| عزيزتـي الجزيرة
مع اعتذاري لروح الروائي الفرنسي مارسيل بروست على استعارتي لعنوان روايته الخالدة، ومع حاجتي الملحة لهذا العنوان لدلالاته البالغة التي تعبر بشكل دقيق عن واقع الحال الذي حدث لي مع رحلة الخطوط الجوية السعودية رقم 162 والقادمة من باريس للرياض أو كان من المفترض كذلك ، يوم الثلاثاء 15/8/2000م والتي تم تعديل خط سيرها فجأة ودون سابق إنذار للركاب القادمين من باريس للرياض ولم يعلموا بتعديل المسار إلا بعد صعودهم للطائرة، وإذا بخط السير يمر بمحطتي روما ومن ثم جدة قبل الوصول للرياض ليتحول زمن الرحلة من حوالي خمس ساعات إلى عشر ساعات!!!
وقبل ذلك بحوالي اسبوعين، كنت أنا وزوجتي الكريمة في رحلتنا من الرياض لباريس لقضاء إجازة اسبوعين أثناء موسم الهجرة للشمال مع الإعتذار للروائي الأسمر الطيب الصالح، وكان من المفترض ان تقلع الرحلة رقم 153 الساعة الثانية فجراً من يوم الخميس الموافق 3/8/2000م ولكن الرحلة لم تقلع إلا الساعة الثانية وخمسين دقيقة، أي أننا مكثنا على متن الطائرة مايزيد على الساعة وخمس وعشرين دقيقة إذ علمنا بان الركاب عليهم أن يصعدوا للطائرة قبل أكثر من نصف ساعة على أقل تقدير، ليأتينا اعتذار أحد طاقم الطائرة عن تأخير الرحلة الذي كان خارجاً عن إرادة السعودية حسب تعبيرهم، ولا ندري عن أي إرادة يتحدثون!!.
إذا قبلنا تأخير الذهاب على مضض، وبعد اعتذارهم عن ذلك، فما هو عذر السعودية عن تعديل مسار العودة علماً أننا قد أتممنا إجراءات الحجز على أساس الذهاب والإياب من الرياض لباريس مباشرة والعكس صحيح ويدل على ذلك تذكرة السفر وبطاقة صعود الطائرة التي أصدرت لنا من قبل مكتب السعودية بمطار شارل ديغول بباريس قبل السفر بساعتين دون أدنى إشارة لتعديل المسار!!
على أنني أريد أن أوضح للمسؤولين في السعودية وأنا كلي أسف الآن أنني قد اخترت السفر مع السعودية رغم أنه كان أمامي خيار أن أسافر مع الخطوط الإماراتية والتي سيكون خط سيرها الرياض دبي باريس، ومن ثم العودة من باريس لدبي وانتهاء بالرياض التي لن يستغرق زمن رحلتها العشر ساعات على أي حال وكانت ستوفر لي ما يزيد على الألف ريال بالتذكرة الواحدة، ومع ذلك فضلت السعودية رغبة مني في الذهاب والاياب مباشرة رغم فارق الثمن المالي!!، ورغم ذلك لم أحصل على ما دفعت ذلك من أجله، وهنا مكمن الداء, كيف ندفع نقوداً لخدمات لا نحصل عليها؟، ولماذا تستنزف جهودنا ويهدر وقتنا بدون أدنى ثمن؟!، هل لأن الزمن لا يعني شيئا لنا، وأن نقودك عندما تذهب من جيبك فقل عليها السلام، وأسأل الله العوض، كما نقول دائماً؟!.
كل تلك أسئلة مشروعة نسوقها لإدارة السعودية ونقول لها، كيف تنشدون المنافسة الاقتصادية وانتم لا تكترثون بركابكم، فلم يصدر أي توضيح أو إشارة لتعديل مسار الرحلة 162، هل هذا نابع من عدم مبالاتكم بالركاب أم لأنكم لا تملكون أي عذر ففضلتم الصمت المطبق, ومع ذلك لن نصمت نحن وسنطالبكم بالتوضيح ونحتفظ بحقنا في التعويض وإهداركم لوقتنا، ولن نسوق لكم التوسلات والحجج بأنه كان ينتظرنا موعد طبي هام أو مؤتمر علمي كنا عازمين على حضوره، أو حتى موعد للتقديم على إحدى الكليات العسكرية وفات علينا موعده بسببكم,, كل هذه التوسلات التي دائماً تطرح هنا وهناك على خلفيات تأخير رحلاتكم، ليس لها مبرر, إذ يكفي ان نقول انكم أضعتم من عمرنا خمس ساعات دون أن يكون ذلك مرتباً له من قبلنا، وأعتقد بان هذا يكفي عندما نتحدث بالمنطق الحضاري الذي يجب ان نعيه ليتعدل سلوكنا أفراداً ومؤسسات، إن كان ذلك ممكننا!!!
وفي هذا السياق وضمن إطار هذه الحادثة أود أن أسوق مفارقة ولابد من ذكرها لما تحمله من مضامين حضارية واقتصادية يجب أن نقف عندها طويلاً، وأود عرضها هنا إمعانا في نشر القيم الحضارية التي نحتاجها.
والمفارقة تكمن في أنني قد طلبت من العاملين في الفندق الذي كنا نقطن فيه في العاصمة الفرنسية أن يوفروا لنا سيارة أجرة يوم عودتنا من باريس وأن يكون متواجداً الساعة الثامنة صباحاً، وعند نزولي أنا وزوجتي صبيحة يوم السفر في تمام الساعة الثامنة إذا بسائق التاكسي في انتظارنا في الوقت المطلوب, وأثناء انتظارنا لدفع مبالغ مالية مستحقة علينا للفندق تعطلت الطابعة التي تصدر الفاتورة وأخذوا في إصلاحها واستغرق ذلك خمس عشرة دقيقة، وبعد ذلك صعدنا التاكسي ولكن زوجتي لاحظت أن عداد القيمة قد عدَّ 60 فرنكاً وقد نبهتني لذلك، فاستفسرت من سائق التاكسي عن ماهية هذا المبلغ فأجاب بأنه قيمة الخمس عشرة دقيقة التي كان واقفاً خلالها في انتظارنا، لأننا قد طلبنا ان ينقلنا الساعة الثامنة وليس الثامنة والربع، فأجبته بأنني لم أكن أعلم بأنكم تحسبون الدقائق كما تحسبون الكيلومترات بدقة، فقال باللغة الإنجليزية This is the rule in paris,sir ، أي أن هذه اللوائح في باريس، وقال كل ذلك بشكل مهذب جداً، فقبلت ذلك برحابة صدر كون الخطأ صادراً مني.
هذه المفارقة المتحدث عنها في الرواية السابقة روايتي وليست رواية بروست تبين مدى تباين الوعي بقيمة الزمن بين الأفراد والمؤسسات بل وحتى الأمم، وتدق ناقوس الخطر محذرة من عدم مبالاة مؤسساتنا الوطنية وعدم مراعاتها لشروط التطور الإداري والاقتصادي في عصر العولمة الشاملة الذي لن يترك لمن لم يستوعبوا جوهره مكانا لائقا، وما علينا إلا أن نردد الحديث النبوي اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر ، وخاصة مع السعودية!!!
حمود الزيادي العتيبي مسؤول الشؤون الإعلامية والتثقيف الصحي بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث
|
|
|
|
|