أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 19th August,2000العدد:10187الطبعةالاولـيالسبت 19 ,جمادى الاولى 1421

مقـالات

حدث الناس بما يعقلون
(3) لا ينوب رسم علامة الحرف عن رسم الحرف نفسه
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: وضح بجلاء كالشمس بمفهوم اللغة، ودلالة الحس من النطق بالحرف، وتعدد صوره بعلامات منها الهمز : صحة ما ذهب إليه المبرد من كون الهمز علامة للألف تحقق صورة من صوره؛ وبهذا تكون حروف الهجاإ ثمانية عشر حرفاً أصلية,, وأما الفرعية فكثيرة استقرأها حفني ناصف في كتابه، وأولها الألف، وقد أحصى لها أبو الحسين المازني ثلاثة وخمسين نوعاً (1) ، ولم يجعل لهذه الأنواع جهة قسمة جامعة,, والألف في الرسم الإملائي (والرسم الإملائي هو جهة القسمة الجامعة هاهنا) لا تخرج عن ثلاثة أنواع لا رابع لها، وهي: الألف المهموزة، والألف المسهلة وكلاهما يقبل الحركات الأربع وألف المد ولا تكون إلا ساكنة,, وبعضهم جعل حروف الهجاإ تسعة وعشرين، وجعل ألف المد قسماً لا نوعَ قسمٍ، ولقبها بلام ألف، ورسمها هكذا لا قبل الياإ,, وحجتهم أنه لا صورة لها، وفسروا ذلك بأنه يتعذر النطق بها ساكنة وحدها,, ويصح أن تقول: باأ ألف، أو جيم ألف، أو قاف ألف، أو ما ألف,, وإنما اختاروا اللام لخصوصيات كثيرة للألف باللام ذكرها ابن عبدالنور في رصف المباني في كلامه عن لام التعريف مع ألف الوصل ال .
قال أبو عبدالرحمن: يلزمهم على هذا أن تكون حروف المعجم واحداً وثلاثين حرفاً؛ فيقولوا أيضاً: لام واو، ولام ياإٍ.
والمحقق عندي: أنها ألف واحدة، والأصل فيها الألف المهموزة، ثم طرأ التسهيل وكثر، فاحتاج الأصل إلى علامة القطع أو الهمز ,, وصورة الألف المسهلة إذا سُكِّنت صورة ألف المد نطقاً ورسماً مثل آمن وقرا,, أما ألف المد فلم تنشأ عن الألف الحرف، وإنما نشأت عن إشباع حركة الفتح,, كما نشأت واو المد عن إشباع حركة الرفع، وياأُ المد عن إشباع حركة الجر,, ومع هذا عدت ألف المد نوعاً من أنواع الألف الحرف؛ لأن جامع القسمة الرسم الإملائي، وهي ألف في صورة الرسم.
وقولهم عن ألف المد لا صورة لها غير صحيح لا في النطق ولا في الرسم,, أما في النطق فهي ألف ساكنة، وأما في الرسم فعمود هكذا ا ، وعلامة سكونه إهماله من التشكيل,, وإنما الصواب أن صورته نطقاً لا تتحقق إلا بحرف قبله؛ ففرق بين دعوى أنه لا صورة له، ودعوى أن صورته لا تتحقق إلا بشرط.
وما دامت الألف بأنواعها الثلاثة حرف من حروف الهجاإ مستقل فلا بد من رسم صورتها كما تُنطق، ولا يعدل عن ذلك إلا لمانع أو مسوغ معتبر,, وأما ما سلف من كلام ابن عبدالنور رحمه الله فيحتاج إلى الوقفات الآتية:
الوقفة الأولى: أنه ليس كل ألف ساكنة تقتضي مد الصوت، وإنما ذلك في المد مثل قام,, أما قرا تسهيل قرأ فهو تسهيل همزة بلا مد.
الوقفة الثانية: مذهب الأخفش ومن تابعه هو الحق في التفريق بين الهمزة والألف,, وإنما الخلل في التعليل عندما قالوا باختلاف مخرجيهما.
قال أبو عبدالرحمن: اختلاف المخرجين إنما هو للألف المهموزة والألف المسهلة,, والفارق بين الألف والهمزة ما مضى من كون الهمزة علامة الحرف وليست ذات الحرف.
الوقفة الثالثة: تفريق عبدالنور بين مخرجي النون إنما هو تفريق بين نهاية المخرج لا بدايته.
الوقفة الرابعة: الدليل الأول لابن عبدالنور على أن الألف هي الهمزة إنما هو دليل على قابلية الألف للهمزة، وليس دليلاً على أن الألف هي الهمزة.
