| تقارير
* القاهرة- مكتب الجزيرة - محيي الدين سعيد
فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الشهرين هي المتبقية على الانتخابات البرلمانية المصرية في اواخر اكتوبر وبدايات نوفمبر المقبل وهي اول انتخابات في القرن الجديد لاختيار اعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 444 عضوا، كما انها انتخابات ينتظر ان تشهد ظواهر جديدة لأول مرة وكذلك استمرار ظواهر سابقة.
وتتمثل الظواهر الجديدة في اقرار الإشراف القضائي الكامل لأول مرة على الانتخابات البرلمانية المصرية منذ عام 1952م وكذلك اجراء هذه الانتخابات على مراحل ثلاث وهو امر يتم لأول مرة ايضا في الانتخابات المصرية.
ويخوض هذه الانتخابات كل الاحزاب السياسية المصرية وفي مقدمتها الحزب الوطني الحاكم الذي يترأسه الرئيس حسني مبارك، كما يخوضها ايضا عدد من القوى السياسية المختلفة.
كانت المعارضة المصرية قد حصلت مجتمعة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة عام 95 على 14 مقعدا ومن المنتظر ان تنشط هذه المعارضة في الانتخابات القادمة خاصة في ظل تعهد الرئيس مبارك بإجراء انتخابات ترشيحية ودعوته لكافة الاحزاب للمشاركة في هذه الانتخابات.
وكانت الفترة الماضية قد شهدت صدور أحكام متتالية بشأن مجلس الشعب الحالي كان في مقدمتها حكم المحكمة الدستورية العليا في يوليو الماضي بعدم دستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية التي جرت على اساس انتخابات مجلس الشعب في عامي 90 و1995 مما دفع المعارضة لتجديد التأكيد على ما وصفته بضعف وهشاشة عملية صناعة القوانين في مصر والمطالبة باحترام احكام الدستور والتقيد بمبادئه لضمان الاستقرار السياسي في البلاد.
كذلك قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الاحتكام الى صفة ترشيح مجلس الشعب طبقا لتصنيفه ما قبل الخامس عشر من مايو من عام 1971 من حيث كونه من الفئات او العمال او الفلاحين وهو الحكم الذي استندت اليه المعارضة في المطالبة باسقاط عضوية مجلس الشعب عن 120 عضوا بعد صدور هذا الحكم.
وقد دعت هذه الاحكام الرئيس مبارك الى اصدار تعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية وهو الامر الذي تضمن اجراء الانتخابات على مراحل والاشراف القضائي الكامل عليها والتثبت من هوية الناخب فيها.
منافسة
وبإلقاء نظرة على خريطة المنافسة في الانتخابات المقبلة نجد ان الحزب الوطني الحاكم يتقدم هذه المنافسة لعدد من الاعتبارات في مقدمتها ما تنتقده المعارضة وتصفه بتسخير امكانات الدولة لصالح مرشحي الحزب الحاكم واتاحة مساحة كبيرة من وسائل الإعلام الحكومية لهم استنادا لوجود صحف لدى معظم الاحزاب المتنافسة في هذه الانتخابات.
ومن بين الاربعة عشر حزبا سياسيا المتبقية تنحصر المنافسة مع الحزب الحاكم في بضعة احزاب يأتي في مقدمتها حزب الوفد ذو التوجه الليبرالي والحزب العربي الناصري وحزب التجمع وحزب العمل المجمد نشاطه ثم حزب الاحرار.
