| مقـالات
الأمن هاجس العالم منذ القدم أفراداً وشعوباً وحكومات، فلا وجود للحياة بدون توفر الأمن على النفس والعرض والممتلكات والغذاء والعقل وغير ذلك من متطلبات الأمن للأفراد والجماعات والشعوب، ويشتد الطلب على مجالات الأمن ذات الصلة المباشرة بحياة الناس كالماء والصحة والغذاء والتعليم وغيرها.
وهذه المجالات من الوضوح بحيث يمكن تحديدها وتحديد المخاطر المؤثرة عليها التي غالبا ما تظهر آثارها بشكل سريع او على المدى القريب على أبعد تقدير، إلا أن هناك جانباً من الجوانب على قدر من الأهمية ومع هذا يعتبر توفير الأمن للفرد من الصعوبة بمكان نظرا لاتساع الدائرة التي يتحرك فيها وتعدد الأساليب والوسائل المؤثرة فيه ألا وهو الفكر, إن المجتمعات عموما، والمجتمعات ذات الأصول العريقة خصوصا كمجتمعنا السعودي بحاجة ماسة إلى إيلاء هذه المسألة الجهد الكبير، فالإخلال بهذا الجانب معناه على أقل تقدير فقدان الهوية العقائدية والوطنية والشخصية وثقافة وقيم المجتمع الأصيلة، وتحول الافراد والمجتمعات إلى هياكل مغسولة الأدمغة سهلة الانقياد بأيدي المضلين بأمن هذا الجانب المهم.
إن أحد أهم مهدرات الأمن الفكري المعاصر تلك القنوات الفضائية التي انتشرت انتشاراً كبيراً مستعملة كل الأسلحة المدمرة التي تحول بيننا وبين القدرة على التمييز بين غث هذه القنوات الطاغي، وسمينها النادر, والغريب أن كثيراً من هذه القنوات المضرة بالدين والخلق والوطنية والشخصية السوية هي قنوات عربية!!
وقد أكد على ذلك معالي الدكتور حمود البدر حيث كتب قبل فترة عن أننا كنا قبل عصر القنوات الفضائية نتخوف من الغزو الفضائي من الغرب فإذا به يأتينا من القنوات العربية والشرق.
إن الخطورة في هذه القنوات أنها لا تضع احترام المشاهد وعقله وأخلاقه وثوابته ضمن المعايير التي تحدد ما تعرضه، بل إنها لا تضع أمن المجتمعات وما قد يؤثر عليه سلبا ضمن هذه المعايير فالمعيار المادي وزيادة رقعة المشاهدين هو المعيار الغالب لديها، مع قيام التخريب والإفساد معياراً مقصودا لدى بعضها.
وحينما ينعدم في هذه القنوات ان يكون هناك غيرة على أمن المجتمعات وأفرادها فإنك لا تتفاجأ بما تعرضه من أفلام وبرامج توهن الغيرة، وتقلل من مخاطر الجريمة وتسوغ ارتكابها، إلى غير ذلك من تحسين أخلاقيات منحرفة كالكذب والغش والجنس المحرم، والخيانة الزوجية.
إن العاقل المتمعن لما تبثه هذه القنوات من برامج يجد أنه بُذل الكثير من الوقت والمال والجهد من أجل ترويج جملة من المفاهيم والسلوكيات والثقافات التي تعبر عن واقع حال تلك المجتمعات؛ ولكن بعد تلوينها، أو مسحها بطابع الإغراء والإبهار المصطنع,,! مع التركيز على وسائل وأدوات اللهو التي يظنها البعض من الأشياء المسلية ولكنها عكس ذلك، وبالتالي فهي تعمل على تقليص أو تهميش دور شباب الأمة الإسلامية واشغالهم في أمور لن تعود بالخير والمنفعة عليهم وعلى أوطانهم، بل تعمل على تكريس مبدأ الكسل والاتكالية، والتقليد الأعمى، وإضاعة الوقت في متابعة الهزيل، وشحن الهمم الشهوانية! وتعطيل فكر الإنسان لجعله فردا غير منتج، بل اتكالياً على الغير في إنجاز أيسر الأعمال!
