| مقـالات
يجب الاعتراف بأن كثيراً من شبابنا يجدون أنفسهم في مأزق حقيقي محصورين بين مطرقة غلاء المهور وسندان العنوسة أو الانحراف,, يتساءلون: أما آن الأوان كي نواجه أخطاءنا بشجاعة يقينا بان إخفاء الرؤوس في الرمال حتى لا يراها الصياد لو كان صحيحا في طبع النعام لكان كفيلا بانقراض تلك الفصيلة من الطيور الجميلة، وان المكاشفة وإن كانت موجعة لابد منها كي نضع اقدامنا على طريق صحوة مرجوة وإفاقة منشودة
وقد ساءلت نفسي عما عساي أن أضيف إلى ما تناوله أهل الرأي في الموضوع من كل جوانبه، وبعد أن حددت المهور في عسير على سبيل المثال بصك شرعي يوثق اتفاق القبائل على أن يكون مهر البكر اربعين ألفاً والثيب خمسة وعشرين!! وكدت أصرف النظر عن تناول الموضوع بيد أن الخبرة الاجتماعية الخاصة، والخبرة العملية التي أتاحت لي رؤية اوسع وقراءة اعمق لآثار تلك الظاهرة المقيتة، دفعاني ان أناشد ضمائر الآباء والأمهات وامانتهم في بناتهم، وأن أدعوهم مجدداً للتفكر في قول الحق جل وعلا وجعل بينكم مودة ورحمة أي بين الزوجين، وأن يتدبروا تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من فتنة تعصف بالمجتمع الذي لا يزوَّج فيه من يُرتضى دينه,, وذلك المنهج القائم على الكتاب والسنة يؤسس علاقة الزواج على الرحمة والمودة ويحذر من رفض تزويج صاحب الدين وإن قل ماله، والمرأة بالمثل (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
فكيف تغفو ضمائرنا على مأساة شباب يعتركون الزواج اعتراكا، فإذا انتصر في المعركة وفاز بالعروس خسر ما ادخره من عائد سني الكد، ودخل بوابة الزواج وقد أحنت ظهره الديون المتراكمة من نفقات المهر والجهاز والهدايا للعروس وأهلها حتى الدرجة الرابعة ناهيك عن بعض (العمات) اللاتي يحظين من الغنيمة بنصيب الأسد من الأصفر الرنان.
وقد غدت هذه طقوسا يقوم على حراستها كتائب المنتفعين الذين لا يصغون لصوت العقل في ضمائرهم، ولايرعون الله في بناتهم، ولا يزالون لا يأبهون للأصوات التي طالما نادت ولا تزال بترشيد نفقات الزواج رحمة بالشباب وعونا لهم على الاعتصام به من مغبة الغواية.
وإني لأشفق على أولئك الذين يتخذون من بناتهم سلعة تباع وتشترى، فيظلمونهن وهن برحمتهم أولى، ويسحقون مشاعرهن الإنسانية بلا هوادة، ويتعامون عن فطرة الله في خلقه التي تجعل الزواج غريزة حتمية في الإنسان ذكرا وأنثى,, أشفق عليهم من الوقوف أمام الله في اليوم العظيم، وأدعوهم للتراجع عما يصرون عليه من تجارة البنات,, كما أدعوهم إلى مواجهة السؤال: ماذا تفعل المسكينة التي أمسك بها أهلها عن الزواج طمعا، وهي ترى أحلامها في الارتباط المشروع تتفلت من بين أنامل الأمل,, هل تستسلم للعنوسة,, أم تبحث عن الفرصة خارج الدائرة؟! وهذا الشاب الذي حال بينه وبين الزواج هذا الطمع إلى أي مدى يمكن ان يقاوم شياطين الجن والإنس وهم يدعونه إلى طريق آخر شائك وخطير؟! أو ليس هؤلاء الآباء والأمهات إذن هم الذين يدفعون الشباب من الجنسين إلى مستنقع الخطيئة!!
في يقيني أن المسلم إذ يدرك ويتفهم ما تسفر عنه المغالاة في المهور ونفقات الزواج من مغبات خطيرة، لابد أن يعيد النظر قبل أن يعتسف الشاب الذي يتقدم لابنته خاطبا، لأنه سوف يدرك أيضا أن عش الزوجية القائم على هذا الاستلاب، يصبح في هشاشة القش الذي لا يقوى على أوهى الأنواء، ناهيك عن الدوامة التي يعيش فيها الشاب المسكين، بعد أن يُنحل وبره وتنزع عنه سترة راحة البال، فالدين هم بالليل وذل بالنهار.
ثم ماذا يمكن أن يبقى للمرأة من حظ في قلب الرجل الذي وصل إليها مذبوحا على البارد,, هل يبقى سوى الحقد المكتوم كما تفعل العير وان طال بها الصبر، وتلك جناية أخرى تحتاج إلى وقفة جديدة.
|
|
|
|
|