| الثقافية
يعرف الباحثون اثر بيئتي: الشام، ومصر في نهضة الأدب العربي الحديث، ولكنهم يجهلون دور بيئات الجزيرة العربية في بناء هذه الحياة الأدبية فالشام بمكانتها الجغرافية، واستيعابها للهجرات الفكرية والدينية والثقافية أدت دورا ظاهرا في هذا البناء الأدبي، ومثلها مصر التي لم تغب عن الحضور الثقافي الفكري الاسلامي المستمر منذ دخلها المسلمون في القرون الهجرية الأولى مرورا بالعصور الاسلامية الوسيطة، وحتى العصر الحديث.
أما الجزيرة العربية فيمكن القول باهمال الدارسين لاثرها، وعدم النهوض بتحقيقه والا فهي ذات حضور فكري ظاهر، اذ تضم بلادها: الحرمين الشريفين وتنهض بريادة الشؤون الروحية للمسلمين، اذ هي قبلتهم، ومهوى أفئدتهم، ناهيك عن الحضور الثقافي الحديث، ودوره في هذا التكوين، فقد انطلقت من هذه البلاد: الدعوات الاصلاحية الحديثة، واهتم أهلها وساستها بشؤون المسلمين، وما ينال شخصيتهم وثوابتهم، فلقد كان لظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في ظلال الدولة السعودية الأولى سنة 1157ه، وما اتصل بها من اتجاه السلفي سياسي اثر في ايقاظ مشاعر أبناء الأمة يومئذ، اذ عُد هذا الاتجاه مسوغا حقيقيا لتحديد بداية العصر الحديث، ناهيك عن أهمية موقف أبنائها من دخول الفرنسيين مصر سنة 1213ه، حيث نهض أبناؤها في الدفاع عن اخوانهم في مصر بتسيير جيش حربي مشهود، فضلا عن مشاركة أدبائها وامرائها بالخطب الحماسية، والرسائل الأدبية، والقصائد الشعرية، مما مثل موقفا رفيعا، وحماسة عالية.
كذلك كان لوفادة بعض علماء نجد الى مصر اثر محنة الدرعية سنة 1233ه اثر في يقظة الفكر العربي الحديث، اذ كان لمقامهم في مصر وتدريسهم في الجامع الأزهر دور ملموس في بناء هذه الحياة، وبخاصة في ميادين الفتيا، والتأليف، والأدب، وذلك حينما كانوا يسهمون بشيء من نتاجهم الفكري عندما كانوا يقومون بالمشاركة العلمية، أو حينما يكاتبون ذويهم وإخوانهم في الجزيرة العربية والخليج العربي، اثر تفرقهم في البلاد، مما مثل أدبا انسانيا صادقا، وعندئذ نحيط بدور الجزيرة العربية وأبنائها في بناء هذه الحياة الأدبية والفكرية الجديدة.
* استاذ ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها أبها كلية اللغة العربية جامعة الملك خالد
|
|
|
|
|