحت الفتوح، ووسعت الفيء، وسلكت سبيل الصالحين، وعدلت في الرعية، اذهبوا به إلى أعلى عليين بحذاء أبي بكر، ثم قال: هاتوا عثمان، فأوتي بغلام فأجلس بين يديه، فقال له: خلطت في تلك السنين، ولكن الله تعالى يقول: خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم التوبة 102 اذهبوا به الى صاحبيه في أعلى عليين.
ثم نادى: هاتوا علي بن ابي طالب، فأجلس بين يديه غلام، فقال له: جزاك الله عن الأمة خيراً، أبا الحسن، فأنت الوصي بسطت العدل، وزهدت في الدنيا، واعتزلت الفيء، فلم تخمش فيه بناب ولا ظفر، وأنت أبو الذرية المباركة، وزوج الزكية الطاهرة، اذهبوا به إلى أعلى عليين.
ثم قال: هاتوا معاوية، فأجلس بين يديه غلام، فقال له: أنت القاتل عمار بن ياسر، وخزيمة بن ثابت ذا الشهادتين وأنت الذي جعل الخلافة ملكاً واستأثر بالفيء وحكم بالهوى وبطر بالنعمة، وانت ممن غير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسبب ذلك في نقض بعض أحكامه، اذهبوا به فأوقفوه حتى ينظر في أمره.
ثم قال: هاتوا يزيد فأجلس بين يديه غلام فقال له: انت الذي قتلت أهل الحرة، وأبحت المدينة ثلاثة أيام، وآويت الملحدين، وتمثلت بشعر الجاهلية، وقتلت حسيناً، وحملت بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقائب الابل، اذهبوا به إلى النار.
ولم يزل يذكر والياً بعد وال، حتى بلغ عمر بن عبدالعزيز رحمه الله فقال: هاتوا عمر، فأوتي بغلام فأجلس بين يديه,, فقال: جزاك الله خيراً عن الإسلام، فقد أحييت العدل بعد موته، وألنت القلوب القاسية، وقام بك عمود الدين، على ساق بعد شقاق ونفاق,, اذهبوا به فألحقوه بالصديقين.
ثم ذكر من كان بعده، من الخلفاء الى أن بلغ دولة بني العباس، فسكت,, فقيل له: هذا أبو العباس أمير المؤمنين، قال: فبلغ أمرنا إلى بني العباس، ارفعوا الحساب عن هؤلاء جملة واقذفوا بهم في النار جميعاً العقد الفريد 4:198 .
|
|
|
|
|