| مقـالات
منذ مدة رأيت بعض السيارات تقف وهي محملة بالخضار والفواكه على ناحية الطريق وفي وهج حرارة الشمس، وينزل منها شبان سعوديون في مقتبل عمرهم المشرق بإذن الله ويبدؤون كسب رزقهم ورزق أهلهم بكد يمينهم وعرق جبينهم، توقفت عند أحدهم واشتريت منه ما أردت، ومن ثم سألته: لماذا تقوم بهذا العمل؟، فقال لي أنا في الاجازة الصيفية، وأنا بعملي هذا أحقق عزة لنفسي وثقة كبيرة، وبنفس الوقت أكسب رزقي، وأكثر من ذلك لا أضيع وقتي بالأعمال الفارغة، وما شابه، وعندما سألته هل يحصل على كسب مادي مناسب من وراء ذلك؟ بادرني بالإجابة وهل تريد أن تسرق منا مهنتنا، وضحك، ومن ثم قال بصراحة يا أخي أحصل على مايقارب ألف ريال من الربح الصافي يومياً، ولذلك لا أحب أن يمر يوم دون أن أقوم بهذا العمل الشريف، باركت له عمله وشددت على يديه وودعته وقلبي يقطر فرحاً ولساني يحمد الله على ماوصل اليه بعض شبابنا من واقعية وفهم للواقع واستيعاب صحيح للحياة وقبل كل شيء تطبيق سليم لشرع الله تعالى الذي يريدنا ان نعمل ونعمل ونكسب قوتنا بالحلال والجهد الطيب المبارك.
لابد لاي منا أن شاهد أمثال تلك السيارات، وربما هناك أمثلة عديدة أخرى للعمل الحر المبارك الذي ابتكره ابناء هذه البلاد الطيبة، وبكل الحسابات كان الامر رابحاً، فالذي يحصل على 20-30 ألف ريال شهرياً، هو يحصل على مرتب هائل بكل المعايير، وهو شخص ناجح، والذي يحصل على تعزيز ثقته بنفسه، وقدرته على الكسب هو إنسان سعيد، وناجح ولابد ان يحصل على مستقبل مشرق بإذن الله .
فكرت كثيراً بحالة ذلك الشاب وإخوانه، وقارنت ذلك ببعض شبابنا المدلل الذي يريد وظيفة على مقاسه، أو أنه بعد أن يحصل على الوظيفة يتدلل فيها، ويتهرب منها، وربما لايستمر، وقد يشترط من الامور الكثير الكثير!
كما فكرت بالبعض الذين ينتظرون ان تأتيهم اللقمة سائغة بقرار وظيفي على البارد المستريح، أو يطلبون المصرف تلو المصروف من ذويهم.
وكانت المقارنة على اشدها تناقضاً وافتراقاً، عندما قارنت حال هؤلاء بأولئك الذين يملؤون جيوبهم بالمال ويذهبون بها للخارج ليبددوها يميناً وشمالاً وعلى أشياء فارغة، ويعودون خاليي الوفاض، لا بل قد يعود معظمهم والندم والحسرة لسان حاله، كونهم خسروا من جيوبهم واكتسبوا الخسارة وأكثر، وأساؤوا للوطن، والامة، والبلاد.
طبعاً كلنا يسعى للنهوض بنفسه وبوطنه، وكلنا يحب ان يساهم قدر استطاعته وطاقته في ذلك، وكلنا يرغب في ان يحصل ابناء الوطن على وظيفة مريحة، ولكن وبكل صدق وأمانة أقولها ليست السعادة دوماً في الراحة، وهناك العديد من الأفكار، والأعمال الخلاقة والمبدعة، والتي يستطيع اصحابها الوصول لقمم المجد عبر امور بسيطة بحقيقتها.
كما تمنيت ان ارى شباب الوطن خلف طاولات الاسواق وأماكن البيع، لا بل حتى جوار أسياخ (الشاورما) رغم عدم حبي لها، المقصود كل الاعمال الشريفة تقربنا للتطبيق الصحيح لشرع الله، والخجل او الشعور بالتعالي هو حالة اجتماعية اكتسبناها بظرف ما ويجب ان نستطيع التخلي عنها لنعيش واقعيين وبتواضع، ونعمل مايرضي الله تعالى ويحقق آمالنا وطموحاتنا.
البداية قد تكون صعبة لأن فيها تذليلاً للنفس، ولكن بمجرد ان تضع قدمك على الطريق الصحيح فإنك تسير، وتسعد بالمسير، وتتمنى ان يأتي الصباح لتبدأ يوم عمل جديد، ويصبح للعمل قيمة وللحياة قيمة، ويبدأ الانسان وضع نفسه في إطار السعادة اللامحدود، ومن لا يصدق ليجرب ذلك.
لقد أثبت علماء النفس والاجتماع حقيقة ما ذكرته لكم، وأكدوا ان العكس من ذلك هو الذي يضر بالانسان ويؤذيه نفسياً، وجسدياً، واجتماعياً.
تلك هي حقيقة السعودة، عندما تبادر وبإرادة قوية وتعميم غير محدود وإيمان لا يتزعزع بالتوفيق من عند الله، وبالتالي لا نجد أنفسنا إلا وقد جعلنا السعودة واقعاً ملموساً,والله ولي التوفيق.
alomari 1420@ yahoo. com
|
|
|
|
|