الوقفة الخامسة: دليله الثاني دليل على أصالة الألف المهموزة، وليس دليلاً على أن الألف هي الهمزة.
الوقفة السادسة: الألف التي تحرك لابتداإ الكلام ألف وصل مسهلة، وليس في هذا دليل على أنها بمعنى الهمزة.
قال أبو عبدالرحمن: كان مذهب ديكارت الاكتفاأ ببرهان واحد محصَّنٍ من المطاعن، وأن الإكثار من الحجج التي يدخلها الاحتمال مضعف للدعوى,, وليس هذا بمنهج سديد، بل كثرة البراهين قوة للدعوى، ولا خوف من الاحتمال المرسل، وإنما المعتد به الاحتمال المعتبر إذا وجد مقتضيه وتخلف مانعه؛ ولهذا أزيد القول بأن الألف حرف مستقل الصورة ببرهان آخر، وهو أنها لا تكون رسماً ونطقاً إلا كذلك أول الكلمة، وهم جعلوا لها صورة الألف وسطاً وطرفاً بعض المرات، واستعاروا لها صوراً غير صورتها بعض المرات، وترتب على ذلك تعقيد وكثرة تأصيل مشوِّش؛ فلا بد من العودة إلى أصلها الثابت أول الكلمة.
وبرهان ثالث، وهو أن الرسم منذ بداياته لم يجعل أنواع الألفَ أقسامَ حروفٍ، وإنما جعلها أنواع حرف واحد؛ فأضافوا إلى صورة الألف رسم علامة لحرف واحد تميز نوعيته,, قال الدكتور عبدالفتاح الحموز: يظهرُ لي أن الهمزة في نَقط أبي الأسود الدُّأَلي لم تَحطَ برمزٍ أو علامةٍ ما، أما نُقَّاطُ المصاحف فلم يتناسوا هذه المسألة؛ إذ توصلوا إلى وضع علامةٍ لها؛ ليتمكن القُرَّاأُ وغيرُهم من إجادة قراأة القرآن وإتقانها، وهي مسألةٌ تُسهمُ في توضيح المعنى وتبيينه, ويُفهَمُ مما في مظان الرسم القرآني أن هذا الرمز هو نقطةٌ، وفي لونها مذاهب:
1 مذهب أهل المدينة المنورة: لقد اختصَّها النُّقَّاط في هذا المذهب بالصُّفرة إن كانت محقَّقةً، وبالحمرة إن سُهّلَت؛ لتحقيق أمن اللبس بين المسهلة والمحققة,, وهو الأظهر والأولى، والأكثر شيوعاً (2) ,, ولعل اختصاصها بالصفرة يعود إلى تحقيق أمن اللبس بينها وبين نقط الإعراب والتنوين، والتشديد، والسكون، والوصل، والمد التي كانت بالحمرة.
2 مذهب أهل العراق: لقد اختصها النُّقاط في هذا المذهب بالحمرة كالحركات؛ فيتوافر بذلك اللبس الذي حقق أهل المدينة أمنَه.
3 مذهب أبي عمرو الداني وأهل بلده: ذكر أبو عمرو الداني (3) أنه لا بأس في استعمال الخضرة للدلالة على الابتداإ بألفات الوصل,, ويبدو أن أهل الأندلس في زمن ابن وثيق (ت: 654ه) كانوا يجعلون علامة الصلة في مصاحفهم بالحمرة على صورة الفتحة؛ إذ يلجأوون إليها لتبيين ألف الوصل المبتدإِ بها؛ وبذلك يتحقق أمن اللبس بينها وبين همزة القطع (4) .
4 مذهب بعض الكتاب: اختصها بعض النقاط إذا كان مبتدأ بها بنقطة صفراأ متناسياً حركتها، ومستغنياً بموضعها من الألف عن ضمها أو فتحها أو كسرها؛ إذ توضع المفتوحة في رأس الألف، والمكسورة تحتها,, أما المضمومة ففي وسطها,, (5) ويظهر لي أن صورة الألف كانت رمزاً للهمزة، وتقوم مقامها في الكتب قبل أن يصار إلى التعبير عنها بنقطة صفراأَ أو حمراأَ أو خضراأ، وقبل أن يتوصل الخليل بن أحمد الفراهيدي إلى أن يعبر عنها بالقطعة رأس العين (6) .
