أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 19th August,2000العدد:10187الطبعةالاولـيالسبت 19 ,جمادى الاولى 1421

عزيزتـي الجزيرة

بين النظر العلمي والإرجاف العاطفي
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا وآله وأصحابه,, وبعد:
ففي الجزيرة 27/4/1421ه رأيت مقالة للأستاذ/ عبدالعزيز بن إبراهيم الدخيل، يعقب على ما كتبته فيها عن بعض إخواننا الأئمة الذين لاحَظَّ للمسجد من نوافلهم لا التحيةِ ولا غيرِها وأن هذا إذا استقر عادة بلا مسوِّغ فهو من إباء الخير ورأيت أن يَنحل الإمام مسجده سهماً من نوافله، فيبادر ويستن ثم يجلس قارئاً ذاكراً ومستعداً لمن يستفتيه إن كان عنده ما يفتي به ثم ليرى من اجتماع الناس ما تَحسُن به الإقامة فيأذَن بها، بدلاً من كونها ضربةَ لازبٍ يعلنها المؤذن بمجرد رؤيته الإمامَ يدلف من الباب إلى المحراب ,.
هذه هي جملة مقالي ,, ثم رأيت تعقيب أخي هذا عليه وفقه الله وقد أخذني عجب شديد من منهاجه وأسلوبه في بحث هذه المسألةالفرعية الاجتهادية ونقاشها، وليس تعجبي لأنه يخالفني فيما كتبت، فإن النزاع في الفروع سائغ معهود بين المجتهدين في قديم الدهر وجديده,, وإنما الذي أنكرته منه سلمه الله أنه بدلاً من أن يمدنا بأشعة من نور علمه تكشف وجه الصواب الذي نسعى إليهمعاً في مسألتنا,, هل الأفضل في نوافل الإمام أن تكون في البيت أم في المسجد فينشر لنا ما وعاه من الأحكام الفقهية بأدلتها، ثم ما انتهى إليه من الرأي فيها، يصوره بأسلوبه العلمي الهادئ السمح الوقور سواء صوبني أم خطأني، بينما كنا نؤمل ذلك من أستاذنا المفضال، إذ نراه ينط بنفسه ضربة واحدة من هذه الروضة الشريفة الخضراء روضة الدعوة والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة لِيرتزَّ على مصطبة من لا يبالي ما يقول، مطوحاً ببردة الوقار فوق سطح داره، فيفسد علينا المنفعة التي نستشرف لها بهذه الرعشة التعبيرية العاطفية المختلجة، ويكدر على نفسه ما نرجوه له من ثواب ربه الموعود به كل مجتهد ناصح مثله، فكان شأن أخي حين خلط زعفران العلم برماد المثالبة والمعايبة نعوذ بالله من أن تزل قدم بعد ثبوتها كالتينقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ,, حتى لكأن ابن الرومي يعنيه فيمن يعني إذ يقول:


تذبذب فنك بين الفنون
فلا للطبيخ ولا للشواء

نعم، إن أخانا يوم احتسب الأجر على مولاه ليستدرك علي فيما يرى هو خلافَ ما رأيت نراه قد هَمَّ بالحسنة فامتشق اليراع، وبسط القرطاس، ثم كتب ونشر لكنه ضل السبيل المستقيمةَ في أدب المناظرة وخالف عن سنة العلماء الحُصَفاء حين يبحثون مثل هذه المسألة الاجتهادية فأسرف علينا وعلى نفسه بهذه الخفة المرجفة والتهويل المستجيش، حتى مَرََجَت علينا الفائدة وتناثرت بين أيدينا خُداجا ,, فلله ما أخذ وله ما أعطى,, أما أنا فلم أجد لهذه الزمجرة من صاحبي أيَّ داع أو سبب، إلا أن يكون هو إماماً، قرأ مقالتي فأوجس أنه متلبِّسٌ بما فيها، فهو إذاً يدفعُ عن نفسه ويحمي الذمار أو أنه أحد الشبان الشادين في الكتابة الجريدية بِأخِرَة فهو إنما يروض قلمه الغضَ العسيف على سباكة الكلام وفن الإنشاء والتعبير فأزلقه حظي وحظُّه بمقالتي هذه فاتخذ منها لقلمه مرتعاً ومقيلاً,.