اما حزب الوفد فإن وفاة رئيسه فؤاد سراج الدين مؤخرا والحديث عن صراع مقبل على رئاسة الحزب بين نائبي الرئيس الدكتور نعمان جمعة وياسين سراج الدين عضو مجلس الشعب الحالي يحيط خريطة الترشيحات الوفدية ببعض من الضباب خاصة ان لكل من المتنافسين انصاره ومؤيديه ويؤكد كل فريق ان نجاح مرشحهم يعني الحصول على الغلبة في الترشيحات القادمة لانتخابات مجلس الشعب وكان الوفد قد حصل على ستة مقاعد في الانتخابات الاخيرة وكثيرا ما تثير بقية الاحزاب الحديث عن تعاون بين الوفد وحزب الحكومة في الانتخابات القادمة ويتم ذلك من خلال ما يعرف باخلاء بعض الدوائر لمصلحة مرشحي اي من الحزبين، وقد كان ذلك واضحا في تدخل الحزب الحاكم لإنجاح ياسين سراج الدين في الانتخابات الاخيرة.
وتبدو فرصة حزب الوفد كبيرة في الحصول على عدد جيد من المقاعد في حال اجراء انتخابات نزيهة نظرا لما يتمتع به اعضاؤه من الخبرة السياسية وكذلك لانتشار صحيفة الوفد على مستوى القاهرة والمحافظات واثارتها العديد من القضايا الخاصة بمجلس الشعب بشكل جعل البعض يطرح الوفد كمنافس رئيس للحزب الوطني في الساحة السياسية المصرية.
ويأتي بعد ذلك حزب التجمع الذي يتبنى الاتجاه اليساري وقد حصل على خمسة مقاعد في الانتخابات الاخيرة في مقدمتها مقعد رئيسه خالد محيي الدين والذي ثارت اقاويل ايضا عن تزوير الانتخابات له بدائرة كفر شكر بالقليوبية.
ويمر حزب التجمع بضائقة مالية جعلته يعلن منذ شهور في صحيفته الاهالي عن طلب تبرعات من اعضائه لتمويل المعركة الانتخابية المقبلة.
اما الحزب العربي الناصري فيرى اعضاؤه انهم هم المنافس الرئيس لحزب الحكومة في الشارع المصري باعتبار انهم يحملون شعارات المرحلة الناصرية والرئيس الراحل جمال عبدالناصر والتي مازالت تلقى قبولا واسعا لدى قطاعات عريضة من الشعب المصري وقد حصل الحزب الناصري على مقعد واحد في الانتخابات الاخيرة، كان يمثله النائب سامح عاشور الذي يرجع فوزه في هذه الانتخابات لعصبيته وأهله في محافظته الجنوبية سوهاج.
ويأتي بعد ذلك حزب العمل الذي قامت لجنة شؤون الاحزاب مؤخرا بتجميد نشاطه وتوجيه اتهامات لقياداته بتلقي تمويل من جهات خارجية وضم فئات سياسية مثل اعضاء جماعة الاخوان المسلمين الى صفوفه.
ورغم الاحداث التي يمر بها حزب العمل إلا ان قيادته المتمثلة في المهندس إبراهيم شكري اعلنت ان اعضاء الحزب سيخوضون الانتخابات المقبلة كمستقلين وفي مقدمتهم المهندس شكري نفسه في دائرته شربين بالدقهلية التي لم يستطع النجاح فيها في الانتخابات الماضية لاسباب ارجعها هو لما وصفه بالتزوير الحكومي لهذه الانتخابات.
يتبقى بعد ذلك حزب الاحرار الذي يعاني من صراعات داخلية منذ وفاة رئيسه مصطفى كامل مراد منذ نحو عامين وهو الامر الذي يعني ان اعضاءه سيخوضون الانتخابات المقبلة ايضا كمستقلين وان كان طلعت السادات ابن شقيق الرئيس الراحل انور السادات وأحد المتصارعين على رئاسة حزب الاحرار قد اعلن عن منح كل مرشح من حزب الاحرار 15 الف ملصق للإعلان عن برنامجه الانتخابي واقامة سرادقات في دوائرهم على نفقة الحزب وتكثيف الجهود ودعوة كبار الشخصيات لمؤازرتهم وتأييدهم.
