| شرفات
في احدى تجلياتها فان الترجمة تعني معرفة الآخر والانفتاح عليه دون فقدان للهوية العربية، وعندما كانت أمتنا في أوج ازدهارها كان للترجمة مكانة خاصة وربما وضعتها الأمة في مقدمة الأولويات، وفي مرحلة الانتكاس تنتكس الترجمة ويتلازم الخوف مع الآخر من الانغلاق على الذات، وفي هذا الحديث مع المترجم طلعت الشايب نفتح ملف الترجمة ونقلب أوراقه ونتعرف على مشكلاته، وربما كانت أهم الملاحظات التي يلفت طلعت الشايب الانتباه اليها هي طغيان الترجمة عن الغرب من خلال لغتيه الانجليزية والفرنسية في مقابل اهمال الترجمة عن الشرق بلغاته وحضاراته العديدة، والنتيجة المتحصلة من هذا الطغيان هي معرفة العالم من خلال عيون غريبة ولا مانع من أن نقول استعمارية في معظم الحالات، طرحنا ملف الترجمة أمام طلعت الشايب الذي ترجم حتى الآن ثلاثة كتب فكرية أهمها صراع الحضارات لصمويل هنتنجتون و9 كتب أدبية معظمها في الرواية لأدباء من الشرق والغرب,, سألنا طلعت الشايب.
** هل الترجمة مجرد نقل أفكار وكلام الآخرين؟
* الترجمة ليست نقلا لأفكار الآخرين، وعندما نتكلم عن تجربة الابداع تحديدا يصبح دور المترجم في غاية الأهمية، بدءا من الاختيار وانتهاء بأسلوبه ومنهجه في الترجمة، والترجمة بوجه عام هي جسر بين الثقافات، والمترجم عنصر آخر مضاف الى المبدع صاحب العمل الأصلي فكلاهما حامل لثقافة مختلفة، الترجمة اذن عملية مثاقفة بغرض أحداث شكل جديد من العمل الأدبي والفكري، يحمل كما ينبغي أفضل ما في الثقافتين.
** ما هي الرؤية التي تحكم اختيارك لكتاب الترجمة؟
* بدأت الترجمة نتيجة القراءة وأثناء القراءة اكتشفت، أو أرى أن هذا العمل جدير بالترجمة لأسباب تتعلق بالعمل الموضوع قيمة المؤلف وأسباب تتعلق بي شخصيا وهي شعور بأنني أستطيع أن أترجم هذا العمل تحديدا ترجمة جيدة، فاذا كان اختيار المرء قطعة من عقله فإن كل الأعمال التي ترجمتها باستثناء كتاب واحد صدام الحضارات هي من اختياري، بعد قراءتها ترجمتها وقدمتها للناشرين ووافقوا عليها، وتفصيلا: فكتاب حدود حرية التعبير تجربة كتاب القصة والرواية في عهدي عبدالناصر والسادات موضوع تجربة لم يتعرض لها ناقد عربي بينما تصدت له باحثة سويدية وكان موضوع رسالتها للدكتواره وموضوع الكتاب هو حرية التعبير والقوانين المنظمة للنشر والرقابة الرسمية والذاتية ووسائل القمع والحظر والسجن مع دراسات حالة لأهم الأعمال التي صدرت في اطار هذه التجربة على مدى ثلاثين عاما, اذن فالموضوع السياسي والاجتماعي الثقافي هو الذي فرض نفسه في اختيار هذا الكتاب للترجمة.
نموذج آخر هو راية البطء لميلان كونديرا وكنا قد سمعنا عنه مرشحا لنوبل أكثر من مرة وانه من أهم كتاب الرواية الحديثة في العالم والرواية عمل بوليفوني أو متعدد الأصوات بمعنى انها وعاء فني يستوعب بداخله الشعر والموسيقى والفن التشكيلي والسينما,, الخ وبالمناسبة كونديرا كاتب تشيكي الأصل ترك بلاده هربا من الحكم الشيوعي ويعيش في فرنسا، وكنا قد قرأنا له روايات مترجمة في بيروت مثل خفة الوجود التي لا تحتمل والحياة هي في مكان آخر وغراميات مرحة وغيرها وفي العام الذي صدرت فيه رواية البطء قرأتها وأعجبتني ووجدت انها أفضل تمثيل لتكنيك الكاتب في الكتابة، وجدير بالذكر ان كونديرا كان أستاذا بأكاديمية السينما في براغ قبل نزوحه الى فرنسا، والرواية تحمل أسلوب العمل السينمائي في التقطيع، الفلاش باك وتكنيكات السينما الحديثة.
** ما الفرق بين ترجمة عمل فكري وترجمة عمل أدبي؟
* هو الفرق نفسه بين النوعية, الأفكار والمفاهيم تترجم كما هي بلغة أقرب الى الحيادية وأقرب الى لغة العلوم المنضبطة، واذا كان للمترجم رؤية مختلفة عن الأفكار التي يترجمها فأمامه فرصة في الهوامش والتعليقات للاعتراض أو التعقيب أو الرد على الفكر المنقول من خلال الترجمة, باختصار ترجمة الكتب الفكرية هي الى حد بعيد مثل ترجمة الكتب العلمية.
** وترجمة الابداع؟
* ترجمة الابداع في تقديري هي ابداع آخر, بمعنى ان المترجم هنا يحتمي بلغته الأصلية فيختار من بين بدائل كثيرة أفضل ما لديه للتعبير عن الابداع باللغة التي نقل عنها, والمعروف ان لكل لغة ايقاعها الخاص، والايقاع لا يترجم وانما يقابله ايقاع آخر في اللغة الأخرى ترفضه ثقافة المترجم في اللغتين.
