| العالم اليوم
الطبع يغلب التطبع,, هذا القول لا ينطبق فقط على السلوك الاجتماعي للفرد، بل أيضاً يتعداه إلى المسلك السياسي للأنظمة.
كارثة الغواصة النووية الروسية كورسك وقبلها كارثة المفاعل النووي تشرنوبل، تؤكد ان الطبع الذي تشرب في وجدان وتفكير وسلوك المجتمعات والأنظمة الشيوعية التي كانت قائمة في زمن الاتحاد السوفيتي لا يمكن أن تتخلص منه لا المجتمعات ولا الأنظمة في زمن قصير، فالآن وبعد أكثر من عقد من الزمن على التحول عن الشيوعية والأخذ بالأسلوب الديمقراطي، أو الليبرالي، لايزال النظام الروسي واقعا تحت سيطرة التربية الشيوعية التي تنظر إلى الإنسان مجرد ترس في آلة النظام تتحد قيمته وأهميته بمقدار ما يخدم ذلك النظام، ولهذا فالشعوب عند الأنظمة الشمولية هي مجرد أرقام مثلها مثل أرقام الموازنات الاقتصادية وغيرها من المعادلات الحسابية.
وهذا ما ظهر في كارثة الغواصة الروسية النووية التي غرقت يوم السبت قبل الماضي أي قبل ثمانية أيام، ورغم ان الغواصة تحمل مائة وثمانية عشر مواطناً روسياً، وأنها تحوي عددا من الصواريخ والقنابل النووية، إلا أن رئيس الدولة فلاديمير بوتين الذي كان يقضي اجازة في أحد المنتجعات الصيفية الروسية تجاهل الأمر ولم يتحدث عن الكارثة إلا بعد خمسة أيام من وقوعها، ففي يوم الأربعاء، أصدر بياناً مقتضباً لم يذكر فيه ما يطمئن أهالي البحارة، ولم يشف غليل القلقين على مصير الغواصة وما تحمله من اسلحة نووية، وبعد الحملات الصحفية على الموقف السلبي للرئيس قطع اجازته وعاد إلى موسكو ليتابع الموقف، معللاً موقفه بأنه كان يعلم أن انقاذ البحارة كان ميؤوساً منه,,!!
هذا القول يظهر ان القيادة الروسية لديها معلومات أكثر مما كشف عنه والغالب أن بوتين أبلغ بان الانفجارات التي حدثت في الغواصة قد قتلت كل البحارة وان الأسلوب الأمثل، وحسب العقلية الروسية التي تربت عليها في زمن الشيوعية، فان أفضل وسيلة لتقبل الرأي العام الروسي هو التسريب التدريجي للمعلومات، واظهار الكارثة وكأنها فشل في عمليات الانقاذ حتى يتسرب اليأس، وهذا ما يفسر تناقض التصريحات والمعلومات التي تصدر من أكثر من جهة في روسيا، فبالاضافة إلى أقوال كبار المسؤولين في البحرية الروسية والحكومة حفلت الصحف ومحطات التلفاز الروسية بمعلومات متناقضة عن اسباب غرق الغواصة، وتوجيه الاتهام إلى أكثر من جهة.
كل هذا يهدف إلى تخفيف وقع المأساة وتطويل أمدها، مع الكشف التدريجي عن معلومات جديدة تفرض أمراً واقعاً لأسر الضحايا حتى يتقبلوا المأساة وبأسلوب روسي لا يختلف كثيراً عن الأساليب السوفياتية.
المهم وكما ستكشف عنه نهاية عمليات الانقاذ ان بحارة الغواصة قد لقوا حتفهم في اليوم الأول لغرقها بسبب الانفجارات التي حصلت داخلها، وأن عمليات التطويل جرت للحفاظ على الأسرار النووية الروسية التي هي وحسب العقلية الروسية الموروثة من النظام السوفياتي أهم من الانسان.
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني com . Jaser @ Al-jazirah
|
|
|
|
|