أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 19th August,2000العدد:10187الطبعةالاولـيالسبت 19 ,جمادى الاولى 1421

تحقيقات

في تطور جديد للبرامج العلاجية للإدمان
مستشفى الأمل بالدمام يخرِّج جامعيين ومهنيين
يوسف اليوسف: استطعنا أن نكوِّن للمتعافي جواً مناسباً ومهنة شريفة ولدينا نماذج واصلوا دراساتهم في الجامعة
*تحقيق: ظافر الدوسري
عندما يغفو الضمير البشري يتحول الإنسان إلى أداة تحركها الشرور والغرائز، وحين يصحو ذلك الضمير يحس بالندم والحسرة فيلجأ إلى أساليب مختلفة يرد بها اعتباره ويستعيد فيها لحظات الأمان التي سلبته إياها ذاته التائهة وتصرفه الخاطئ وذلك أن الحياة ليست انحرافا فقط ومستشفيات اليوم هي غير مستشفيات الأمس حيث أدركت التطور من جميع جوانبه فهناك جهود مثمرة وجوانب عديدة تجعله سويا وشريفا عندما يستغل وجوده بالمستشفى حيث يمنح فرصا عديدة تساعده على رؤية الخارج وعلومه وتمكنه من التواصل مع المعاهد والجامعات أيضا التي تؤمن له الاستفادة من الوقت الذي فقده نتيجة أخطائه ومستشفى الأمل بالدمام واحد من المستشفيات التي حرصت على زرع الحضارة والتحصن بالعلم مع البرنامج العلاجي حتى داخل إطارها كي يقضي به المريض على ماضيه الذي يمكن ان يكون عائقا في دربه إذا ما حاول إلغاءه، فكيف يمكن للمدمن أن يلغي تلك البصمة السوداء من تاريخه في إدمان المخدرات؟
وهل يبقى المدمن متهما حتى بعد شفائه وما هي الأعمال التي تقدم لهم وترفع من مكانتهم وتجعلهم أشخاصا أسوياء لا مدمنين مجرمين؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال المقابلات مع المتعافين من مدمني المخدرات والأعمال التي قدموها خلال فترة علاجهم؟ وما هي الأعمال التي اكتسبوها؟ وهل استطاعوا مواصلة تعليمهم والحصول على وظائف بالشهادات التي اكتسبوها خلال فترة علاجهم؟
ماجد: استطعت برغبتي ومثابرتي أن أحقق شيئاً من جهودي وأدعو إخواني المرضى للاستفادة من الفرص المتاحة
متعاف بعدة شهادات
بعض المرضى أدركوا أن الحياة أعظم من القيود التي تأسرهم فأبوا الاستسلام أمام سموم المخدرات وأمام أخطائهم وجرائمهم ففتحوا على المجتمع نافذة أملهم وحاولوا بالعلم والمعرفة مع برنامج العلاج المعد لهم بالمستشفى أن يبصروا ما لم يروه قبل دخولهم المستشفى,.
يوسف اليوسف مرشد متعاف بمستشفى الأمل بالدمام ممن رفضوا أن تكون أعمارهم رماداً لا أهمية له بعد أن عرف قيمة الأمان الذي أضاعه بسلوكه المتهور وقد قص ل الجزيرة رحلته الطويلة في المستشفى التي قضاها برفقة علمه وكتبه فقال: دخلت المستشفى قبل ثماني سنوات وفي السنة الأولى وبعد ان بدأت أشعر بالعلاج والراحة والطمأنينة وجدت نفسي أسير الفراغ واليأس وشعرت بالحاجة لكي أملأ وقتي بالعلم الذي لم أحصل عليه في خارج المستشفى فقبل دخولي المستشفى كنت قد أنهيت المرحلة الثانوية وأخطأت في الوقوع في المخدرات ودفعت ثمن ذلك لكن حينما توفرت لي إمكانات تحصيل شيء من العلم هنا بمساعدة المسؤولين بالمستشفى في مواصلة دراستي حيث التحقت بمصحة هيلد ولن بأمريكا بولاية مينسوتا، وحصلت على شهادة دبلوم في الإرشاد وعلاج الإدمان هناك كما حصلت على عدة شهادات مختلفة من المستشفى وخارجه.