ومهما تكن الحال فإني الآن مفصلٌ للقارئ العزيز ما أجملته هنا:
إن صاحبي وهو يعرض كلامي أراه قد اصطفى من عناصره ما يلاطف هواه وحده حريصاً على ترذيلي وتجهيلي، ثم صدف عما يخالف ذلك، موغلاً في هذا النوع من الخلل في النقل، بأن زعم أني أطالب الإمام بأن يجعل جميع السنن والرواتب في المسجد,, وهب أيها الأخ أني طالبته مطالبة حسب عبارتك هذه، لكن لفظ جميع أين وجدته؟,, أم أنه منمدرج المتن في كلامي مما لم أر له مسوغاً هنا إلا الحالَ النفسية التي غشيتك وأنت تحبر تعقيبك,.
وأما ما يتعلق بالرأي الفقهي لأستاذنا في المسألة، فلقد أشهره وضاحاً جلياً ضربة واحدة بالعزم والجزم مطلقاً على تفنيدي فلم يدخر لقلمه من الفسحة مغرز دبوس للمراجعة وإعادة النظر، فقرر حفظه الله أن المشروع في حق الإمام أن تكون نوافله والرواتب القبلية والبعدية في بيته,, وأشار إلى شيء من الأدلة هي: ما في الصحيحين مرفوعاً (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) وما رواه البخاري أنه عليه الصلاة والسلام إذا سلم مكث في مكانه يسيراً,, وعلل الزهري مكثه بأنه لينفذ النساء، وأن ابن حجرٍ قال: إن مقتضى هذا التعليل أن المأمومين إذا كانوا رجالاً أن لا يستحب المكث، ثم مارواه مسلم أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول:اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام .
هذا هو كل ما قال أخي من الأدلة على ما ذهب إليه، ثم انه سكت وجلس يستظل بجدار الصمت معتذراً بأنه لا يريد التطويل في استغراق النصوص الدالة على أنه عليه الصلاة والسلام كان يدخل للإقامة ويخرج للتنفل في بيته وأنا لا ادري كيف يؤمل أخونا أن يقبل عذره فيما خنس عنه من الأدلة الأخرى؟ فإنه لم يبلغ منها فيما يخص لب المسألة وروحها إلا ثلاثة عشر سطراً من مجموع سطور كلمته الثلاثة والستين ، أما الخمسون سطراً ، فقد تمحض جلها لباب الإطناب والإسهاب وتهاويل الكلام التجهيلي الترذيلي، بل والتأثيمي كذلك ,, لماذا؟ لأني قلت: إن من التمام في حق الإمام أن يجعل لمسجده نصيباً من نوافله، فانتفض صاحبي ثم صعد المنبر وشرع يحصبني بوابل من رَضَف التنقص والتأثيم كذلك، فقرر أني بمثابة من يوقِّع عن الله بلا علم، ونصحني بأن أسأل قبل أن أكتب ، وقال: لست من أهل العلم فما لك وللسماء!! وإني عرضت عقلي للقارئ في طبق وشططت شططاً لا حد له، وأتيت بما لم يذكره فقيه من قبل ولا من بعد، وتمنى أن لو انتهيت إلى ما قلت بل تممت من جعبتي بما لم يشرعه الله ولم يسنه رسوله,, إلى غير ذلك من قعقعة الشنان والبعابع الأخّر مما لا يليق بأستاذنا مرشداً ناصحاً ولا بي أنا مسترشداً منصوحاً.
إذاً أنت ياعبدالعزيز تقرر في غاية العزم والجزم حسبما فهمت أنت من الأدلة المشار إليها أن المشروع للإمام أن لاحظَّ للمسجد من نوافله، حتى لقد كدت تحظر عليه البقاء فيه بعد المفروضة إلا ليقول الكلماتِ العشر السابقة مستقبلَ القبلة ثم يسنُّ له أن ينهض من المحراب إلى الباب ثم إذا عاد إلى المسجد للمكتوبة الأخرى فلا يلوينَّ على أحد ولا على شيء وإنما يسعى إلى المحراب أمَمَاً قصداً وهكذا دواليك بورك عليك وذلك ليتحقق فيه أنه دخل للإقامة وخرج للتنفل في بيته فلا دعاء ولا تسبيحة على أرض المسجد ولا تحميدة ولا تهليلة ولا تكبيرة، ناهيك عن الركوع أو السجود، فكيف بالفتيا؟؟ ومشاهدة الإخوان وتفقد أحوال الجيران، إلى غير ذلك من المصالح الواسعة التي تندرج في رسالة المسجد عامة ,, كل هذه المرابح الطائلة في شئون الدنيا والآخرة لا حساب لها عند أخينا الكريم ,.
