| الاقتصادية
كان الفرد قبيل النهضة الصناعية يعمل لحسابه الشخصي مركزا جهده ووقته في مزرعته او متجره, فحرفته اليدوية أكسبته قوت يومه معتمدا اعتمادا كبيرا في معظم الاحوال على نفسه مؤديا كل ما يريده او ما يحتاجه هو وعياله دون توظيف عامل آخر, فكان وقتئذ يبدأ يومه بنثر البذور او حصاد الزرع او بشحذ منجله وحرث ارضه, الا أنه بعد النهضة الصناعية نهاية القرن الثامن عشر الميلادي تغيرت تلك الاساليب والسلوكيات الفردية فأخذت الوظائف والاعمال تأخذ مسارا متغيرا عما عرفه الانسان من قبل, اصبح الفرد يعتمد على المصانع فيما تنتجه له من غذاء وكساء, وترك بعض المزارعين الحقول الزراعية والحرفيين حرفهم والتحقوا بالعمل بأحد المصانع التي تتم فيها عمليات تنظيم العمل والعمال, وسميت كل خطوة من خطوات العمل وظيفة متخصصة في تصنيع السلعة الاستهلاكية, وارتبطت الوظيفة بدورها ارتباطا وثيقا بمراحل الانتاج التجاري الكبير التي تليها او تسبقها, واستمر التحول الصناعي الى الوقت الحاضر حتى وجد الباحث عن فرصة عمل ان يتوجه الى القطاع العام او الخاص للحصول على وظيفة منها يكسب قوت نفسه وقوت عياله, والتحول الى البحث عن وظيفة اعتبر امانا حقيقيا يأتي من اهداب الوظيفة المناسبة.
الا ان هناك ملايين من الناس تراودهم بين الحين والآخر فكرة بدء اعمالهم الخاصة كافتتاح مشروع صغير يدر دخلا ماليا ثانويا الى جانب وظيفته الاساسية, ولكن من ينجح في القيام بذلك قد لا يتجاوز ال10% من المجموع لمن يرغب في زيادة دخله المالي في الفترة المسائية, اضافة الى ان نصف هذه النسبة 5% تعتبر من المبتدئين الذين لا تتوفر لديهم الخبرة والمعرفة التجارية على الاطلاق, فقد يفشل في مشروعه او يتركه لعدة اسباب منها سوء الادارة والتخطيط او عدم التفرغ للمشروع, وهنا فعلى الباحث عن عمل في الفترة المسائية ان يحاول البحث عن عمل لتوظيف رغباته يتناسب مع قدراته وامكاناته الجسمانية والعقلية حتى يستطيع ان يأخذ مكانه المناسب في عالم الاعمال التجارية, فيمكن البحث عن اسواق وفرص حقيقة متواجدة يستطيع الجاد من خلالها ان يوظف قدراته العملية والعلمية حيث انها سوف تضيف قيمة عالية او اصل الى اصوله المادية والمعنوية.
وللحصول على اي عمل فمن الافضل ان تكون لديه فكرة مبدئية واضحة عما يمكنه ان يقدمه او على الاقل ان يبدع فيه ويتميز به عن الآخرين من حوله, وعندما يكتشف بأنه ملمّ الماما جيدا في احد الاعمال او يمتلك القدرة والحماس والموهبة الشخصية في التفوق الميزة التنافسية الانتاجي فيحاول ان تستغل هذه الناحية بجدية, وعلى الباحث عن العمل الاضافي ان ينقب عميقا وان يفكر وراء المهام المطلوب منه عملها ليكتشف جوهر القدرات الكامنة التي تؤهله للقيام بأدائها بكل سهولة ويسر, كما يفترض ان يسأل نفسه عما سوف يفعله ليحقق افضل النتائج, وليكن في مخيلته ان يبحث عن عمل وليس عن وظيفة, فقد يصاب بخيبة امل في البحث عن وظيفة والتي قد تستغرق وقتا طويلا منه قبل ان يوفق في الحصول على واحدة منها.
وفي حالة الاقدام على العمل في مشروع صغير له ان يتصور انه يعمل لحسابه الخاص من لحظة اتخاذ قراره بالبدء في المشروع متحملا جميع المسؤوليات والالتزامات الادارية والمالية والتسويقية, فالمشروع قد يكون عبارة عن متجر للمبيعات الاستهلاكية او خدمة يحتاجها المجتمع.
