أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 14th August,2000العدد:10182الطبعةالاولـيالأثنين 14 ,جمادى الاولى 1421

مقـالات

نزهة وأخواتها
منصور محمد الخريجي
ذذهبت في نهاية أسبوع مضى الى الطائف بصحبة العائلة لقضاء ليلتين نستريح فيهما من رطوبة جو جدة, وأدهشني حقاً أن أجد الطقس في الطائف أو بالأحرى في الهدى حيث كنت أن أجد الطقس معتدلا ربيعيا تهب فيه نسمات هواء منعشة تستريح لها النفس بعد عناء العمل, حتى عندما جلسنا في إحدى شرفات الفندق وكان الوقت حوالي الساعة الثالثة عصرا كان الهواء عليلا يجعلك تشعر فعلا بأنك في مصيف, كان هذا هو الجانب الذي سرّني في رحلتنا القصيرة هذه.
أما ما لم يسرّني فهو ما شاهدته عندما تركت الفندق بعد العصر للقيام بجولة على أقدامي, لقد دهشت حقيقة عندما رأيت أن كثيرا من مرتادي مصيف الطائف لا يجدون مكانا لقضاء ساعات او ربما أيام في الطائف غير أرصفة الشوارع!! نعم لقد كانت أرصفة الشوارع القليلة الموجودة بالهدى وكذلك مساحات الأراضي الخالية من المباني، كانت كلها محتلة من قبل عائلات أو جماعات من العزوبية وقد افترشوا الأرض ورصّوا أمامهم وحولهم معدات طبخهم ومعاميل قهوتهم بينما راح الأطفال يجرون هنا وهناك على أمل أن يجدوا وسيلة تسلية من القليل المتاح لهم, لقد شاهدت عائلات كثيرة تحتل كل منها قطعة من رصيف خصص للمشاة, فهؤلاء أولاً يسدّون الطريق على المارة بينما قد يلهون في أي لحظة عن طفل صغير يهديه تفكيره لعبور الطريق الذي تنطلق فيه سيارات الشباب المصطافين بسرعة مخيفة, هذا فضلا عن أن محتلي الأرصفة يحرمون المشاة من استخدامها وبذلك ينتفي الغرض الذي جعلت هذه الأرصفة لأجله, اضافة الى ذلك، من أجله قد يتعرض المشاة الذين يضطرون الى السير في الشارع بسبب شغل الأرصفة الى خطر قائم وحقيقي جدا وهو دهسهم بسيارة منطلقة كالصاروخ يقودها شاب أرعن لا يقيم وزنا لقانون أو عرف كما حصل كثيرا.
إن وضعاً مثل هذا وهو طبعا يتكرر للأسف في معظم مدننا لا يمكن أن يوصف بأنه حضاري أو صحيح بأي شكل , ولا أحسب أن من يراه من الغرباء الذين يزوروننا سوف يشيد به, بل أجزم بأن مثل هذه المظاهر والممارسات لن تفوت على انتباه الزائر الأجنبي الذي يتطلع على أي حال لتصيد اي مظاهر سلبية تثير النقد والسخرية, ولكن سواء كان هناك زوار أجانب أم لا، فنحن أنفسنا يجب ألا يرضينا أي سلوك أو مظهر يشي بالتخلف.
لقد غبت عن الطائف سنين عديدة لم يتح لي فيها زيارتها والتجول فيها, وقد قمت خلال هذه الزيارة برحلة الى الشفا, كان آخر عهدي بالشفا أيضا منذ سنين طويلة وكنت أزوره مع زوجتي وأولادي أما في هذه المرة فقد جئته شيخاً وبصحبتي أحفادي, لكن لشدّ ما فوجئت بأن الشفا لا يزال كما عهدته لم يتغير!.