أما أنا فلا ادري والله أين وجدت هذا الفعل الذي أضفته إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يدخل لإقامة الصلاة ويخرج للتنفل في بيته فهلا دللتني عليه أرشدك الله إلى ما ينفعك في دينك ودنياك ؟؟
ولكن تعال أعلمك مالم تكن تعلم، ولم تسأل عنه أحداً من العلماء قبل أن تكتب فتجزم بالقول بأفضلية حصر الإمام نوافله والرواتب في بيته دون المسجد، ماذا أنت صانع بأقوال الفقهاء والمحدثين الآتي بيانها:
قال البهوتي في الروض المربع حول تنفل الإمام : ويكره تطوعه في موضع المكتوبة بعدها، لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يصلين الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة إلا من حاجة فيهما بأن لا يجد موضعاً خالياً غير ذلك, كما جاء نظير هذا في المغني والشرح الكبير لابن قدامة، حيث قال نصاً أيضاً: قال أحمد، لا يتطوع الإمام في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة، كذلك قال علي بإسناده وبإسناده عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يتطوع الإمام في مقامه الذي صلى فيه بالناس .
أفليس هذا ايها الأخ الكريم لمما يدل على مشروعية أن يؤدي الإمام الراتبة في المسجد؟ وأن الكراهية إنما هي لمجرد أدائها في مصلاه فإذا تنحى عنه وصلى في غيره فهو إن شاء الله مأجور مبرور؟؟ فأين هذا من قولك: إن الإمام يدخل للإقامة ويخرج للتنفل في بيته؟ حتى لقد عزمت على إخلاء المسجد من إمامه بإخراجه إلى داره بعد أقل من نصف دقيقة من حذفه السلام من المكتوبة, وما موقع كلامك المسرف في الحيف أني شططت شططاً لا حد له وأتيت بما لم يذكره فقيه من قبل ولا من بعد بل تممت من جعبتي بما لم يشرعه الله ولا رسوله؟ قل لي ما موقعه من هذه الآثار الواضحة المشهورة؟؟!.
وقال ابن قدامة كذلك: ويستحب فعل السنن في البيت لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتي الفجر والمغرب والعشاء في بيته وقال أبو داوود ما رأيت أحمد يركعهما يعني الفجر والمغرب في المسجد قط، إنما كان يخرج فيقعد في المسجد حتى تقام الصلاة، وقال الأثرم: سمعت أبا عبدالله سئل عن الركعتين بعد الظهر أين يصليهما؟ فقال: في المسجد، أما الركعتان قبل الفجر ففي بيته، وبعد المغرب.
إذا علم هذا أيها الأخ العزيز عبدالعزيز فمن الواضح أن الرواتب النهارية تصلى في المسجد بخلاف الليلية,, وهذا واضح من كلام أبي عبداللهيعني الإمام أحمد .
,,, وقد جاء في كتاب الإِنصاف: أن فعل الرواتب في البيت أفضل على الصحيح من المذهب وقيل: الفجر والمغرب فقط,, ونقل عن كتاب آداب عيون المسائل أن صلاة النوافل في البيوت أفضل منها في المساجد إلا الرواتب ,, فمفهوم هذا أن الرواتب في المساجد أفضل منها في البيوت, إذاً فالشأن شأن أفضلية ليس غير.
وفيها مجال وسيع للبحث والنظر، وفيها موطن للخلاف والرأي وليست قطعية الحكم كما تفهم أنت.
وهذا الإمام الشوكاني في نيل الأوطار يورد حديث ابن عمر في باب سنن الصلاة الراتبة المؤكدة وعدد الرواتب القبلية والبعدية ليلاً ونهاراً,, وإني أقتصر في شرحه الحديث على المقصود في مسألتنا هذه، وهي قوله: وقيل هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على ركعتين وفي بيته يصلي أربعاً، أو أنه في بيته يصلي ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين، فرأى ابن عمر ما في بيته واطلعت عائشة على الآخرين.