وهنا فان تطوير المنتجات او الخدمات في المرحلة الاولية من ظهور المشروع تعتبر غاية في الاهمية الا ان بيع الخدمات ورضاء العملاء اصعب بكثير من بيع المنتجات والسلع.
فالمنتج شيء ملموس قابل للنقل, ذو ثقل مادي ومعنوي يستطيع المستهلك ان يقارن بينه وبين مثيله الموجود في الاسواق, اما المقارنة بين الخدمات فيعتمد بشكل كبير على الاجتهاد الشخصي والخبرة والمعرفة الشخصية للعميل, ويتطلب المشروع الصغير ان يكون المستثمر مدير التسويق ومدير الانتاج وممثل خدمة العملاء ومدير العلاقات العامة ومدير شؤون الموظفين وان يقوم بعمل جميع هؤلاء في آنٍ واحد, اما فيما يخص عنصر التسويق فيمكن لصاحب المشروع ان يتلمس حاجات المستهلك ويبادر بتقديم افضل الخدمات للعملاء, وعليه ان يكتشف العالم من حوله ويجاوز في فضوله حد صناعته, وان يستشف فرصا لا يراها غيره, ويستطيع ان ينمي المبتدئ احساسه بالفرص المواتية المناسبة وكمهارة ضرورية تعينه كثيرا, اما الانتاج فيمكنه ان يتلمس تغيرات المنتجات والسلع في موديلاتها والوانها واذواقها السريعة لمواكبة السوق وعدم التخلف عن المنافسين, وطالما كسب عملاء ومشترين جددا فينبغي ان يتأكد من نظرة العملاء لمشروعه ومدى رضاهم عن الخدمات التي يوفرها لهم مع الاستمرار المتواصل في القيام بتحسين وتطوير المنتجات والخدمات كلما طالب العملاء بذلك ليؤكد لهم مدى حرصه على راحتهم ومقابلة احتياجاتهم, فتوطيد العلاقات الاجتماعية طويلة المدى قد تكون ميزة تنافسية حقيقة لا تكمن فقط في منتجاتك او سعر المنتجات المخفض بل في ثقة العميل ومدى اعتماده عليك في تزويده بمطالباته الاستهلاكية.
كما على المبتدئ ان يهتم بتنظيم الوقت, فهناك فارق كبير بين العمل لحسابك الخاص والعمل الوظيفي, فالواجبات والمسئوليات هنا اكثر بكثير مما قد تعوّد عليه الفرد بالمقارنة مع وظائف سابقة عندها يكتفي في العمل الوظيفي بختم ساعة الدوام وانجاز ما يمكن انجازه بنهاية الدوام, بينما تتطلب الحالة هنا المتابعة حتى وقت متأخر مساءً.
ولكن اذا ما اختار المستثمر طريق التجربة والابداع فعليه ان يتممه وان يكون مستعدا لمواجهة الصعاب بالصبر والتفاني, كما يتطلب الشجاعة والمخاطرة والعمل الشاق وانتهاز الفرص, واهم ما يتحلى به القادم على الاستثمار ألا يتراجع في قراره وان يتعلم من اخطائه واخطاء الآخرين, فكل الناس يفشلون في شيء ما او في مرحلة من مراحل حياتهم وهذا امر لا يمكن تفاديه, ولكن يمكن للإنسان ان يتعلم منها ويتعامل معها وان يعتبر الفشل حلقة عارضة في سلسلة النجاح الطويلة, فقد يكون الفشل خطوة في طريق النجاح ولكنها لا يجب ان تصبح الخطوة الاخيرة في الحياة العملية التجارية, ويفترض من يقابله مشروع تجاري بالفشل ان يستعرض كل الظروف والاسباب التي ادت الى فشله وألا يصاب بعقدة الذئب وهموم الندم, بل من الافضل ان يعيد تقييم الامور من زاوية جديدة بعبق التفاؤل والانجاز, تفاؤل وحماس يستطيع بهما ان يقلب الخسارة الى ربح, ويمكن ان يتذكر المستثمر بأنه اذا لم ينجح في المحاولة الاولى فعليه ان يحاول الثانية او حتى الثالثة ولا يلام المرء بعد اجتهاده.
|
|
|
|
|