| مقـالات
الانتخابات الأمريكية بدأت مرحلتها ما قبل الأخيرة بانتهاء المؤتمرات الثلاثة لكل من الحزب الجمهوري والإصلاحي والديموقراطي والتي عقدت على التوالي خلال اسبوعين,, وقد اتضح ان الأمر ليس سوى مباراة مثيرة بين خبراء الاتصال ومستشاري الإعلام والعلاقات العامة لدى كل حزب.
فالمعطيات متقاربة, إذ لا يملك مرشح ان يأتي بما لم يستطعه الأوائل، ولكنه يستطيع ان يبدأ من حيث انتهى غيره متجنباً السلبيات والأخطاء الشخصية وهذا ما يؤكد عليه المرشحون الثلاثة على الأقل في الحملات الانتخابية والمرشحون الأكثر حضوراً: بوش،وآل جور، وبوكنان ومرشح الخضر، نادر، يبدأون ظهورهم العلني أمام المؤتمرات الحزبية التي يعلنون من خلالها قبول الترشيح بدايات متماثلة، ليس بالبكاء على الأطلال كفعل شعراء العرب، ولكن بالتأكيد على القيم الأسرية ومكانة العائلة, فالزوجة أو الابنة هي التي تقدم المرشح، وهي التي تتلقى قبله وأحضانه الدافئة على المسرح أمام الناخبين، وهم يبدأون كلماتهم بالثناء على الزوجات وأفراد العائلة، ويتذكرون آباءهم وأمهاتهم ويحضرون جميع الأقارب إلى قاعة الاحتفالات.
ولم أر أحدا من المرشحين الأساسيين شذ عن هذه القاعدة أو خرج عن هذا الترتيب, وبالتالي فإن المرشح الذي يجيد التعبير عن أهدافه السياسية وبرنامجه الانتخابي بشكل محدد ومؤثر هو الأكثر حظاً في جني الأصوات المنتخبة ولا ريب ان التمويل السخي الذي يمكن المرشح من الانفاق على جهازه الدعائي له دور كبير في وصول برنامج المرشح الانتخابي ورسالته إلى الناخب وعلينا ألا ننسى شيئا مهما آخر يتمثل في شخصية المرشح من حيث الوسامة، والقبول العام، واللباقة والامكانات الخطابية التي سيكون لها مجتمعه نسبة مرجحة في الاختيار.
ومشكلة أمريكا كما شخصها حزب الإصلاح أنها بلد ديموقراطي بلا ناخبين كناية عن انصراف المواطن عن صناديق الترشيح وعزوفه عن اعطاء صوته وهناك تدن متزايد في أعداد الشباب الذين يصوتون في الانتخابات حيث لم تتجاوز النسبة 15% من هذه الفئة التي صوتت في الانتخابات الماضية ويتوقع ان تقل عن 10% في نوفمبر القادم, والانتخابات الأمريكية هذه المرة ليست على درجة كبيرة من التعقيد، فالديموقراطيون قد أبلوا بلاء حسناً ففي عهد كلينتون تعادلت كفتا الميزانية لأول مرة منذ نحو 30 عاماً، وتم توفير 22 مليون وظيفة، وتحققت ميزات عدة يلمسها المواطن والمقيم على الصعيد الصحي والاجتماعي والأمني.
وحقق الاقتصاد الأمريكي طفرة افتقدها منذ عقود,مما يعني ان الأمور على المستوى الداخلي الذي يهم المواطن على خير ما يرام، فما الذي يمنع ان يعطى الديموقراطيون فرصة ثالثة لمواصلة البناء؟
وفي اعتقادي ان أكثر شيء يمكن ان يضر بالمرشح الديموقراطي آل جور هو ثلاثة أمور:
الأمر الأول: هو الرئيس الأمريكي الحالي بل كلينتون فالرجل رغم فضائحه الشخصية حقق لأمريكا ازدهارا اقتصاديا وإصلاحا اجتماعيا لم يتحقق على مدى ثلاثة عقود أو يزيد ويؤكد 70% من الأمريكيين على ان النجاح الذي تحقق لإدارة الرئيس الأمريكي كلينتون كان بسبب الحضور الشخصي للرجل ذاته, والمتابع لخطبته التي ودع بها الشعب الأمريكي في أول أيام مؤتمر حزبه في لوس انجلس يدرك القدرات غير العادية التي يتمتع بها كلينتون ولو قدر للشعب الأمريكي أن يذهب إلى صناديق الانتخابات صبيحة ذلك الخطاب لاختار كلينتون بالاجماع لفترة ثالثة.
هذه الشعبية العارمة للرئيس الأمريكي الحالي كفيلة بحجب الرؤية عن نائبه المرشح للرئاسة ولم يكن كلينتون بريئا عندما وظف كل قدراته الإبلاغية خلال 40 دقيقة ليتحدث عن إنجازات إدارته، رغم حديثه الجيد عن نائبه، فالرجل مازال يذكر موقف نائبه الشاجب وغير المؤيد أثناء فضيحة مونيكا لوينسكي فقد وصف ما اقترفه كلينتون بأنه ذنب لا يغتفر وخطأ فادح.