وهذه قصة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه التي نزلت فيها آيات من سورة التوبة وذكرها جمع من المفسرين كالقرطبي والطبري وابن كثير والبغوي والخازن وأهل الحديث كالشيخين,, وأنا هنا اجتزئ من خبر كعب بالشاهد في موضوعي قال: فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه فرد السلام أم لا ؟ ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت إلى صلاتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني وفي لفظ آخر فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا,, إلى أن قال: حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس ,.
إذاً ياأخي لقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يجلس في المسجد بعد الصلاة يذكر الله ويعلم الناس ما ينفعهم فأين هذا من قولك إنه كان يدخل للإقامة ويخرج للتنفل في بيته؟
أو أنه لا يقعد إلا ليتلفظ بعشر كلمات مستقبل القبلة ثم ينهض خارجاً من المسجد.
أما حديث عائشة أنه كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام,, إلى قوله والإكرام فإن استدلالك به على تفنيد رأيي ليس إلا حسب فهمك الناشئ الذي أشعرك بأنه لا يقعد بعد السلام بل ينصرف إلى داره، والصواب الذي لا تدركه أنت هو أن معنى عدم القعود وأنه ينصرف إنما هو بانحرافه بوجهه إلى المصلين مع بقائه في مصلاه لا يريم حتى يتم الأذكار المأثورة والأدعية المشروعة مما هو شائع منتشر في كتب التفسير والحديث والفقه ومنها فتاوى شيخ الإسلام حيث أسهب في تفاصيل ذلك في عدة صفحات بألفاظ مختلفة الصيغ في باب الذكر بعد الصلاة ومنها قوله: قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يستقبل أصحابه ويذكر الله ويعلمهم ذكره عقيب الخروج من الصلاة ، ومن المعلوم أن ذلك كان في المسجد، وليس في الأسواق والبيوت، هذه هي الحال في مسألتنا موطن البحث أما أنت أيها الأخ الفاضل، فإن تعقيبك ذاك يفهم منه أنك ترى أن تنفصم عرى الصلة بين إمام المسجد وجماعته ما داموا لايرونه إلا ساعياً بين عتبة الباب وصلب المحراب أو قافلاً منه إلى الباب, فلا يتشاهدون ويتراءون إلا في الولائم والأسواق وعند شارات المرور، وأنا لا أدري أستظل بعد قراءتك استدراكي هذا بأدلته نقلاً وعقلاً تعتقد أن من قال من السلف والخلف هذا الذي نقلته لك عنهم يكون مثلي قد شط شططاً لا حد له وأتى بما لم يذكره فقيه من قبل ولا من بعد وخالف عن شرع الله وبلغ عنه بلا دليل ؟؟
ثم أخبرنا أصلحك الله هلا سمعت إلى الآن بواحد من هؤلاء العلماء مع أنك تكتب في الجرائد وألا تعرف شيئاً من كنوزهم؟ أم أنكحقاً كما وصفت نفسك محدود الاطلاع على الأحكام الشرعية الواردة في حق الإمام ورواتبه ووقت إقامته ؟
فمادمت هكذا فما الذي ألجأك إلى امتطاء هذا المركب الصعب فجعلت تقفو من الفتيا ماليس لك به علم وتصوغها بهذه الجمل والألفاظ الحرشاء المترعنة ممزوجة بالقعقعة والصرقعة؟؟.
أما قولك اني أتيت بما لم يذكره فقيه من قبل ولا من بعد فإنه من الجلي أنك بهذه الحروف اليسيرة تدعي الإحاطة بسائر أقوال علماء المسلمين في هذه المسألة، منذ نزول الوحي بشرع الصلاة حتى 17/4/1421ه تاريخ نشر كلمتي في الجزيرة ,.
وهذه قد عرفناها لوضوحها,, لكن البلية هنا في قولك بعد فهل عندك جسارة في أن تشرحها كما هي بلا أي تأويل؟؟,, أما أنا فإني أستحيي من ربي أن أفسرها بما يظهر من لفظها هذا,, ثم أيها الأخ الحبيب، ألا قل لي بالله، منذ عرفت المساجد حتى قرأت كلمتي، ألم تر يوماً من الدهر في أي مسجد دخلته إماماً يتنفل فيه، ويصلي الراتبة؟؟ أم أن كل أئمة المساجد لا يزيدون بعد حذف السلام على اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم يهرعون إلى دورهم هكذا؟؟
إن قلت لا لم أر فأنا مصدقك لكن على دَخَن وإن قلت بلى رأيت ولو مرة واحدة فإن كنت هديته إلى أن الراتبة أفضليتها في البيت فلك أجر ما صنعت إن شاء الله، وإن كانت الأخرى بأن كتمته علمك هذا، فإنه أمر لا نرضاه لك أخا لنا في الله عالماً مجتهداً.
