عزيزتي الجزيرة
تمر بالإنسان كثير من المواقف العصيبة وتواجهه محطات مؤلمة وعقبات جمة ليلقى نفسه بلا موعد أمام قضايا مصيرية تحتاج إلى قرار حاسم,.
قد ينشأ حوار ساخن بينه وبين ذاته المسكونة بالتردد,, ليظهر الصراع بين العقل والعاطفة ,, مع بروز حيرة بين الإقدام والإحجام,.
آه ما أصعب ان تحتار وأنت تختار,, وتفتش عن قرار,, يحفظ الإطار,, إطار مشاعرك المبعثرة,, وخيالك المثقل بالهواجس,.
ويغدو القرار صعباً حينما يجد المرء نفسه أمام خيار بين شيئين جميلين كل منهما له حسناته وثماره الطيبة,, والإنسان بطبيعته يود أن ينال كل الأشياء الجميلة ,, يكره التضحية ويتأفف من التنازل ,, وليس ثمة قناعة,, نعم,, في منعطفات حياتية متنوعة يقابل الإنسان أموراً حيوية تحتاج إلى إجابة شافية وإلى تدخل سريع,.
قد تستبد به تيارات الحيرة وتتقاذفه موجات التشتت ,, تحت مظلة التفكير المثخن,, المصحوب بالتوجس والقلق ,, ليستحيل القرار إلى دائرة اختبار,, ويبقى الحسم هاجساً ملحّاً,, وربما هرب الإنسان في خضم معاناته من مواجهة قرار ,, يركض في كل الدروب فوق متن الهروب! , , دون أن يدري أن ظل قراره يركض معه ,, يغتال فكره,,ويغربل بساتين عقله,, ويظل يهدر الوقت ,,يبدد الطاقة,, يفتح قنوات التعب النفسي والاجهاد البدني من غير أن يصل إلى نقطة الحسم !
ولابد أن يدرك الإنسان أن اتخاذ القرار الحاسم يحتاج إلى نوع من الثقة والجرأة ,, بل والمغامرة المقبولة.
كثرة الهواجس وكثافة التقديرات وتزاحم الاحتمالات تعطل قراراتنا وتقيد إجاباتنا وتزرع التردد في نفوسنا,, وعندها لن نتحرك فالخوف ينمو ,, ولا حرج في أن نمارس قراءة متأنية في جبين أي قرار حاسم عبر تعامل ناضج ورؤية متزنة تتوخى آفاق النجاح,, وتبحث عن منافذ صائبة ,, وقد تتحكم بالإنسان مشاعره ويسيطر عليه وجدانه أمام بوابة قرار ما فيخفق ,, وكأنه نظر بعين واحدة ,, لأن تغليب العاطفة يحجب أنوار العقل ويغطي صوت الحكمة ,, حتماً من الأهمية بمكان تخليص القرار من سلطة العاطفة ,, ومن خيوط التوتر والقلق ,.
وعلى كل قد يقابل المرء حيرة القرار ,, بالشكوى,, بالتفكير,, يعقد موازنات حادة بين اتخاذ القرار أو إلغائه ,, يطيل الشرود ,, يفتش عن فضاء آمن يتنفس فيه بعيداً عن كابوس القرار ,, لكنه لا يلبث أن يتذكر أنه مطالب بلغة الحسم,, والإجابة إحساس ذاتي نابع من الداخل ,, يلامس الأعماق,, ويعكس مستوى التحدي ,, درجة التضحية,, ومعالم الشخصية,.
ويتجلى نضج الإنسان في قدرته على اختزال مسافة التفكير واختصار مساحة الهواجس عند شروعه في اتخاذ خطوة حياتية معينة ,, مريحاً بذلك ذاته من الإبحار في تياره الحيرة ,, مدركاً أهمية الحسم الواعي ,, متكئاً على دعاء الاستخارة ,, وإضاءات الاستشارة,, ولن يلتفت إلى الوراء أو يظل حبيس التفكير ,, بل ينطلق متكلاً على الله تعالى في بناء قرارات صائبة .
محمد بن عبدالعزيز الموسى بريدة
|