| مقـالات
لا أدري إن كان هذا قولا مأثورا، أم أنه حديث شريف لكني أدرك تماما حقيقة ناصعة في العبارة تدل على منتهى رحمة الخالق جل وعلا بعباده، وهي حقيقة يدركها كافة الأسوياء من البشر إلا من قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون (الأنعام: 43).
فهؤلاء أخرجهم عن السوية تعوُّد الغي والضلال الى حد الطمس وسواد القلب، من كثرة (النكت) التي ترسبت عليه بتكرار المعاصي، بحيث لم يبق فيه طاقة من نور تكشف له سواء السبيل.
العودة الى بداية الخلق تدلنا على ان الله قد خلق آدم وحواء وأسكنهما الجنة وأمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه (الكهف: 50).
وهنا بدأت العداوة من إبليس حسدا لآدم أن فضله الله عليه مع أنه على حد زعم إبليس خُلق من طين وهو أقل شأنا من النار التي خُلق منها إبليس.
وتربص إبليس لآدم حتى وسوس له بأن يأكل من الشجرة المحرمة، واعداً إياه انها شجرة الخلد، وأن الذي يأكل منها لا يموت ولا يبلى,, وفعلها آدم طاعة لإبليس، عاصيا أمر ربه فكان القرار وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو (الآية 36 البقرة).
وهكذا هبط إبليس إلى الأرض، وهبط معه آدم وحواء بعد ان ظهرت عوارض البشرية عليهما,, ودار الصراع ولا يزال حتى قيام الساعة بين الباطل الذي يجري به الشيطان مجرى الدم في الإنسان، ويقعد له به كل مقعد، وبين الإنسان الذي يقاومه بالهداية التي تأتيه من الرسل، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (الآية 15 الاسراء).
لقد جاءت الهداية على لسان الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله على فترات الى أقوامهم، وفي شرائعهم السماوية التي كانت تدعو دائماً الى إخلاص العبودية لله وحده، وعمارة الأرض بالحق والعدل.
فلما بلغت البشرية من النضج مبلغه، وتوافرت لها تجارب الأولين مع الأنبياء والرسل، جاءت بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم خاتما للرسالات السماوية وهداية للناس (كافة) حتى يرث الله الأرض وما عليها,, رسالة شاملة لمنهج حياة الإنسان في كل شؤونه الدنيوية والأخروية.
ولقد وعد الله الطائعين الجنان ثوابا بدرجاتها التي تتفاوت بتفاوت القربى الى الله، ومن يُطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (النساء: 69).
كما توعد العاصين بالنار عقابا وبئس القرار، فمنهم من يقضي العقوبة فيها لفترة، أما العتاة فهي مثواهم الدائم وإنهم فيها لخالدون.
ولأن الله جل وعلا هو الرحمن الرحيم، وأنه بعبده التائب العائد أسعد من الأم وقد عاد ابنها بعدما ضاع منها وفقدت الأمل في إيابه، وأنه جل وعلا أشد فرحا بعبده هذا من البدوي الذي يئس من البحث عن (الذاهبة) وفجأة رآها أمامه ولله المثل الأعلى.
هذه الرحمة المطلقة والحنان المنقطع النظير، تتبدى آثارهما أكثر في أنه بعد ان أبلغ الله الناس رسالاته، حتى لم يبق لأحد منهم حجة على الله من بعد الرسل، لم يكتف بذلك بل وضع في كل منا أداة تنبيه لا تخطىء,, تلك الدقات المتسارعة التي يخفق بها قلب الإنسان السوي إذا ما شرع فيما يغضب ربه,, وهي الإنذار الأخير كي يعدل البشر عن خطاياهم ويعودوا الى ربهم، ومن فيض رحمته جل وعلا انه في الوقت الذي تُكتب الحسنة لمن همَّ ان يفعلها ولم يفعل، فإن من همَّ بالسيئة ولم يفعلها لم تُكتب عليه بل تكتب له حسنة إذا كان قلبه قد خفق خشية من الله.
وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى (النازعات: 40 41).
فما أرحم الله بنا نحن عباده,, وما أحوجنا جميعا للاستفادة من هذا الإنذار المبكر قبل الوقوع في الخطايا.
|
|
|
|
|