** اضرب أمثلة؟
* أنا مثلا أترجم عن الانجليزية والروسية، معرفتي بالعربية تفوق الى حد كبير لا يقارن بمعرفتي باللغتين المذكورتين، اقرأ النص الأجنبي وأغوص في لغتي للبحث عن أفضل ما يؤدي المعنى وما يعبر عما قرأته, مثلا من ضمن مصادر تكوني الأساسية في اللغة العربية قبل كتب التراث: القرآن الكريم الذي أقلب صفحاته أحيانا من أجل الاستمتاع بعبقرية هذه اللغة لدرجة انني بشكل عفوي أجد عبارات تتسلل الى داخل النص الأدبي الذي أترجمه من مخزوني من قراءتي للقرآن, في رواية الحرير أكثر من عبارة بالانجليزية لم أجد أعمق ولا أجمل من العبارات التالية للتعبير عنها قضى الأمر أو عندما تنفس الصباح وهذه العبارة بالانجليزية لو ترجمناها ترجمة حرفية ستكون مع انقضاء الليل وبزوغ ضوء النهار .
** في هذا السياق هل كل كلام قابل لأن نأخذه ونترجمه ,,, ؟
* لا,, هناك كتابات ترجمتها لن تضيف لنا شيئا، وهناك كتابات لا تستحق الترجمة لأنها أحيانا تكون ضارة أو حاملة لأفكار أو مبادىء مناقضة لمبادئنا وأفكارنا وفي هذه الحالة لابد من التعقيب والتفنيد، وغرض الترجمة هنا يكون فقط من أجل معرفة أفكار الآخرين في موضوع معين وليس بغرض التنسيق أو الافادة من الفكر الانساني الذي يتخطى اللغات والجنسيات والحدود السياسية، وفي هذه الحالة أيضا يجب أن يكون النشر في الحدود التي تحقق هذا الهدف.
** الا ترى أن هناك مركزية أوروبية في الترجمة وطغيانا في النقل عن الغرب بما أدى الى اهمال الترجمة عن الشرق والتعريف بأفكاره وعلومه وفلسفاته ,,, ؟
* هذا صحيح وأسبابه ان التركيز كان دائما على اللغات الأجنبية التي فرضت علينا بحكم الاستعمار، فمعظم ترجماتنا عن الانجليزية والفرنسية لأن العالم العربي كان مقسما بين الاستعمارين البريطاني والفرنسي، صحيح أيضا أن هناك ترجمات قليلة عن الألمانية والأسبانية وان كان ذلك لم يحدث الا مؤخرا ولقلة عدد المترجمين الذين يستطيعون الترجمة عن لغات الشرق الهندية، اليابانية، الصينية أو حتى اللغات الأوروبية الأقل انتشارا من الانجليزية والفرنسية مثل الايطالية والهنغارية واليونانية، وقد ظهرت مؤخرا وبخاصة بعد انتقال جائزة نوبل الى أدباء من أمريكا اللاتينية وأفريقيا واليابان وغيرها ظهرت ترجمات ولكن عبر لغة ثالثة هي في معظم الأحيان الانجليزية أو الفرنسية.
** كيف ترى أثر انعكاس هذه المركزية الأوروبية في الترجمة على الثقافة العربية الآن؟
* الثقافة العربية الآن تكاد لا تعرف شيئا سوى ما يدور في الغرب وأقصد بالغرب هنا أوروبا والولايات المتحدة، وذلك لأسباب تتعلق بالجانبين جانب المرسل وجانب المتلقي, هناك طغيان كاسح للثقافة الغربية، هذا الطغيان الثقافي جاء في اثر السيطرة السياسية والاقتصادية السابقة والراهنة, بالنسبة للمتلقي وهو نحن فقد أهملنا كثيرا تعليم اللغات الشرقية، حتى ثقافات القارة التي نعيش فيها وهي أفريقيا لا تصلنا الا عن طريق الغرب الذي يتحكم في نوع المنتج الذي يصل الينا بنتيجة ما يملكه من وسائل الاتصال والنقل.
** كيف نتجاوز هذه العقبة وماذا فعلت أنت كمترجم للخروج منها ,,,؟
* أبدأ بالأصغر الذي هو أنا، في مشروعي الخاص بالترجمة والذي جاء نتيجة للجديد في كتابات العالم شرقا وغربا، ترجمت رواية لكاتب هندي اسمه شيف كومار وروايتين من ايطاليا هما الحرير لاليساندرو باريكو ورواية اتبعي قلبك لسوزانا تامارو, ورواية للالماني هاينرش بول هي الملاك الصامت وأخيرا مختارات من الخرافة الصينية، وقيد النشر رواية بقايا اليوم للياباني كازوا ايشيجورو, أما على المستوى الأكبر فلابد أن تكون الترجمة عملا مؤسسيا لأنها أكبر من امكانيات فردية مهما كانت قدرة الفرد، وأنا أعتقد ان المشروع القومي للترجمة الذي يقوم به المجلس الأعلى للثقافة خطوة على الطريق الصحيح تستهدف كسر مركزية الانجليزية والفرنسية والترجمة عن اللغة الأصلية مباشرة والاختيارات الجديدة وترجمة الأمهات والأعمال الكاملة ودوار المعارف وهذه كلها أعمال تفوق طاقة الأفراد.
واذا انتقلنا الى مجال أوسع أرى ان مؤسسات الترجمة أيا كانت الجهة التي تتبعها في أي دولة عربية لابد أن تقوم بالتنسيق فيما بينها حيث من المفترض اننا نترجم كلنا من أجل اثراء الثقافة العربية والمفترض انها ثقافة واحدة.
فتحي عامر |
|
|
|
|