وبعد أيها القراء الفاضلون، فإن أكثر ما يبتلى به علماؤنا اليوم من المعضلات في مقام الدعوة والإرشاد هم أولئك الناشئة الشداة في الطلب والتحصيل، فأحياناً تستخفهم الحماسة والتلهف على التعبير والإنشاء فيستعجلون الجني والحصاد قبل نضج الثمرة وبدوّ صلاحها، فتراهم يبتدرون الصحف بمقالاتهم الفتية، ويعرضون لأحوال علمية هي ليست لهم اليوم وإنما هم مقبلون عليها بالغوها بإذن الله ثم بحسن استعدادهم العلمي بالذكاء والحرص والاجتهاد والبلغة وصحبة الشيخ وطول الزمان، ثم بعد ذلك لهم أن يدخلوا روضات الجنات مع الداخلين جنات العلم ونشره والعمل به فإن خالفوا عن ذلك واستجاشتهم حماسة الشبان فخليق بهم أن يتعرضوا لمقتضى قول الحكيم القديم من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه .
وإنا لنرجو لهم بلوغ المنى والمراد فهم أمل الأمة والبلاد.
أما قولك لي ياأخي بِجَراءَة الهازئ المتنقص مالك وللسماء؟ فإن كنت تزعم رحمك الله أنك أنت من أهلها في العلم، فقل لنا لمن تترك متبوأك في الأديم على الرغام وتحت العِثبَر؟؟ مادامت هذه هي سنتك في تنبيه الغافل وتقويم المائل لو رأيت مني أنا غفلة أو لحظت ميلاً .
أما كونك ترشقني بمعرّة الجهالة جَبهاً هكذا فإنها شِنشِنَة أعرفها من أخزم فما أكثر ما يمتَحن طالب العلم المجتهد من بعض أولي الأقلام الواعدة بمثل ما كان منك، فحينما يقرأون منه ما قرأت مني تثور فيهم مِرَّةُ الانتقاد، حتى إذا صوبوا أقلامهم نحو القراطيس يكتبون مهطعين بطَّأت بهم مشقة البحث ولأواؤه، وقَذَعهم الوهن والعجز عن نيل المنى من الحجج العلمية المسكتة فلا يملكون إلا هذه الحجارة الحامية رَضَفَ التحميق والتجهيل والتحقير تساق بصلصلة الإرجاف والتهاويل,.
أما عبارتك أيها الصاحب العزيز أني عرضت عقلي للقارئ في طبق فليست إلا من الاستعارة البليدة المستوردة، المطرزة بصِبغ الرومانسية لتحريك شهوة القارئ لهذا الدرس من الإنشاء؛ وذلك أنها نبتة زرعت في غير موطنها أو طير حشر مع غير إِلفه فإن ما نحن فيه شأن فقهي خالص لا تصاقبه عبارتك موردة الخدين .
,, وبعد ياأخي المكرم فلتعلم أن الخطب أهون من ذلك ومسألتنا هذه ليست من أصول الدين ولا من فروعه الثابتة بنص متواتر أو إجماع محكم أو معلوم منه بالضرورة، أو غير ذلك من صور الثبوت القاطع,, وإن من أقبح ضروب الجهالة أن يوصف من اجتهد فيها أنه أحل حراماً أو حرم حلالاً فيتوعد بالإثم على ما في آية النحل من النهي عن وصف أمر بالحل أو الحرمة كذباً على الله وافتراء وكان خليقاً بك ياعبدالعزيز وأنت مؤمن أنك من طلاب العلم أن ترفع مقام الآية عن موضع تعقيبك المترعن فإن حقها أن يستدل بها في موطن الاستدلال الصحيح، وأين كلامك من الصحة وأنت تساوي من يندب إمام المسجد إلى أن يهبه شقصاً من نافلته بمن يحل ماحرم الله أو يحرم ما أحل؟؟
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولك ولسائر المسلمين، وأنهي كلامي بما أهللته به حامداً الله مصلياً مسلماً على نبينا وآله ومن بعده وصحبه,.
ناصر الصالح العمري

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved