ما هي معالم الانسانية الكامنة في داخل كل منا؟! والى ماذا ننتمي تحت مظلة النشاط البشري، فابن البادية يبقى بدويا وابن الحضر يبقى متحضرا بالرغم من أن هناك متفارقات في تمازج الحياة وتبادل البيئات الاجتماعية وفي الغالب أهل البادية استوطنوا وامتهنوا الزراعة بدلا من الرعي,,, وامتدت الحضارات في مختلف الأمم وتعارفت الشعوب وتناقلت الثقافات وتمازجت بعض الشعوب وتحول المبدع البدوي من مناجاة محبوبته على حافة بئر,,, الى منبر صاحبة الجلالة,,, أو دواوين الشعر,,, ومنابر الأمسيات!!
للصحراء فوضوية يشعر بها بعضنا فيما هي امتداد لأنماط ثقافية ومعرفية تجمع بين ذرات الرمال,,, والنباتات الشائكة,,, وصوت الريح وشح المطر وتحرك في داخل المبدع أحاسيس جارفة للانتماء وحب الوطن والأرض ولاستمرار الحياة.
فالمطر عندما يشح,,, يزخ الشاعر من سحابة عاطفته على مساحات الصحراء حتى ترى جدولا ثابتا يشعرك باستئناس الطبيعة وتواصل الانسان في فضاء إنسانيته والتصاق عروقه بعروق الأرض والانتماء لكل ما بها!
الصحراء,,, قد نهرب منها في الصيف القائظ ولكن نعود إليها في الشتاء والربيع,, ونعدو الى كل جمال,,, خلقه الله بها بعد زخات المطر,,, وامتداد المساحات الخضراء,,, ونتأمل تلك العلاقة القوية بين ابن البادية وذرات الرمال وارتباطها بوجدانياته واستثارة الأحاسيس والمشاعر لديه، فمهما تكن الأبنية التي نعيش تحت أسقفها فاخرة وحديثة البناء الا أننا نسارع الى هناك,,, بين راحتي الصحراء وكما قالت صاحبة السمو الملكي الأميرة نوف بنت عبد العزيز (للصحراء جمال,, فأنا أحب البر,,, وبيوت الشعر,,, والفقع!!) فرابطة الصحراء بنا,,, رابطة أرض,,, ووطن حتى لو كنا أبناء الحضر,,, إلا أننا نميل لانطلاقة الصحراء,,.
وهذه الصحراء كانت ولا زالت الحضن الحاني,,, لسياحة إجازة منتصف العام الدراسي,,, فأذكر في المرحلة الثانوية ان معلمتي من إحدى دول الوطن العربي سألتني عن اجازة الربيع أين أمضيها؟! فقلت: في البر، فقالت: يومياً تذهبون؟ فقلت: بل ننام!! فصرخت: تنامون في الشارع معقول؟!
فأثارت موجة ضحك لديّ وقصصت عليها كيف نتعايش مع الليل والنهار والشمس والقمر بين راحتي الأرض والسماء,,, وفي مأوى بيت شعر !
وأقنعتها بأننا في أمان وأننا في الصحراء,,, وليس في الشارع,,!! وتمتد السنوات وأنا دائما أتساءل عن خوف معلمتي من الصحراء,,, وحبي أنا لذرات ترابها,,, ربما لأن معالم إنسانيتي ارتبطت بأرض وطني,,, ولأنني أيضا أملّ الجدران الخرسانية وأهرب الى الطبيعة التي تبعث الأنس في محصلة وجودي!!
|