| مقـالات
أراد العراق أن يظهر مرة أخرى إلى سدة الوعي الراهن، وكأنه يحاول أن يدفع بالخليج لأن يستعيد ذاكرة الموت وسياسة الإزاحة التي أرادها العراق لأبناء الشعوب الخليجية عامة,, والتي أصبحت كما يبدو ديدن النظام العراقي وثوابته التي لا يحيد عنها,, الكثير من أبناء الخليج أخذوا يتناسون ولا أقول ينسون فاجعة احتلال الكويت وتهديد الخليج قاطبة، ولكن الآلة الدعائية العراقية تأبى إلا أن تواصل طغيانها على قضايا المنطقة، وتكريس مفاهيم العنجهية الصدامية، ولغة التهديد التي لم تنفك أبدا عن نظام الرئيس صدام حسين.
يبدو أن سياسة قلب الحقائق، وتغيير الواقع، وتزييف الأحداث لم تزل هي السياسة التي تنعكس في أجهزة التفكير والأداء العراقية على مستوى المؤسسات التنفيذية, أو تلك التي تدعي تشريعية,, وتظل الكويت ومعها المملكة العربية السعودية هما الدولتان اللتان حالتا دون طموح فخامة الرئيس صدام في أن يحكم آبار النفظ، ويسيطر على جغرافية المنطقة، وبالتالي يلغي تاريخها وارثها,, ويبدأ معه تاريخ جديد، وتقاويم انتصارات شخصية لخامته وتكبير لكيكة (البيرثدي) لفخامته,.
يحنق الرئيس صدام حسين على الملك فهد وعلى أمير الكويت الشيخ جابر، لأنهما بددا أحلامه الواهية، وحطما طموحاته التوسعية على حساب سيادة الدولة العربية وكرامة الفرد العربي,, فليس عربيا أبداً أن يعود صدام وجهازه الدعائي إلى وثبة أخرى واجحاف جديد في حق شعوب وحكومات دول الخليج العربية,, كيف لا، وهذه الشعوب قبل الحكومات قد وقفت ضد طغيان الرئيس، ومشكلتها الأساسية مع صدام حسين أنها دافعت عن نفسها,, هذا فعلا ما يمكن اختصاره في حرب الخليج,, ان شعوب المنطقة مارست حق الدفاع عن النفس,, وهذا الحق انكره صدام على شعوب المنطقة الخليجية.
إنني أعتقد ان مشكلة النظام العراقي ليست مع حكومتي المملكة العربية السعودية والكويت، بل انها مع شعبي الدولتين,, فالشعبان ومعهما شعوب المنطقة الخليجية وغيرها من الشعوب العربية والإسلامية الأخرى لا يمكن لها أن تقف في يوم ما لتصفق لفخامة الرئيس أو أن تمد يدها لتصافحه مهما كانت الظروف,, وحتى لو أن الحكومات شاءت تحت ضغوط دولية كما تفعل بعضها في مناسبات معينة أن تطوي صفحات الماضي وتبدأ صفحة جديدة مع النظام العراقي، فإن شعوب هذه المنطقة ستظل صامدة أمام أي نوع من أنواع التطبيع مع النظام العراقي الحالي,, وستظل هذه الشعوب تنتظر ببالغ الصبر التحريك الداخلي لتغيير النظام هناك، حتى يمكن ان يتغير الواقع وتتبدل الأمور وتتحول مجريات الأحداث لصالح ترتيب جديد في علاقات المنطقة,.
والذي ربما لم تعلنه الحكومات العربية الصامدة ضد استمرار الطغيان العراقي هو تأكيدها على عدم امكانية التعاون مع النظام الحالي الذي يرأسه فخامة الرئيس,.
فكيف يمكن أن يطالب الرئيس بالتعامل معه شخصيا ومع نظامه الإرهابي الفاسد وهو الذي لم يبد أي لحظة تأنيب أو كلمة اعتذار أو رغبة في تناسي الماضي,, بل بالعكس من ذلك، يواصل تأكيده على أحقية تحركه واحتلاله للكويت، ولتهديده لمنطقة الخليج، ويستمر في تشدقه عبر الآلة الدعائية العراقية بأن نظامي المملكة والكويت هما وراء ما وصل إليه العراقيون من ويلات وجوع وموت,, متناسيا سيادته أنه بأوامره الشخصية قد قام بتدمير أكثر من ثلاثة آلاف قرية في شمال العراق، والتهجير القسري لأكثر من مليون شخص من أكراد الشمال وتوجيههم إلى الوسط والجنوب,, والفرض على الآخرين عدم التعامل معهم أو توظيفهم أو إيوائهم أو حتى التبرع لهم بالأكل والشرب,, وكذلك فإن جهوده التعسفية ضد عدد من الطوائف والقبائل في الجنوب لا تزال تدوي حيث دمر وأحرق عددا كبيراً من مساكنهم، وجفف وصول المياه إلى مزارعهم بهدف تهجيرهم إلى مواقع جديدة.