قال أبو عبدالرحمن: إذن الهمزة في الحقيقة اللغوية، وفي الاصطلاح غير المبس ليست حرفاً من حروف الهجاإ، ولكنها علامة لأحد أنواع حروف الهجاإ وهو الألف المهمزوة ، واسم تجوزي لهذا النوع بخصوصه؛ وعلى هذا يكون رسم الهمزة العلامة (وهي رأس العين كما اختارها الخليل بن أحمد) في وسط الكلمة أو آخرها منفردة على السطر إنما هو رسم لعلامة الحرف لا للحرف نفسه، وهذا أول شناعة وتشويه في الرسم الإملائي إضافة إلى التعقيد وتشتيت الذهن وتصعيب الرسم بكثرة القواعد,, والهمزة العلامة لا يتصور نطقها مفردة، وإنما النطق للألف المحققة التي رُمز لتحقيقها بما سمي همزة.
وأوائل الخط العربي كما سلف بيانه لا تعرف الهمزة العلامة اسماً لحرف الألف، وإنما تضع علامة غيرها؛ فأهل المدينة في مصاحفهم ينقطون الألف بالصفرة إن كانت محققة (همزة قطع)، وبالحمرة إن كانت مسهلة,, وكان المفروض أن يكون إهمالها علامة تسهيلها، ولكنهم عللوا ذلك بأن هذه العلامة تُميِّز نوعاً ثالثاً من أنواع الألف وهو الألف التي تكون بين المسهلة والمحققة,, إلا أنني لا أحقق وجود هذا النوع، بل الألف إما محققة، وإما مسهلة، ولا يبعد أنهم وضعوا العلامة في غفلة عن دلالة الإهمال ولا عجب في ذلك، لأن بداية الخط العربي في تطور.
وزادوا الإعلام بالنقطة الصفراإ دلالة على التحقيق، وهي الدلالة على الفرق بين نقط الحروف وعلامات الإعراب التي تكتب بالحمرة,, وهذا تعليل بارد: لأن أكثر حروف المعجم معجمة منقوطة بلون أحمر؛ فلم تقتض تمييزاً، بل صورة الحرف هي التمييز مع عدد النقط إذا اتحدت صورة الحرف كالباإ والتاإ والثاإ والجيم والخاإ,, تتميز بعدد النقط وبكونها من فوق أو تحت,, وصورة الألف لا تلتبس بغيرها من الحروف.
أما أهل العراق فيميزون الألف المحققة بنقطة حمراأَ,, وذكر أبو عمرو الداني أنه لا بأس بالنقطة الخضراإ علامة على ألف الوصل ابتداأً,, وكان أهل الأندلس في عهد ابن وثيق ] 564ه[ يميزون ألف الوصف بفتحة حمراأَ,, وبعض الكتاب يضع على الألف الموصولة نقطة صفراأَ إن كانت مفتوحة، وتحتها إن كانت مكسورة، ووسطها إن كانت مضمومة.
واستقر الأمر على اختيار الخليل بن أحمد رحمه الله؛ إذ جعل علامة الألف المهموزة رأس عين فوقها، وعبروا عنها بالقطعة.
قال أبو عبدالرحمن: وقواعدهم وخلطهم في رسم الألف المهموزة آخر الكلمة أوسع مما نقله نزار بشير من كتيَّب عبدالسلام هارون، وهو مصحوب بمسوغاته عندهم، فلننصرف عن هلامية نزار إلى كلام العلماإ بتدقيق وتحقيق وإلى لقاإ إن شاء الله.
* الحواشي:
(1) انظر كتابه الحروف ص 37 54.
(2) انظر: عثمان بن سعيد الداني (ت: 444ه)، المقنع في رسم مصاحف الأمصار مع كتاب النقط، تحقيق محمد الصادق المهدي، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية (بلا تاريخ طبع) (كتاب النقط): 130، د, غانم قدوري، رسم المصحف، دراسة لغوية تاريخية، بغداد منشورات اللجنة الوطنية للاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري، الطبعة الأولى، 1402ه 1982م: 576، ابن وثيق الأندليس (ت:654ه), الجامع لما يحتاج إليه من رسم المصحف، تحقيق د, غانم قدوري، بغداد دار الأندلس للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1408ه 1988م: 151 ]الحموز[.
(3) الداني، المقنع في رسم مصاحف الأمصار مع كتاب النقط: 130 ]الحموز[.
(4) ابن وثيق، الجامع لما يحتاج إليه من رسم المصحف: 160 ]الحموز[.
(5) انظر: د, غانم قدوري، رسم المصحف ]الحموز[.
(6) فن الإملاإ 1/220 221.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved