| الثقافية
الرقصة الأولى :
أغمضت عيني,, قلت، ما فائدة ان اشرعهما للصحو، في هذا الظلام القاتم,, وبدأت قدماي تتلمسان طريقهما في شارع منزو.
كانت خطواتي متعثرة,, لكنني كنت منتشيا كطفل قروي مهووس بايقاع خطواته الأولى.
حاصرتني عينان متعبتان,, لم تهزماني!
كان قلبي فارسا عربيا مغرورا، وكانت اشتهاءاتي الاولى لم تزل موؤودة في خندق يقبع بين الجمجمة والجمجمة,, بيد أن كلاباً تنبعث من نباحها رائحة الجوع والظمأ,, داهمتني,, ولما هاجمتني بوحشية,, اعملت قدمي في اجسادها,, وأحسست كم هي جائعة فعلا وهزيلة!,, تكاثرت، وعلا نباحها، ورأيت اصبعي الأيسر يتدحرج والدم الدافىء يحتضن ذرات الرمل العطشى، قاومت ببسالة، وفي النهاية,, اقتحمت منزلا ذا باب خشبي رث,, استقبلتني امرأة بعثت في داخلي تقاطيع وجهها الهادىء الطمأنينة، والأمان.
قدمت قدحا من الشاي، وانشغلت بحديث عن اسطورة قديمة,, تحكي قصة امرأة تدعى دنلوب كانت جميلة كمساء صحراوي، سافر زوجها,,وغاب طويلاً,, سنة,, سنتين,, عشر سنوات,, وتكاثر الخطاب عليها، وكانت تمني كل واحد منهم بعرس وحياة مليئة بالاطفال، بمجرد ان تنتهي من غزل صوفها,, ولكنها حين تتذكر حبيبها الابهى,, تقوم باعادة خصلات الصوف الذي غزلته في الليل الى وضعه السابق,.
واستمرت هكذا,, قدمت لي قدحاً آخر,,وتنهدت: النساء اليوم لم يعدن وفيات كما دنلوب ! وبدا لي بزمها شفتيها انها ارادت ان تقول:
والرجال لم يعودوا أوفياء كما كانوا من قبل!
زارتني وقتها عصافير غريبة، وطئت مكاناً قصيا من الجمجمة المعجوقة بسقم الليالي المعربدة، تلك العصافير الليلية لم تكن غريبة عني، غير ان جنونها هذه المرة كان خارقاً، وسطوتها مثيرة، طفل صغير دفع مقدمة جبهته المجدورة من نافذة جانبية.
كانت عيناه جاحظتين، وبدا لي ان اذنيه مائلتان الى الخلف قليلا,.
وحين رآني، اخرج لسانه من جوفه وبكى بحرقة.
نهضت المرأة ذات التقاطيع الهادئة لتهدىء من روعه,, ولما لم يكف عن البكاء والعويل خرجت به الى بهو المنزل,, وسمعتها تهدده بصوت ذابل وتتوعده:
اصمت! اذا لم تصمت سأطلب منه ان يأكلك!
وعمت بعدها حالة من الذعر والجلبة,.
** في الصباح,, كنت اتساءل وأنا أنهض من فراشي,, ما اذا كنت قد فعلتها، وابتلعت رأس الطفل المجدور بأذنيه المشدودتين إلى الخلف,, حقا!!
الرقصة الثانية :
حط عصفور بري على غصن شجرة مترهلة، تحت الشجرة العجوز كان فتى وفتاة يجلسان على كرسي ابيض,, ومن بعيد كان النهر الصغير يطوح بنسماته المنعشة في كل جانب.
اقترب الشاب من الفتاة.
اقتربت منه اكثر، ودار حديث!
تصوري، سنملأ المنزل اطفالا,, وسنظل نرقبهم وهم يلثغون، ويخطون خطواتهم الأولى، ويبتلعون نصف حروف الهجاء!
تنهدت الفتاة:
عاد الشاب يقول:
سأطلب من الله ان يمنحني درزينة أطفال,, انا مغرم بالاطفال,, ضجيجهم سيمفونية فرح، غيمة صيف مسافرة,, ضحكة خجول لامرأة مرعبة.
قالت الفتاة باستحياء:
انت تحلم! أنت تتحدث عن عالم غريب، هل يمكن ان نتزوج ونحن نفتقد كل شيء,, المال,, المنزل,, ال,, ال,.
قال الفتى ذو الشعر المنكوش,.
المهم الحب! بالحب نحقق المعجزات,.
قالت الفتاة:
الحب وحده لا يكفي يا وليد! كثيرون احبوا مثلنا، ولكنهم فشلوا.
أقلع العصفور البري عن غصن الشجرة العجوز، رمقته الفتاة,, تابعت حركاته الرخوة وهو ينحني ليلامس سطح النهر الوديع.
اقتربت قليلا من الشاب الذي هدأت حدته,, بادرته وهي تضحك:
الطيور حياتها مثيرة,, تصور لو كنا عصفورين وديعين هل كنا سنعاني هم العرس! والبحث عن امتار قليلة نلقي فيها بأجسادنا! أكنا سعداء حقا؟
وضحكت!
دنا الشاب منها بحركة مدربة:
يا أسماء,, العالم كله لا يمكنه ان يقف حائلا دون تحقيق افراحنا,.
قالت الفتاة:
ولكن الحلم يبقى حلما يا وليد,, الاحلام جميلة، وشهية، ولكنها للاسف تبقى قصورا من الرمال الصفراء,, تبقى سيوفا خشبية، دون فعل,.
ساد صمت خجول,, ارتفع بعده صوت الشاب منشرحا:
وجدتها! وجدت الحل.
نقتصد بعد التخرج راتبي مع راتبك,, قرشي يحتضن قرشك,, يتوالدان يصبحان يوما ما جيشا من الفعل المؤثر، ونتزوج.
عادت الفتاة للضحك,, زم الفتى شفتيه,.
أمسكت الفتاة بأوراقها, اعادت خصلات من شعر غطى جبهتها,, غرزت نظراتها في عقارب الساعة البرونزية,, صرخت، وهي تنهض بهلع:
أوه,, مضى نصف المحاضرة,,,,,!
من بعيد كانت النوارس تغتسل في مياه النهر وكان الصيادون القرويون يلقون بأشرعتهم النشطة في عرض الماء,.
وحده العصفور البري، ظل يناور من بعيد، يلامس سطح الماء، يعاود التحليق، ويلقي بجسده الهش على اغصان الشجرة العجوز.
في الجانب الآخر,, نهضت امرأة شابة كانت تستلقي على أريكة مخملية,, في حجرة مهملة ذات ستائر بنفسجية ,,, تقدمت الى جهاز الفيديو دفعت يدها واغلقته,.
سارت الى الغرفة المجاورة، ألقت نظرة على الرجل البدين الذي سبقها إلى الفراش وراح يشخر,,ويشخر,.
تنهدت,, ثم القت بجسدها هي الاخرى,, و,, نامت!!
من مجموعة(أوراق جمّاح السرية).
|
|
|