وربما أن ما يعرفه الشعب العراقي أكثر من غيره أن عمليات الإبادة والقتل والحرق والتجويع والتهجير التي يقوم بها النظام العراقي لأسباب تتعلق بتوطيد أمنه وحماية رئيسه، هي أضعاف مضاعفة من الخسائر التي مني بها العراقيون من جراء الموت جوعاً أو مرضاً بأسباب الحظر والعقوبات الدولية,, ويعرف الشعب العراقي كذلك أن الضحايا من جراء الحروب الخارجية والتعديات الداخلية لنظام صدام حسين منذ توليه دكتاتورية الشعب عام 1979م، قد تجاوزت بكثير ربما عدد من نفقوا بسبب حرب أو جوع أو مرض على مر مئات السنين الطويلة في حياة العراقيين,, وهنا نسوق بعض الشواهد التي تدل على طغيان واسع وظلم مستبد على كافة المستويات، ومحاولات ضروسة في قلب الحقائق وتزييف المفاهيم بغرض تمديد فترة بقاء النظام وإطالة عمر الرئيس:
* أثبتت الأحداث أن النظام العراقي يتاجر بحليب الأطفال الذي يفترض ان يصل إلى أطفال العراق,, وبدلا من ذلك يتم تصديره إلى الخارج في شحنات كبيرة جداً لبيعه في بعض دول الجوار العراقي,.
* رغم ما نسمعه من سياسة تجويع الشعب العراقي، إلا أن العراق لا يزال يصدر أو يحاول التصدير لسلع غذائية مهمة تحول دون النقص الذي قد يؤدي إلى تجويع الشعب العراقي,, شحنات كبيرة تخرج من العراق وبها أطنان من الأرز وغيرها من السلع الأساسية الغذائية بدلا من أن تتوجه إلى الأفواه في الداخل,.
* الإيرادات المالية التي يتلقاها النظام العراقي ضمن برامج الأمم المتحدة لشراء أدوية طبية، لم يقم العراق إلا باستثمار حوالي الأربعين في المائة منها لغرض الأدوية الأساسية التي تحتاجها المستشفيات,, كما أن بيعه هذه الأدوية بأسعار خيالية على المستشفيات والمستوصفات الخاصة ضاعف من مشكلة توافر هذه الأدوية عند الحاجة إليها,, كما أن التقارير تفيد أن شحنات كبيرة من الأدوية تربض في مستودعات خاصة ولم يتم توزيعها في مختلف أنحاء البلاد، وذلك بحجة تعذر توصيلها لاسباب النقل والمواصلات إلى تلك الأماكن,, أما الجيش الجمهوري أو غيره من الوحدات العسكرية فتستطيع أن تنتقل إلى أي مكان في العراق وفي أي لحظة إذا دعت سلامة الرئيس وأمن النظام إلى ذلك,.
* رغم العقوبات المفروضة بقرارات دولية على العراق، ورغم الحظر المطبق على النظام العراقي إلا أن فخامة الرئيس ظل مستفيداً من ذلك ومعه بطبيعة الحال أعوانه من رجال الحرس الجمهوري وغيرهم من خلايا الدفاع الأولي أمام حركة التغيير الداخلية,, وعلى سبيل المثال، فقد أشارت مجلة فوربس Forbes إلى أن الثروة الشخصية لفخامة الرئيس صدام تجاوزت ستة بلايين دولار أمريكي,, غير ما يمكن ان يضع يده عليه من مقدرات هائلة في الموارد العراقية,.
* يواصل الرئيس العراقي هواية تشييده للقصور الفخمة، وقد رصدت التقارير أن فخامته قد صرف أكثر من بليوني دولار أمريكي على قصور جديدة فقط في الفترة التي تلت نهاية حرب الخليج,.
إن تحفظ الكويت والمملكة على التعامل مع العراق بنظامها الحالي هو في مكانه، فالكويت بحدودها مع العراق التي تصل إلى 2888كم، والمملكة بحدودها ال814كم يجب أن تتهيأ دائماً أمام أي مفاجآت قد يفعلها نظام الرئيس بعقليته التي لم تتغير، وعنجهيته التي اعتدناها في الماضي,, فكيف نتغير نحن والطرف الآخر لم يتغير تماما,, بل بالعكس فقد زاد طغيانه على شعبه، ولا تزال الآلة التدميرية التي يمتلكها نظامه ضد شعب الداخل وجيران الخارج تنمو يوما بعد يوم، ولا تزال تصريحاته أو تصريحات قياداته بمن فيهم أبناؤه، تصرخ عاليا وتؤكد على قدسية الاحتلال العراقي للكويت، واعتباره يوم النصر الأكبر، والفوز المظفر,,.
|
|
|
|
|