الدراسة والإحساس بالمسؤولية
من الممكن أن يكون المستشفى مدرسة إذا اعتمد سياسة الإصلاح والعلاج والتعليم فالمدمن تعلم الكثير من المستشفى والحديث ما يزال ليوسف إذ يقول: حينما سمحت لي إدارة المستشفى بالدراسة في الخارج وحضور المؤتمرات والملتقيات الدولية جعلني مسؤولاً عن تقدمي ونجاحي فتعلمت كل ما فاتني في الماضي حتى أصبحت ولله الحمد والفضل مرشدا متعافيا بهذا المستشفى.
وأكثر ما أرغب قوله للمجتمع أن المدمن لن يكون مجرما طوال حياته فأمامه مجال للتوبة وربما أفضل من أي شخص آخر فأنا سمعت عن عظماء أبدعوا بعد أن تحرروا من السجون والمخدرات.
نجاح البرامج العلاجية
المستشفيات في الوقت الحاضر لم تعد مثل ما كانت في الماضي ومستشفى الأمل بالدمام من المستشفيات التي حرصت على زرع الحضارة والتعليم مع العلاج في نفوس المدمنين المتعافين كي يكون سلاحاً يقضي به المريض على ماضيه الذي يمكن أن يظل عائقا في دربه إذا ما حاول إلغاءه أو بدل المسافات الفارغة في حياته بشيء يعود بالمنفعة والخير عليه حيث بدأ المستشفى قبل حوالي سبع سنوات بتغيير أسلوب البرامج العلاجية وهنا يوضح اليوسف ذلك قائلا: لم يكن في الماضي جلسات علاجية لتفهيم المريض بطبيعة مرضه (مرض الإدمان الذي يعرف بأنه فقدان السيطرة) ويعتمد على الأدوية الكيماوية والرياضة فقط بل انه كان يعتقد بأن مرض الإدمان هو استخدام الهيروين فقط ودليل ذلك أنه لم يكن هناك من المتعافين إلا عدد بسيط جداً وفي الفترة الأخيرة (قبل سبع سنوات) بدأت تتضح الرؤية للمختصين أن المشكلة ليست في الهيروين وإنما في طبيعة المرض نفسه في استخدام أي مادة تغير الفكر والمزاج ويقول اليوسف : ودليل ذلك أننا بدأنا نسمع بأعداد هائلة من المتعافين وذلك بسبب تغيير البرامج العلاجية وتكثيفها وكذلك متابعة الرعاية المستمرة التي تتابع المريض وتهيء له الجو المناسب في الخارج لأن هذا المريض عرف عنه في المجتمع بأنه مدمن ومجرم ومنبوذ كذلك لكن ولله الحمد في هذا المستشفى استطعنا ان نكون له جوا مناسبا ومهنة شريفة وذلك بإدخاله في برنامج علاجي مع ترشيحه لدورات تدريبية مختلفة وإبراز إبداعاته ولدينا العديد من المرضى الذي يملكون مواهب إبداعية فبعضهم يملك مهنة الزراعة حتى أنهم قاموا بتشجير وتجميل واجهة المستشفى من ذات أنفسهم ولدينا العديد من المرضى الموهوبين في فن الرسم وقد أقاموا معرضا فنيا خاصا بهم وأشرفوا عليه بأنفسهم ولقي نجاحا ولله الحمد ,, وغيرهم كثير.
ونحن في هذا المستشفى راضون عما نقوم به لأن الذي حققناه في فترة قصيرة يعتبر إنجازا وتقدما فاق مستوى من سبقونا في هذا المجال, ودليل ذلك وجود أعداد من المرضى من خارج المملكة ونجاح علاج الإدمان بالمملكة، وهذا النجاح لم يتحقق لولا توفيق الله سبحانه وتعالى ثم دعم وحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين ومتابعة اللواء / سلطان الحارثي مدير الادارة العامة لمكافحة المخدرات وفي الختام أتقدم بالشكر والامتنان لإدارة المستشفى وعلى رأسهم أ,محمد الزهراني مدير المستشفى ونائبه أ, عبدالله الجوهي الذين كان لهم فضل كبير في علاجي والإقلاع عن تعاطي المخدرات ومواصلتي في الحصول على عدة دورات مختلفة وعلى أثرها حصلت على هذه الوظيفة.