اما الحزب الوطني الحاكم فقد شهد الايام الماضية اجتماعات مكثفة للرئيس مبارك باعتباره رئيس الحزب وعدد من الوزراء والمسؤولين بالحزب لاختيار مرشحي الحزب في الانتخابات المقبلة، وقد بلغ عدد الراغبين في الترشيح من اعضاء الحزب الوطني وتقدموا بطلبات ترشيح بالفعل ما يقرب من 6500 مرشح ومرشحة والمطلوب اختيار 444 مرشحا فقط، أي بنسبة 7 في المائة من هذا العدد، مما يعني استبعاد 93 في المائة من هؤلاء المرشحين ولجوء الغالبية منهم الى خوض الانتخابات كمستقلين ضد مرشحي الحزب كما يحدث دائما.
وتكشف مصادر داخل الحزب الوطني عن ان خريطة ترشيحات الحزب هذه المرة سوف تشهد تغييرات كبيرة وغير متوقعة في غالبية المحافظات وخاصة محافظات القاهرة والجيزة والاسكندرية وبورسعيد والدقهلية وقنا وسوهاج والبحيرة، بينما سيكون هامش التغييرات اقل في محافظات السويس والإسماعيلية وسيناء ومطروح والشرقية والوادي الجديد والمنيا واسوان والبحر الاحمر وسيكون التغيير بنسبة 50 في المائة في باقي المحافظات ومنها الغربية ودمياط والفيوم والمنوفية من خلال استبعاد اعضائها الحاليين وإعادة ترشيح النصف الآخر.
وقد بدأ الحزب الوطني في جس نبض عدد من الدوائر الانتخابية خاصة تلك التي يشغلها عدد من الوزراء السابقين للتعرف على حقيقة موقف الشارع الانتخابي منهم في حالة اعادة ترشيحهم مرة اخرى خاصة ان عددا منهم طلبوا اعادة ترشيحهم ومنهم المهندس سليمان متولي وزير النقل والمواصلات السابق وذلك في دائرته بالمنوفية، والمهندس ماهر اباظة في دائرته بالشرقية في حين لم يبد الدكتور احمد جويلي وزير التموين السابق ونائب الجيزة وامين المجلس العربي للوحدة الاقتصادية حاليا اية رغبة في إعادة الترشيح مرة اخرى.
اما الوزراء الحاليون فالموقف محسوم بالنسبة لبعضهم في اعادة ترشيحه مرة اخرى وفي مقدمتهم كمال الشاذلي وزير شؤون مجلسي الشعب والشورى وامين التنظيم بالحزب الوطني والذي يمثل دائرة الباجور بالمنوفية منذ 37 عاما متتالية وهناك ايضا الدكتور يوسف والي وزير الزراعة وامين عام الحزب الوطني والذي يمثل دائرة ابشواي بالفيوم.
وينتظر ترشيح المهندس محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان في دائرة منشية ناصر بالقاهرة رغم معارضة اهالي الدائرة المعلنة لهذا الترشيح، وينتظر ايضا ترشيح المهندس سيد مشعل وزير الإنتاج الحربي في حلوان.
وقد ترددت انباء عن ترشيح الدكتور يوسف غالي وزير الاقتصاد عن دائرة المعهد الفني بشبرا بالقاهرة والتي يمثلها الدكتور مدحت عبدالهادي وكيل لجنة الصحة بمجلس الشعب إلا ان الحزب الوطني سرعان ما تراجع عن هذا الترشيح بعد المعارضة الهائلة التي لقيها هذا الخبر من جانب اهالي الدائرة.
كذلك ترددت انباء غير مؤكدة عن ترشيح الدكتورة نادية مكرم عبيد وزيرة البيئة عن دائرة سقارة بمحافظة قنا في جنوب مصر وذلك لارتفاع نسبة الاقباط بهذه الدائرة.