إن المتأمل في تأثير هذه القنوات يلحظ ما سببته هذه القنوات من سلوكيات جديدة لدى الشباب خاصة من قصات شعر، وملابس غربية ممهورة بصور المغنين والممثلين، وميوعة في الشباب والشابات, بل إن لها تأثيرا خطيرا على الأمن الأسري حينما يبتدئ الأزواج في عقد المقارنات بين ما لديهم وما تعرضه هذه القنوات, إن النتائج التي أفرزتها هذه القنوات كثيرة منها ما يخجل المرء من ذكره على الملأ، مازلنا نتذكر قصة المرأة التي صعقت بابنها وهو يضع السكين على رقبة أخيه لقتله تقليداً لمشهد عرضته إحدى القنوات الفضائية.
إن التأثر بالإعلام المنحرف ليس حصرا على مجتمعنا، فالمجتمعات الغربية نفسها بدأت تتحرك لمناقشة هذه المشكلة، والمتابع للحملات الانتخابية لديهم عموماً والانتخابات الأمريكية الحالية خصوصا يلحظ في خطب المرشحين كيف أن العودة إلى تقاليد العائلة والتكاتف الأسري والمجتمع السوي أحد أهدافهم, وهذا يؤكد شعور الناس هناك بهذا الخطر فالمرشح لا يعرض اهتماماته الشخصية وإنما ينطلق من الموضوعات التي تلاقي اهتمامات الناس.
مقترحات المعالجة:
غلق الأبواب ليس هو الحل، فالحيز خلف الأبواب المغلقة صغير تكاد تُكسر نتيجة لضغط التقدم التقني المتواصل، والحل في:
أولا: التطوير التربوي تعليما وإعلاما لتكوين أجيال قادرة على التمييز وحماية نفسها ذاتياً.
ثانيا: إعداد البرامج العلمية وتكثيف الدورات المناسبة لاهتمامات واحتياجات الشباب وكذلك اشغال أوقات فراغ الشباب بالنشاطات وأشكال الترفيه البريء لتجنيبهم منزلقات هذه القنوات.
ثالثا: عقد الندوات والمؤتمرات والمنتديات العلمية والإعلامية المعدة إعداداً متقناً لتناقش كل المحاور من توصيف المشكلة، إلى إعداد التربويين من أولياء أمور ومعلمين وغيرهم للتعامل التربوي الراقي مع الحالة، وكيفية إعداد الأجيال لمواجهة هذه المخاطر, إضافة لاقتراحات البدائل.
رابعاً: أهمية التقارب بين مؤسسات المجتمع والشباب، فهؤلاء الشباب بحاجة لمن يستقطبهم ويحرص على الاستماع إلى احتياجاتهم وإتاحة الفرصة لهم للعمل وحتى لمن لديهم سوابق جنائية ، وإلا فإن الحفاظ على ثروة ومقدرات الوطن ممثلة بشريحة الشباب يعد أمراً في غاية الصعوبة.
خامسا: أهمية التقارب بين المسجد والمنزل والحي السكني لما لذلك من أهمية كبرى في معالجة الكثير من السلوكيات غير المرغوبة وتعزيز المبادئ والقيم الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
آمل ان يكون هذا المقال دعوة صادقة للغيورين وهم ولله الحمد كثر على وطنهم وأبنائه لطرح مالديهم من أفكار حول هذا الموضوع المهم ذي التأثير الذي لن يتوقف عند حدود الأفراد، بل يتعداه إلى معتقداتنا وهويتنا الوطنية، وخصوصيتنا الشخصية.
والله من وراء القصد.
*مدير إدارة الدراسات بمجلس الشورى alshammarih@ Ayna.com
|
|
|
|
|