| الفنيــة
* كتب المحرر الفني:
جاءت طريقة الرحيل المفاجئة والمثيرة للفنان القمة طلال مداح كامتداد لمسيرة ونهج هذا الرجل العصامي صاحب التصرف العفوي والتلقائي في أصعب الظروف وأحلكها,, فقد رغب ابو عبدالله ان لا يغادرنا إلى الآخرة إلا بوداع مثير ومؤثر ورغب أيضاً ان يقدم لنا كل ما لديه حتى وهو على بعد دقائق أو ثوان من الموت,, لم يشأ أن يزعجنا بصرخات المرض او الأنين او بآهات الرحيل تحامل وحاول وحاول الى ان سقط وهو يغني ويغرد ويبتسم ليسعدنا ويرسم الابتسامة على شفاهنا رغم ما بداخله من آلام وهموم مردها المرض وسوء الأحوال الصحية.
ومثلما هو طلال قمة في كل شيء ومميز في كل شيء فقد تميز رحيله عن الآخرين فكان أول مطرب يسقط على المسرح ويموت عليه وذلك في مشهد مؤثر زاد من مساحات الإعجاب والتعاطف التي كان في الأصل يحظى بها من الجميع من معجبين وإعلاميين وزملاء له في نفس المهنة وعلى نفس الدرب.
وطلال الموهبة الفذة وصاحب الصوت الفريد والمميز بطبيعته وتلقائيته كون رصيدا من المحبين والمعجبين وكسب احترام وتقدير الجميع لا لأن صوته جميل وعطاءه طبيعي نابع من القلب,, ولكن لأن هذا الفنان الاسطورة يملك قلباً كبيراً وصدراً واسعاً ونفساً رحبة سمتها التواضع والطيبة، هذه الطيبة التي قد يكون خسر بسببها الكثير ولكن يظل الرصيد الحقيقي والمكسب الكبير مكانته المميزة في كل القلوب فمتذوقو الفن سواء اعجبوا به أم لم يعجبوا فهم لا يملكون إلا أن يحترموه ولا يمكن أن يكرهوه بل بالعكس فحتى لو لم تعجب بطلال أو تميل له كل الميل فلا تملك إلا أن تصفق لنجاحاته وتتمنى التوفيق لكل خطواته لأن هذه هي مشاعره تجاه الآخرين وان كانت كلفته فنيا الكثير فهو يجامل بالتعامل ويجامل في غناء أي نص ويقبل أي لحن ويجامل حتى وهو على خشبة المسرح فلا يهمه ما حوله من أضواء وديكور او عطاء للفرقة الموسيقية او سماعات الصوت والميكروفونات الخاصة بالغناء، لقد كان يتغلب على ذلك بصوته الشجي وروحه الطيبة التي قد لا تدرك مايدور حولها بحكم سجيته وسلوكه القويم ونهجه الطبيعي في الحياة.
وآخر مجاملة قدمها لنا فقيد الفن والإبداع إصراره على اللقاء بجمهوره رغم ظروفه الصحية الصعبة ولكن هذا هو طلال فأكبر وأميز صفاته الايثار حتى لو كان ثمن ذلك نفسه وحياته.
** ومجاملة طلال موافقته على الغناء في افتتاح فعاليات مهرجان أبها الغنائي وان كانت المجاملة الأخيرة فهي لم تكن الأولى فحياة أبي عبدالله الفنية كلها مجاملات وكلها تنازلات فلم نسمع يوماً انه اشترط ان يكون الأخير أو الأول في حفل غنائي ساهر ولم يشترط من يكون معه مع المطربين,, كان ينظر الى الجميع نظرة واحدة وهي نظرة صادقة مغلفة بالحب والود,, ولذا فرصيد ابي عبدالله داخل القلوب كان أكبر وأكثر من رصيده في البنوك وهذا الأمر والوضع لم يؤثر عليه بل زاده راحة وهدوء بال.
وحتى الإعلام الفني بمختلف قنواته المقروء والمسموع والمرئي حظي بتعامل وتقدير طيب منه فلم يرفض يوماً طلب لقاء أو الإجابة عن سؤال ليس إدراكاً منه فقط للدور الذي يلعبه الإعلام في حياة الفنان بل لأن هذا هو تصرف وسلوك ابي عبدالله مع الجميع.
وان كان غيبه الموت اليوم بعد اربعين سنة من العطاء المتميز وبلا حدود فإنه سيظل خالداً بقلوبنا بفنه الراقي وبإخلاقه العظيمة فرحمه الله واسكنه فسيح جناته وألهمنا جميعاً يا محبيه الصبر والسلوان,,
|
|
|
|
|