نفس مساحات الأرض الترابية التي تحيط بقمته ونفس الملاهي البدائية البسيطة التي عرفتها من زمن بعيد ونفس المقاهي الجرداء وكأني تركتها بالأمس فقط! لا بد أن اعترف بأنني أصبت بخيبة أمل شديدة, لقد دارت بنا السيارة دورة كاملة فوق ظهر الشفا ولم نجد مكانا مناسبا للصغار الذين تعالت أصواتهم واحتجاجاتهم مطالبين بالخروج من السيارة تنفيسا لهم عن الطاقات الكبيرة التي تنوء بها أجسامهم الصغيرة, كل أماكن اللعب ترابية وقد غطاها كلها الغبار ولذا فهي غير صحية، خاصة وأن واحدا من الأطفال يعاني من الربو, ولكن كان من حسن حظنا ونحن في طريق العودة وغير بعيد عن القمة، أن وجدنا مركزا ترفيهيا كبيرا يشغل مساحة كبيرة من الأراضي التي غطت الأشجار مساحات واسعة منها بينما نسقت المساحات المتبقية حيث شملت ملاعب أطفال وأماكن لجلوس الكبار كما كانت هناك خيام نصبت على مسافات متباعدة بحيث يستطيع شاغلوها أن يصلوا إليها بسياراتهم, علاوة على ذلك كان في المكان مبنى واسع ضم مقهى ومقصفا.
شعرت وكأنني وقفت على كنز وتجرأت أخيرا أن أنظر بعين واثقة في الأطفال وأن أجيب عن أسئلتهم الملحّة والمكررة والتي ما تعبوا من تردادها وهي: لماذا أتينا بهم الى الطائف إن كان الهدف بقاءهم في الفندق أو التجوال في سيارة, تنفست إذن الصعداء عندما وقع نظري على هذا المكان الكبير وقد شكرت صاحبه بقلبي دون أن أعرفه.
لقد أنشأت الحكومة الآن هيئة للسياحة وعينت اميناً عاماً لها، شاباً نشيطاً طموحاً متفتحاً هو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان, لقد استبشرنا جميعا بإسناد هذا المرفق الجديد الى الأمير الشاب الذي لا أجامل عندما أقول إنه بحسب علمي لم يتصد لشيء إلا ووفقه الله فيه, وأعرف الآن أن الاقتراحات والنصائح ستنهال على الأمير مثل كثافة وغزارة وعنف مطر الصحراء وقد لا تستمر أيضا أطول مما يستغرقه انهمار مطر الصحراء, ولكنني اخاطر فأدلي بدلوي مع الدالين ورأيي هذا عبرت عنه شفهياً في بعض المناسبات وهو: لماذا لا يكون لدينا في كل مدينة رئيسية في المملكة منتزه عام واسع يستوعب أعدادا كبيرة من المتنزهين؟ منتزه كالذي نشاهده في أغلب مدن العالم المتحضر,, يأخذ مساحة كبيرة من الأرض، وهو شيء متوفر لدينا والحمد لله, تبقى حكاية التشجير، وهذه يمكن بدراسة واعية متأنية أن نجد لها الحلول المناسبة بإيجاد أنواع الأشجار التي تعيش بالصحراء والتي لم يعد من الصعب مع التقدم العلمي إنباتها وإزهارها, أما مسألة الماء، فهي أيضا يمكن التغلب عليها بوسائل إعادة تكرار المياه وطرق الري الحديثة.
أتمنى أن أرى في بلادنا منتزهات واسعة فسيحة تغطي أرضها الخضرة وتظللها الأشجار وعلى جنباتها تقام أماكن مخصصة للجلوس وإعداد الطعام وملاعب أطفال, قد يكون كل هذا حلماً صعب التحقيق، لكن الإرادة والعمل المخلص وقبل كل هذا همّة الرجال الأوفياء، تجعل من الصعب سهلا,, إن مثل المنتزهات التي أتحدث عنها موجودة فعلا وقائمة في منطقة عسير وقد اكتسبت في السنوات الأخيرة السمعة الحسنة والشعبية الطيبة وخاصة بعد أن تولى أمور المنطقة الجنوبية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ذلك الرجل الطموح الذي لا يهدأ ولا يكلُّ حتى يرى أحلامه تتحقق مهما كلفه ذلك من جهد ومشقة.
وحيث إن نواميس الحياة تصر على ان الآمال والطموحات لا تتوقف ولا يجب أن تتوقف وأن كل عمل كبير يبدأ حلما، فإننا نحلم الآن بأن تكون لدينا متنزهات واسعة الأرجاء في مدننا الأخرى تنافس متنزهات عسير, ولا شيء يساعد على تحقيق الأحلام وعلى التطور في كل مناحي الحياة مثل المنافسة الشريفة.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved