* المنامة من منى الذكير:
قبل عدة سنوات قمت بزيارة لمدينة جدة التي يحتضنها البحر الأحمر بكل الحنان، يسبغ عليها من دفء إلوانه، ألق جمال غير متناه,, وكانت أياماً امتلأت بها دهشة وإعجاباً,, لهذه القطعة,, من الجزيرة العربية,, تتجاذبها أمواج الرمال وحرارة الصحراء، وأمواج البحر ودفء الشاطىء,, وهكذا,, وكانت دعوة لطيفة تلقيتها,, لأنهي جولتي في جدة,, بزيارة لبيت الفوتوغرافيين السعوديين,, حيث كان مدير البيت السيد عيسى عنقاوي وهوايضاً رئيس لجنة التصوير الفوتوغرافي بجمعية الثقافة والفنون السعودية,, لبيت الدعوة بالطبع فأنا من هواة التصوير قبل أن ألج عالم الصحافة,, وبذلك ومنذ أول موضوع طرحته وأول لقاء أجريته في صحافة الكويت كنت أحمل كامرتي الصغيرة معي فالتقط سمات الوجوه ورائحة الأمكنة,, ولا اذكر أنني اصطحبت معي مصوراً خلال سنوات عملي الصحفي الطويل,, في بيت الفوتوغرافيين كانت أعداد من الفتيات، عضوات في جمعية التصوير,, ولم أصدق ما رأيت من لوحات رائعة التقطنها بحس مرهف وبراعة تدل على خبرة في مجال التقنية, كان الاستاذ عنقاوي يعشق التصوير ويعتبره أرقى فنون القرن العشرين ويقول منذ منتصف القرن العشرين تطور فن التصوير لدرجة مذهلة حتى فاق فن الرسم ذاته, وصار للتصوير الفوتوغرافي مناهج وقوانين، ومدارس عالمية.
وبالفعل ومن خلال لوحات معلقة تجسد حضارة بلدنا المملكة، وجمال ربوعها ونخيلها وزهورها المتنوعة,, شعرت أن التصوير وسيلة عصرية في إظهار جمال وعظمة وطننا,, وما هي شروط الانتماء إلى عالم بيت الفوتوغرافيين؟ قال العنقاوي: لا شروط,, لأن التصوير عشق واحتراف وإحساس,, لذلك لا نضع تعقيدات أمام الراغبين في الانضمام إلى بيتنا التراثي العريق، حيث يقع في المدينة التاريخية إنها جدة التاريخ، الآن مدينة جدة الجديدة عصرية حديثة,, تماثل كبريات المدن العالمية, عاودتني الصور والمناظر,, تعبق في وجداني، وعلمت أن الفن والموهبة لا يمكن أن يحبسا داخل ذوات أصحابها، ولابد ان لهب الإبداع يجد له منفذاً إلى النور,, إنه قوس قزح، إنه تغريد الطيور في صباح ندي,, وهنا يكون المتلقي هو الشراع الذي يقود إبداعك إلى عمق الروح,, أو سماء البريق.
وعدد الاعضاء,, رد بقوله: إنهم أكثر من ستين منهم المحترف ومنهم الهاوي,, وايضا لانغلق أبوابنا أمام اعضاء من غير السعوديين,, فهناك من مصر والسودان وتركيا وأوروبا,, والسعوديون من جميع مناطق المملكة, وهكذا تعلمت من خلال الشرح شيئين لم أكن أعرفهما في عالم التصوير,, وكنت التقط الصور هكذا ياتصيب يا تخيب بالطبع وبعد سنوات طويلة صارت لقطاتي فنية وتحمل الكثير من شوق الأماكن وظلال الحنين وجزيئية اللحظة,, ولكن حسب النهج الفوتوغرافي أولاً يجب التحكم في العدسة أي البؤرة اللاقطة وتحدد المسافة، وتقيس الضوء والظلمة، ثم تختار الزوايا المناسبة, التعليمات المقروءة بسيطة ولكن الروعة في الصورة في اللوحة,, لا تتم دون هدير من الإحساس الداخلي,, والحب لكل ما تراه، واختيار اللحظة الهاربة في طرفة عين، في رفة هدب, أتذكر أن جميع الفنانين والفنانات المبدعين في التصوير في تلك الزيارة,, اكدوا على ان الفن هو أسلوب تجميل الحياة بكل ماهو مرهف ورقيق,, كل الماديات حولنا صلدة جامدة,, والروح تضفي عليها النور والكمال والنبض,, وحين يشتعل لهيب الفلاش الخاطف والسريع ينتشر الدفء في الأشياء,, وتقدم نفسها بأجمل الصور,, إنها الفنون روح هذا العالم المضطرب بكل المتناقضات.