ولقد كانت نصائح الخبراء والمحللين أن يتجنب آل جور الحديث عن الماضي في خطابه أمام مؤتمر الحزب وألا يكرر الانجازات، وأن يتحدث عن نفسه وعن برنامجه المستقبلي إذا رغب في الخروج من عباءة الرئيس كلينتون.
ورغم صعوبة ذلك فقد كان هو ما فعله آل جور، إذ تطرق بسرعة لبعض انجازات الحزب الديموقراطي، وذكر كلينتون بالاسم مرة واحدة فقط، بل وزاد على ذلك أن عرض بالرئيس فأشار إلى انه سيأخذ الأمريكان إلى أفضل مما هم عليه الآن، وأكد على أنه لن يكون رئيسا مثيرا بقدر ما سيعمل ليل نهار لصالح أمريكا، وركز على أنه لن يخذل الشعب الأمريكي، وأنه تربى في أسرة تؤمن بالقيم الأسرية في إشارات متتالية إلى فضائح الرئيس الأمريكي بل كلينتون.
أما الأمر الثاني الذي يخشى منه على آل جور فهو اختياره ليوسف ليبرمان، كأول يهودي أمريكي يرشح لهذا المنصب، ولكن آل جور بهذا الاختيار يزيد المسافة عن كلينتون بعداً فليبرمان هو العضو الديموقراطي الأكثر انتقادا لفضيحة مونيكا، وبالتالي فإن المرشح يريد أن يطوي صفحة كلينتون ويجنب حملته تأثيراتها السلبية بأقصى سرعة.
ثم إن آل جور بحاجة كبيرة إلى دهاء وخبرة ليبرمان، كما أنه في الوقت نفسه يحتاجه لجمع أكبر دعم مالي لحملته الانتخابية التي تعاني في هذا الجانب، هذا فضلاً عن دعم الناخب اليهودي.
هذا الاختيار حقق نوعاً من التألق والحضور الإعلامي للحزب ومرشحيه، بيد أنه قد أغضب الكثير من الذين لا يجدون منافذ للتعبير عن غضبهم من خلالها، فوسائل الإعلام في معظمها يهودية التمويل، والأخرى لا تستطيع السير عكس التيار، وقد أبدى الكثير من الأفارقة الأمريكان استياء واضحا من هذا الاختيار، والخشية أن ينعكس ذلك على النتائج النهائية للانتخابات.
أما الأمر الثالث فيتمثل في العموميات التي يطرح بها آل جور برنامجه الانتخابي، فهو يدخل الناخب في دوامة الوعود والأحلام وكأنه سيحكم أبد الدهر في وقت لا يتجاوز فيه حكمه أربع سنوات ثم تبدأ حملة انتخابات جديدة هذا التعميم يقابله تحديد دقيق من قبل بوش الذي تحسب بساطته في مخاطبة الناخب له وعليه في الوقت نفسه.
إن سباق الحمار (شعار الديموقراطيين) والفيل (شعار الجمهوريين) إلى البيت الأبيض هو شأن داخلي, ولكن لو اقتضى كسب الأصوات الناخبة تحريك ملفات خارجية فسيكون ذلك ولا شك .
والذي يلحظ حاليا أن هناك حضوراً جيداً بدأ ينتظم للجالية المسلمة في أمريكا، وهذا إلى حد كبير متخلف عن درجة التأثير الذي تحدثه جاليات اليهود والهسبانك وغيرهم, وحتى يتربع الرئيس القادم للولايات المتحدة على عرش البيت الأبيض ستبقى كل الملفات الخارجية معلقة.
وقراءتي المتواضعة جداً لما يجري على الساحة هنا ترشح عدة مفاتيح للفوز والخسارة في الانتخابات فاستغلال بوش للخطاب القيمي المحافظ لليبرمان وسعيه إلى وضع خطوط رقابية على الترفيه في وسائل الإعلام، وهو أمر أغضب هوليود الداعمة للديموقراطيين، سيكون له أثر على الناخب الذي لا يقيم وزناً للقيم في مجتمع ميكانيكي كما أن خروج الشباب والعائلات العاملة إلى صناديق الترشيح قد يأتي بنتائج تخالف كل استطلاعات الرأي في اللحظات الأخيرة وبالتالي فإن حدة التعقيد ربما تكون أقل قليلاً عنها في انتخابات مضت ولكنها سوف تكون مهيأة للمفاجأة في مراحلها الأخيرة.
وعلى أية حال، سواء وصل الحمار أوالفيل فأمريكا بلد مؤسسات ولن يتغير ايقاع الحركة فيها كما أن سياساتها الخارجية في عهد كل الحكومات ثابتة تقريباً.
* واشنطن
|
|
|
|
|