طموح داخل المستشفى
لكل إنسان طموحه وأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها فالمتعلم يضع نصب عينيه صورة عن مستقبل يناضل لأجله وهنا (ماجد ,س,) أحد الشباب الذين يواصلون علاجهم بالمستشفى في وحدة الرعاية المستمرة بمستشفى الأمل بالدمام يتحدث عن مشواره الطويل مع المخدرات قبل 15 سنة وكان السبب في ذلك انفصال الوالدين ثم زواج الأم وتخليها عنه مما أفقده حنان الوالدين وجعله يلجأ إلى المخدرات ورفقاء السوء لاكمال النقص الذي شعر به ونزع مشكلته وظروفه العائلية حتى وقف به المطاف في مخدرات الهيروين وحينها دخل المستشفى من غير ميول وقناعة تامة إذ يقول: عندما دخلت المستشفى قبل أكثر من عشرة أشهر عرفت حقيقة وامكانية التوبة والعودة للحياة وبدأت افتح عيني للعالم الخارجي ومنحني المستشفى الفرصة للدخول في دورات كمبيوتر والحصول على شهادة مصدقة لكي أكون ذاتي من جديد عندما أتحرر تماما من فترة العلاج وأظهر امام المجتمع أنني إنسان آخر وأثبت لنفسي أنني استطعت برغبتي ومثابرتي أن أحقق شيئا من هذا الجهد والكفاح فلقد بذلت جهدا كبيرا في الوصول للطريق الصحيح إضافة إلى تفرغي للمستشفى للعلاج والتعلم أيضا جعلني دائم الالتزام بالقوانين محافظا على سلوكي وبعيدا عن المشاكل وعلى اثر ذلك رشحتني إدارة المستشفى في الدخول لدورة لغة إنجليزية في الفترة القادمة بإذن الله تعالى كما أتمنى بعد ذلك أن أقدم وأعمل شيئا كبيرا لوالدتي كي ترضى عني لأنها تعبت ومرضت من أجلي فأسأل الله أن يحقق أمنيتي وأن يثبتني على الاستقامة وفي الختام أوجه كلمة لإخواني المرضى المعالجين بالمستشفى بأن يستغلوا وقت فراغهم بالتعلم فالفرصة متاحة أمامهم كي يستفيدوا ويتحرروا من ماضيهم.
العلم إصلاح للنفس
تعقيبا على هذا اللقاء مع هذه النماذج كان للأخصائي الاجتماعي مبارك علي الحارثي في مستشفى الأمل بالدمام رأيه في هذا الموضوع إذ يقول: من المهم جدا أن يتعلم المدمن المتعافي أو يعمل فهنا في المستشفى مهن عديدة ودورات مختلفة يمكنه أن يستثمر وقته بالمسؤولية كي يستطيع بذلك أن يثبت لذاته قبل الآخرين أن العمل الشريف والتصرف النبيل يعطيانه الراحة والأمان اللذين افتقدهما عند ارتكابه جريمته وحين يتعلم ويكسب مهنة ودورات تدريبية يتمكن من رؤية ذاته بشكل أوضح فليس المهم أن يندم على عمله وحسب بل عليه أن يجد شخصيته السوية وإنسانيته ويتذكر دائما انه يحمل في نفسه الخير كما الشر والصفة التي يغذيها بعطائه وتجاوبه تعكس سماتها على حياته وطبيعته، والعلم طريق لإصلاح النفس البشرية لأنه عندما يقضي وقته بتحصيل شيء يثبت وجوده ومصداقيته يدرك انه إنسان آخر يصلح للمثول أمام المجتمع دون خوف أو خجل.
