| عزيزتـي الجزيرة
في الوقت الذي تغرق فيه أسواقنا وتزدحم بمنتوجات الآخر واختراعاته واكتشافاته,, نحن نعقد الجلسات والندوات وترتفع أصواتنا ويزداد صراخنا حول نقد ذواتنا وتقاذف العيوب وجعل الماضي الشماعة نعلق عليه نقصنا وخللنا,, وكلما ترك الآخر مرحلة وانتقل إلى أخرى قذف علينا بمصطلح جديد ألهب ساحتنا به وجعل المثقفين والمتثاقفين يصطرخون حوله فتتساهم الأقلام وتتسابق للحديث عنه والتزيّن به,, والتثاقف على المتلقي من خلاله, فبالأمس كنّا مشغولين بالضجيج حول (الحداثة) مدارسها ونظرياتها وفلسفاتها وآلياتها حتى امتلأت المساحات الثقافية في صحفنا في الكتابات المحمّلة بهذا المصطلح (الحداثة) الذي رغم الزحام الهائل من الأقلام المتحدثة عنه إلا أن المتلقي عائم بين هذه الكتابات ولم يفهمه,, وكذلك الكاتب ما برح يعيش حالة التخبط والخلط,, فمعظم الذين تحدثوا عن (البنيوية) اقتصروا في تطبيقها على الجانب اللغوي مع أنها ليست نظرية خاصة باللغة وإنما هي نشأت في ميدان الاجتماع وتطرقت أوتسربت إلى مجالات أخرى كثيرة والتي من أهمها الاقتصاد ,, وهي كذلك إفراز للتفكير الرأسمالي لأن من مبادئها التي تقوم عليها: يجب حل مشكلة الفرد أولاً حتى يمكن حل مشكلة الجماعة,, ولم تظهر (البنيوية) إلا بعد ظهور (الشيوعية) أي ان الأولى ردة فعل للثانية,, حيث اضطرت الرأسمالية إلى إفراز مدارس تقابل الشيوعية: البنيوية,, التوليدية,, التوزيعية,, الوظيفية,, الخ، وأصبح هناك خلط بين المدارس الحداثية,, فالبنيوية في نظر بعض الكتّاب هي نفس التوليدية وهذا فيه من الخطأ الشيء الكثير لأن الاختلاف بين المدرستين ظاهر وجذري فالبنيوية تعرف اللغة بأنها علاقة تواصل بينما التوليدية ترفض علاقة التواصل في اللغة,, والكلام عند البنيويين مسألة فردية تحدد شخصية المتكلم بينما عند التوليديين هو المنجز والمنتج,, الخ.
وهناك كذلك مصطلحات كثيرة انطلقت من البنيوية وتخلقت في رحمها وأصبحت تنظر لها باستقلالية ومنها التوزيعية: ظهرت في أمريكا,, والوظيفية: وظهرت في فرنسا,, والقلوسيمائية: وظهرت في الدنمارك.
ولكن أقلامنا جمعت بين هذه المصطلحات تحت مسمى البنيوية فخلطت في آلياتها ولخبطت في مقولات مفكريها واقتحمت بها تراثنا ومنتوجنا الأدبي الذي لم يقبلها ويتماهى معها بل رفضها,.
وبعد أن زاد الخلط والتخبط في هذه المدارس والنظريات وتهافت وسقط معظمها وهجرها أصحابها وروادها ولم تقبل آلاتها الاستنبات في أرضنا وتطبيقها على ثقافتنا,, تركوها وهجروها وأخذوا في الاستشراف والتطلع نحو الآخر لعله يفرحنا ويؤجج ساحتنا بمصطلح جديد فجاءنا ب مابعد الحداثة فتحركت الأقلام وتدفق الحبر وامتلأت الأوراق في (تفليس) هذا المصطلح والحديث عنه,, وماهي إلا فترة بسيطة حتى هُجر هذا المطصلح وارتحلت الأقلام نحو المصطلح اللامع الجديد (العولمة) وهكذا دواليك نخرج من مصطلح وندخل في مصطلح آخر جديد,, ولكن بما أننا نعاني من مشكلة (النهم الكتابي) والتسرع وعدم التروي والتأني ازداد الخلط حول هذا المصطلح (العولمة) فتصور البعض أن العولمة تيار آني جديد مندفع نحونا,, وتصور الآخر أنها التقدم والتطور الحضاري الذي ارتقى إليه الغرب,, وتسطّح كذلك البعض الآخر في فهمها فتصور أنها هي طوي الحدود والمسافات وحشر العالم في قرية واحدة,, وكل هذه المفاهيم صحيحة ولا أخطِّئها ,, ولكن كما أسبقت حب الكتابة وعدم التروي والسباق على الجديد جعل المتلقي مشتّت الفكر مضطرب التفكير عائما بين طوفان هذه الكتابات,, فقليل من الكتّاب الذي أزاح العتمة وأفاد المتلقي بعمق الفهم والتروي في الطرح وذلك عندما بيّن أن مصطلح (العولمة) ليس جديداً وإنما كنّا نعيشه منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وتوحّد وتفرّد أمريكا بزعامة العالم وسوسِه,, (فالعولمة) والنظام العالمي الجديد هي (الأمركة) أي أمريكا بحضارتها وثقافتها, صحيح أن هذا المصطلح (العولمة) حركي ونشط وتفاعلي فهو يتناسب مع الحضارة المتدفقة والثورة المعلوماتية وعصر السرعة حيث (تعولم) العالم وتحضّر وتثقف وأصبح كما يقولون (قرية) واحدة ولكن من المحرِّك ومن المسيِّس ومن المشرف على الحركة الحضارية,, من الذي يضع السياسات ويقاطع الدول ويجمد الأموال,,؟ بالطبع هي أمريكا فالحضارة والثقافة الأمريكية هي مادة ومضمون هذا المصطلح، فالعالم وهذا ليس جديداً يسير في (رأسمله,, وأمركه) والمتضرر ليس كما يصور البعض دول العالم الثالث فقط بل الدول الأوروبية خائفة ترتجف من هذا النظام الأمريكي الجارف، ففرنسا صاحبة الحضارة العريقة والتاريخ الطويل انزوت على ثقافتها وأعادت ترتيب وتنظيم حضارتها,, عندما تأمرك شعبها وغزت
الثقافة والحضارة الأمريكية أراضيها فمعظم الدول الأوروبية أخذت بالتحصن والتمترس بثقافاتها وحضاراتها ضد الغزو الامريكي للعالم,,.
خالد عبدالعزيز الحمادا بريدة
|
|
|
|
|