ويشير المراقبون الى ان نسبة التغيير بالنسبة لنواب الحزب الوطني الحاليين سوف تصل الى نحو 60 في المائة على المستوى العام بينما ستصل الى 90 في المائة في عدد من المحافظات وخاصة بعد ما شهدته الدورة السابقة لمجلس الشعب 95 2000 من ظواهر اساءت كثيرا لشعبية الحزب الوطني ومن ذلك تجاوزات نوابه فيما اصطلحت صحافة المعارضة على وصفهم بنواب القروض والنائب الصايع ونائب النقوط ونواب البلطجية.
ويرى معارضون ان هذه الظواهر زادت من حملة الانتقادات التي يواجهها الحزب الحاكم حتى صارت اكبر حملة انتقادات منذ تأسيس الحزب قبل 22 عاما خاصة ان عدد الذين تم سحب الحصانة البرلمانية منهم خلال السنوات الخمس الماضية كان الرقم الاعلى في البرلمانات المصرية وكذلك تم اسقاط العضوية عن خمسة نواب في قضايا جنائية، وظهر اثر كل ذلك مؤخرا في قيام قيادة الحزب باصدار تكليفات الى الاجهزة الرقابية في البلاد لإعداد تقارير وافية عن خلفيات المؤهلين للترشيح والتأكد من عدم تعرضهم لاتهامات جنائية من قبل، كما تعرضت تشكيلات الحزب في الفترة الماضية الى تغيير واسع في بعض المواقع القيادية كان اهمها التحاق السيد جمال مبارك نجل الرئيس مبارك بها وهو ما اثار تفاؤلا لدى المراقبين واعتبر بمثابة تغيير تدريجي في مقاعد الحرس القديم التي اصبحت مسؤولة أمام الرأي العام عن كل ظواهر السنوات الماضية.
ويتوقع ايضا ان تشهد الفترة المقبلة ضم عدد كبير من رجال الاعمال الى قوائم ترشيح الحزب الوطني.
وبشكل عام فإن مراقبين يؤكدون ان الانتخابات القادمة ستشهد هجوما من جانب رجال الاعمال وتسابقا شرسا للحصول على الحصانة البرلمانية وقد ترددت اسماء كثيرة من رجال الاعمال المعروفين لخوض هذه الانتخابات سواء على قوائم الحزب الوطني او كمستقلين بل وتأكد ان الحزب الوطني سوف يضحي بعدد من نوابه التقليديين ليحل محلهم رجال اعمال، خاصة ان الانتخابات القادمة يتوقع لها ان تشهد تسابقا كبيرا على الانفاق على الدعاية الانتخابية ربما يصل لأرقام خيالية خاصة ان مصادر قدرت حجم ما أنفقه مرشحو مجلس الشعب في الدورة البرلمانية السابقة بمبلغ 3 مليارات جنيه.
مخاوف
ورغم ما يبديه مسؤولو الحزب الوطني من تصريحات عن اجراء انتخابات نزيهة إلا ان المعارضة مازالت تثير العديد من القضايا وتشكك في امكانية اجراء انتخابات نزيهة رغم الإعداد والإشراف القضائي الكامل على هذه الانتخابات، فالمهندس إبراهيم شكري رئيس حزب العمل يرى ان عدم اشتراط وجود البطاقة الشخصية او جواز السفر او رخصة القيادة وجميعها اشياء تثبت شخصية الناخب والاكتفاء بشهادة من حضر من الشهود يعني اتاحة الفرصة للتلاعب من جديد، ويعني ان ما تم اتخاذه من تعديلات في قانون مباشرة الحقوق السياسية والإشراف القضائي يمكن التحايل عليه عن طريق المندوبين في اللجان.
ويطرح احمد حسن امين التنظيم بالحزب الناصري ما يصفه بالأنواع المختلفة بالتزوير ويبدي قلقه من حدوثها في الانتخابات القادمة ومن ذلك التلاعب في اصوات الناخبين سواء في إعلان نتيجة الفوز او حتى في صناديق الانتخابات نفسها، وايضا شراء الاصوات القابلة للبيع من قِبل بعض الناخبين.
|
|
|
|
|