نظرة شمولية
وفي ختام لقاءاتنا التقينا بمدير مستشفى الأمل بالنيابة الأستاذ عبدالله عمر سالم الجوهي الذي تحدث عن سير هذه البرامج قائلا: بناء على توجيهات مدير عام الشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية د, أحمد العلي بالتأكيد والحرص على علاج المرضى وتطوير البرنامج العلاجي والقفز بعلاج الإدمان بالمستشفى من دائرة ضيفة وهي دائرة المستشفى فقط إلى فكرة جديدة وهي البيئة العلاجية بحيث أصبح المستشفى ليس فقط مستشفى علاجي يصرف أدوية للمرضى وانما بيئة علاجية يوفر مناخا طبيا ونفسيا واجتماعيا وتأهيليا للمرضى، وهي مبنية على خطة عالمية ومدروسة في علاج الإدمان حيث ثبت فشل العلاج الطبي لوحده في علاج الإدمان ولكي تعالج الإدمان لا بد أن يعالج بنظرة شمولية أي من جميع النواحي بمعنى أن تعطيه علاجا طبيا مع خدمات علاجية وتأهليلية وذلك أن المدمن بعد أن يخرج من المستشفى مشكلته لا تنحصر في الأعراض الانسحابية والمخدر فقط علاقته بالمجتمع علاقته بالأسرة فأين يذهب وأين يعمل إذا رفضه الأهل والعمل والمجتمع أيضا, لذا فنحن على الأقل نحاول أن نساعده في الحصول على فرصة وظيفية من خلال التأهيل.
ويضيف قائلاً: في بعض البرامج التأهيلية لدينا يعتمد مستواها على حسب المؤهل العلمي للمريض فإذا كان مؤهله بسيطاً (ابتدائي) فنؤهله للأعمال البسيطة مثل أعمال الزراعة النجارة الكهرباء وإذا كان مؤهله أعلى فنؤهله للدخول في برامج إعداد الكمبيوتر ففي أثناء علاج المدمن بالمستشفى يأخذ دورة في مقدمة الحاسب الآلي وإدخال البيانات وإذا نجح وتجاوزها وانتظم في برنامج العلاج بعد انتهاء فترة التنويم وهي من خلال مراجعة الرعاية المستمرة نرشحه لدورة في الحاسب الآلي مدتها من 3 إلى 6 أشهر ويحصل على إثرها على شهادة مصدقة من التعليم والتدريب المهني تساعده في الحصول على وظيفة مناسبة بالإضافة إلى التنسيق مع بعض الجهات مثل مكتب العمل والعمال.
فهناك اتفاقية معهم بشكل غير رسمي ان المرضى المعافين الذين قضوا فترة جيدة للتعافي من 3 أشهر إلى سنة ومقلعون ومواظبون على مراجعة الرعاية المستمرة يوجهون لوظيفة مناسبة في بعض الوظائف في القطاع الخاص.
وعن وجود برامج تطويرية في المستقبل يؤكد أ, الجوهي ان المستشفى منذ فترة افتتاحه على يد مولاي خادم الحرمين الشريفين وهو في تطور مستمر يوما بعد يوم وذلك أن المستشفى مبني على معلومات حديثة في التخصص فنحن على اتصال مع البرامج العالمية الحديثة في الإدمان سواء على مستوى الشرق الأوسط أو على مستوى العالم وهي البرامج التي تتناسب مع بيئتنا أما التي لا تتناسب فنحاول أن نكيفها بحيث تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا وديننا ونستخدمها للأفضل.
ويشير أ, الجوهي إلى أن هناك تعاونا كبيرا مع وزارة المعارف ممثلة في مركز التوجيه والإرشاد في متابعة الطلاب الذين يقعون في المخدرات مبكرا حيث يتم الاستكشاف عنهم قبل ان تستفحل الحالة بحيث يتم التشاور فيها أو أن تحال الحالة إلينا ونتعاون في إصلاحها وتوجيهها وإعادتها للحياة بشكل طبيعي وتواصل في تعليمها, وذلك أن هؤلاء الطلاب ما زالوا صغار السن غير فاهمين لبعض الأدوية من باب أنها تساعدهم على السهر والمذاكرة.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved