| الاقتصادية
نشرت معظم الصحف السعودية نص اللقاء الصحفي الذي أجرته صحيفة )26( سبتمبر اليمنية مع صاحب السمو الملكي الأمير/ نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة, ولقد أشار سموه الكريم إلى العديد من القضايا الهامة التي تشغل بال المواطن السعودي خاصة مايتعلق منها بسوق العمل السعودي ومستوى التوظيف للأيدي العاملة السعودية, وفي اعتقادي أن باستطاعتنا أن نستخلص من نص الحوار العديد من الثوابت التي تمثل وصفاً لواقع سوق العمل السعودي ومنطلقاً لوضع الاستراتيجية الوطنية الشاملة التي تهدف إلى زيادة مساهمة عنصر العمل السعودي في العملية الإنتاجية, ولعل أهم هذه الثوابت مايلي:
1 إلزامية إيجاد فرص عمل مناسبة للمواطن السعودي: أكد سمو وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة أن من الأهداف العامة للدولة العمل على ايجاد فرص عمل للشباب السعودي على اعتبار أن ذلك حقاً من حقوق المواطن السعودي تكفله له المواطنة السعودية ويكفله له نظام العمل والعمال السعودي, وفي هذا الخصوص نجد أن سموه يحفظه الله قد أشار إلى أنه ليس هناك من ينكر على أي بلد أو دولة أن تهتم بإيجاد فرص العمل لكل مواطن سواء كانوا رجالاً أو نساءً,
2 بروز ظاهرة البطالة بين الشباب السعودي: فقد أشار سمو وزير الداخلية يحفظه الله إلى أنه على الرغم من عدم وجود رقم دقيق لعدد العاطلين عن العمل ممن هم في سن العمل من السعوديين، إلا أن نسبتهم قد أصبحت مزعجة وغير مريحة، وفي اعتقادي أن مثل هذا التصريح من رجل الأمن الأول يعطي دلالة قوية على شكل ومضمون المشكلة كما يعطي إشارة قوية على ضرورة التدخل السريع لمواجهة هذه المشكلة قبل تفاقمها خاصة وأن سموه الكريم قد أشار إلى السلبيات الكثيرة المرتبطة بظاهرة البطالة,
3 أن بروز ظاهرة البطالة ليس بسبب نقص فرص العمل المتاحة: فقد أشار يحفظه الله إلى أن السبب الحقيقي وراء بروز ظاهرة البطالة لا يكمن في عدم وجود فرص عمل مناسبة ولكن في عدم وجود الآلية المناسبة التي تكفل إلحاق الشباب السعودي بالفرص المتاحة والمشغولة بالعمالة الأجنبية، وفي اعتقادي أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مطالبة بتلقي هذه الرسالة والعمل على إيجاد الآلية الفاعلة التي تكفل الحد من الاعتماد على عنصر العمل الأجنبي وزيادة مساهمة عنصر العمل السعودي خاصة وأننا لانشتكي كغيرنا من قلة فرص العمل,
4 عدم وجود قاعدة معلومات سليمة عن المتغيرات في سوق العمل ولعل إجابة سموه الكريم بعدم وجود رقم دقيق عن عدد العاطلين عن العمل من السعوديين تكفي لرسم صورة متكاملة عن واقع القاعدة المعلوماتية التي تمثل الأساس لاي تخطيط مستقبلي لسوق العمل السعودي، وفي اعتقادي ان استمرار الغياب الكبير للمعلومة الدقيقة سيساهم مساهمة فاعلة في تغييب القرار السليم وسيعطل الكثير من الاجراءات الهادفة إلى إصلاح الخلل في هذه السوق، ومن هذا المنطلق فإنني أتمنى على معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية أن يبدأ وفق جدول زمني محدد في تكوين هذه القاعدة التي يستمد منها قادة هذا البلد المعلومة الأكيدة التي تساعدهم في صناعة القرار وإقناع الغير,
وهنا أشير إلى ضرورة دعم الوزارة إدارياً ومالياً وبشرياً من أجل الإسراع في تنفيذ هذه القاعدة لأننا في الواقع نتخبط في الوقت الحاضر في ظلمة داكنة لانعلم حقائق وأرقام المتغيرات في سوق العمل,
5 استمرار عجز مخرجات التعليم عن الوفاء بمتطلبات سوق العمل: أشار سمو وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة يحفظه الله إلى ضرورة إعادة النظر في مخرجات التعليم لتتواءم مع العصر ولتلبي حاجة سوق العمل، وهنا أجد أن من الضروري أن يتلقى رجالات التعليم هذه الرسالة للعمل على تحقيق إعادة النظر المنشودة خاصة وأن هذه الدعوة قد تكررت مراراً ولكنها ظلت بعيدة عن الواقع التطبيقي، فمازلنا نلاحظ تكدسا في أعداد الخريجين من التخصصات النظرية التي لاتلبي حاجة سوق العمل ولا تتواءم مع متطلبات التنمية كما مازلنا نعاني من شح واضح في أعداد الخريجين من التخصصات العلمية والتقنية والفنية ومع ذلك مازالت السياسة التعليمية كماهي ومازالت التخصصات النظرية تساهم في اهدار الكثير من مواردنا البشرية، فمتى تتم إعادة النظر ومتى يتم إعادة توزيع الموارد المالية والإدارية والبشرية على الشكل الذي يحقق الأهداف المنشودة من التعليم ويقلل من الهدر المالي والبشري؟ نتمنى أن يكون ذلك عاجلاً,
6 ارتفاع معدل التحويلات السنوية للعمالة الأجنبية: أبرز سمو وزير الداخلية يحفظه الله واحدة من أهم الحقائق المرتبطة بالتواجد المكثف للعمالة الأجنبية وهي ارتفاع وتزايد معدل التحويلات السنوية للعمالة الأجنبية إذ بلغت حوالي 70 مليار دولار سنوياً أي حوالي 262,5 مليار ريال سعودي، وبطبيعة الحال فإن مثل هذا الرقم الكبير يمثل استنزافاً حقيقياً لمقدرات البلد وإضعافاً للجانب الاستهلاكي والاستثماري مما يساهم في الحد من فرص العمل المخلوقة ويضعف معدلات النمو السنوية للاقتصاد السعودي، وبالتالي فإن التوجه نحو إحلال العمالة السعودية مكان العمالة الوافدة لا يعني فقط تأمين فرصة عمل للمواطن السعودي ولكن يعني في المقام الأول حماية الاقتصاد السعودي من الاستنزاف المستمر, وعليه فإن من المطلوب البحث عن وسائل فاعلة لتشجيع العمالة الأجنبية على إنفاق حصص أكبر من دخلها محليا مع ضرورة استمرار الخطوات الجريئة التي تستهدف تحقيق الإحلال التدريجي لعنصر العمل السعودي,
ولعلنا بعد أن استعرضنا أهم النقاط التي تضمنها نص الحوار الصحفي مع سمو وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة يحفظه الله نعيد التأكيد على حقيقة هامة جداً وردت ضمن ثنايا الحوار الكريم وهي أن التزايد في أعداد السكان وفي أعداد خريجي الجامعات قد أدى إلى بروز مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية وثقافية, وبالتالي فإن معالجة وضع سوق العمل يجب ألا تنطلق من تقديرات اقتصادية بحتة إذ يجب الأخذ في الاعتبار كافة التكاليف التي يتحملها المجتمع من جراء استمرار الاعتماد على العامل الأجنبي وفي مقدمتها التكاليف الأمنية والاجتماعية والسياسية والفكرية وأخيراً الاقتصادية,
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|