ولأن المرأة هي البرق والرعد والمطر الهتون، هي البحر والعمق، وهي نهر الحنان والعطاء كان لابد أن تترك سمة الأنوثة في كل ما تمسه يداها,, لوحات جميلة استمدت حبكتها من خلال تدريبات مكثفة,, توافرت لهن على يدي نساء مدربات,, تعاقدت معهن جمعية الفوتوغرافيين، وتمنح المتدربات والدارسات شهادات تخرج، ودبلوماً,, وحتى لا تترك المؤهبة تعاني إرهاصات الولادة المتعسرة، وعناء الغد المتوحد، بل يأخذون بيدها بكل حنان الأرض والوطن، الذي يرعى أبناءه بحب ووفاء, إنه الإنسان بذرة هذه الأرض المعطاء, وقد شاركت بعض المصورات في معارض خارج المملكة وحصلن على أوسمة تقديرية، وجوائز, الذي أعجبني أكثر أن السيد عنقاوي ليس وحده المصور في الأسرة بل زوجته وأولاده وهم محترفون بالفعل ولهم لقطات أكثر من جميلة ولاندري هل أن الفن يوَّرث,, أم أن للبيئة تأثيراتها الآنية والمستقبلية,, وقد يكون طموح الجيل للتعلم والنبوغ، وقد تكون الأشياء مجتمعة,, وكانت زوجته تعود بالفضل له في حبها للتصوير الذي أصبح جزءاً من حياة الأسرة,, وبما انها تشاركه في تجهيز آلات التصوير، وإختيار خلفية الصورة، وكيفية تحميض الأفلام,, صارت تحاول التقاط بعض الصور، ثم,, تقول: إن المرأة تمتاز بشفافية الرؤية، وتلفت نظرها التفصيلات الصغيرة فيما يقع عليه بصرها، إنها تجرد الأشياء,, حتى تصل إلى غورها,, وهنا تتأنى ثم تضغط الزر,, فتأتي الصورة محملة بوجهة نظر غير مسبوقة، وتحمل كماً من القناعات.
أعتقد أن القرار في احتواء لقطة معينة يعود بالدرجة الأولى الىالمصور ذاته في لحظة معينة,, وهنا تصبح العدسة مجرد أداة تؤدي إلى ترسيخ إرادتك أنت,, تخطف اللحظة، تضع فكرة ربما تعتمل في عقلك او قناعة في وجدانك,, تقولبها وتضع بروازاً من النور حلها وتقدمها لك عربون حب بين الأنا وال هو ,
ولكن هل هذه المهنة تؤكل عيشاً بمعنى هل تشجع أولادك أن يتخذوا مهنة التصوير وظيفة ومعاشاً,, لا أعتقد ان هناك من يبارك ذلك القرار,, وحتى زوجة الفنان العنقاوي,, الفنانة المبدعة رفضت هذه الفكرة,, وتقول ربما أنهم تعلقوا بفن التصوير منذ طفولتهم من منطلق حبهم لوالدهم، وتقليده، وربما تفجر الإبداع لديهم,, ولكن أجمل ما في الفن أن يظل هواية وحباً,, ولأن الفن في الواقع لا يمنح لقمة العيش الهنية والحياة الراغدة,, فلا أتمنى لأولادي احتراف التصوير كمهنة مستقبلية,, أولاً دراستهم,, الشهادة أمان وثبات أمام تصريفات الدهر,, وتكمل: جميعهم عرضوا لوحاتهم وفازوا بجوائز, طموحاتي لم تعد محصورة بتقدمي بالفن، وبصياغة أسلوب حياتي، بل تركزت في رؤية ابنائي وهم في مراكز عليا ويخدمون وطنهم بإخلاص,, الابناء الطموحون، الأم المتفانية، الأب المتفهم,, هذا هو الوطن,.
وهنا أدرك أن الوقت له بهاؤه الخاص,, ولمحة الزمان تمتاز بجمال متميز,, وعندما يتحول الإبداع إلى أمر مفروغ منه، لا تقف حواجز وعوائق أمام ذلك الجمال المتدفق,, إنه الإبداع الفن,, الإنسان,, وطننا بحاجة إلى الإنسان إلى الرقي إلى العطاء والإنجاز وقد حقق الكثير منه والقادم إن شاء الله أجمل وأكثر نبلاً.
|