| مقـالات
تريد المرأة أن تصبح في صحة جيدة، وتريد خدمات صحية متميزة، وتريد وسائل مناسبة لتنظيم نسلها, فالمرأة العاملة التي توزع وقتها بين أمور متعددة تواجه عادة عقبات كثيرة في الحصول على خدمات صحية ملائمة.
وتريد المرأة أيضاً الحصول على خدمات أخرى، تلبي احتياجاتها المختلفة في مجال الصحة الإنجابية,, فعندما تواجه المرأة مشكلة الوقت والتكلفة الخاصة بطلب الرعاية الصحية فإنها تعطي الأولوية للرعاية الصحية لأبنائها وتفضلهم على نفسها.
إن الاستثمار في تنمية المرأة يستلزم توسيع قاعدة الاختيار بالنسبة للمرأة والحد من اعتمادها على الإنجاب لتثبيت وضعها ومكانتها, وتنظيم الأسرة هو أهم مجال للاستثمار، ويشمل الاستثمار في تنمية المرأة إلى جانب تنظيم الأسرة الاستثمار الاجتماعي أي الاستثمار في الخدمات مثل الصحة والتعليم, ومثل هذه الخدمات تساعد المرأة على النهوض بمستوى ما تقوم به بالفعل ويفتح أمامها مجالات جديدة بيد أن الاستثمار في رعاية المرأة لا بد أن يتعدى مجرد تقديم هذه الخدمات بحيث يزيل العقبات التي تمنعها من العمل بكامل طاقتها.
ويعني هذا تمكين المرأة من الحصول على الأرض وعلى القروض وعلى العمل المجزي بالإضافة إلى تدعيم حقوقها الشخصية والسياسية بشكل فعال.
تقول نفيس صادق في كتاب ما وراء الأرقام .
يتطلب إعطاء الأولوية للاستثمار في رعاية المرأة تغيراً جذرياً في النظرة للتنمية، ليس فقط، من جانب البلدان النامية وإنما أيضاً من جانب المؤسسات المالية.
فإذا نظرنا إلى المدى البعيد، نجد أن الاستثمار في تنمية المرأة له قيمته الاقتصادية التي لا يمكن أن تقدر، إذ سيكون العائد هو المدخل الصحيح للتنمية بحيث تستخدم موارد العالم المحدودة الاستخدام الأمثل.
ومن ثم تقل سرعة نمو القوى العاملة وتصبح أكثر توازناً ويتحقق الأمان للأسرة، والمهم هو تحقيق فرص أكبر للنهوض بالصحة وبالتعليم والتغذية والتنمية الشخصية، وهذا بالنسبة للجميع وليس بالنسبة للمرأة وحدها.
على أن الاستثمار في رعاية المرأة ليس وحده دواء لكل داء, فلن يضع حداً للفقر، ولن يعالج التفاوت الكبير بين البلدان، ولن يحد من معدل النمو السكاني أو ينقذ البيئة من التلوث والاستنزاف.
تقول أدريان جرمان: إن التضخم السكاني هو مشكلة انسانية في المقام الأول، ومن ثم فلابد أن تكون المعالجات انسانية لتستجيب لسلوك البشر المركب.
وفي السياق نفسه تقول جين أوردواي: لأسباب انسانية ينبغي على المختصين معالجة النمو السكاني بالتأكيد على رفاهية الفرد واختيارات الإنجاب وجودة الرعاية وصحة المرأة الإنجابية وسلامة الأطفال.
فللأسف، فإن ثلاثة أخماس سكان العالم ينتجون لقمة عيشهم بأنفسهم, وفي البلاد النامية تبلغ نسبة الذين لا يحصلون على أجور أو معاشات 80%, وفي الواقع قدرت منظمة العمل الدولية أن 25% من الرجال و6% من النساء فقط من بين المتقاعدين سيحصلون على معاش بحلول عام 2000م.
وفي البلاد الصناعية يتوفر الأمن الاقتصادي عادة من دخل الفرد من العمل والمدخرات والمعاشات, لذا لا ينتظر من الأبناء إعالة أبويهم.
إن تعليق الآمال الكبار على البنين جعل بعضهم الآباء من محدودي الدخل ينفقون على البنين أكثر من البنات والمشكلة أن هذه التفرقة تبدأ من مرحلة مبكرة من العمر.
ومن جانب آخر فإن التعطش للأرض وقلة الوقود والتلوث والهجرة كلها أمور تزيد من عمق إحساس المرأة بعدم الثقة في المستقبل, وقد بدأ بالفعل إجبار عدد كبير على أعمال يعلمن جيداً أنها تزيد من تهديد أمنهم واستقرارهم وصحتهم.
وليس هناك ما يدعو لذكر أن الأسرة التي تعولها المرأة هي أفقر الاسر في العالم ، إلا من باب التأكيد.
لقد أصبح هناك اتجاه في العالم المعاصر للتمييز بين العمل الانتاجي والعمل الإنجابي، أي بين النشاط الاقتصادي والنشاط المنزلي.
بيد أن ذلك يصبح لا معنى له إذا طبق على حياة المرأة في كثير من أنحاء العالم النامي, فالعمل الانتاجي للمرأة لا بد أن يناسب عملها الإنجابي,, وهذا هو واحد من أسباب فشل المرأة في المشاركة في الاقتصاد الرسمي,.
حيث يوجد الآن عدد من النساء بين القوى العاملة أكثر من أي وقت مضى, ووفقاً لاحصاءات منظمة العمل الدولية كانت المرأة تشغل 676 مليون وظيفة عام 1985م، ومن المنتظر أن يرتفع هذا الرقم الى ما يقدر بنحو 877 مليون وظيفة عام 2000م.
وسيبقى نصيبهن من مجموع القوى العاملة نسبياً بلا تغيير خلال هذه الفترة وهو حوالي 35% وسيستمر تحكم الرجال في سوق العمل أثناء القرن المقبل.
إن المرأة لن تستطيع أن تعمل نفس عدد الساعات التي يعملها الرجل، إذ إن عملها داخل البيت وحوله يشكل ضغطاً منافساً لوقت عملها.
وقد تكون المرأة غير قادرة على العمل لعدد الساعات التي يطلبها صاحب العمل، سواء في شكل ورديات أو وقت إضافي وربما تعمل بعض الوقت مقابل أجر زهيد.
والغالب أن المرأة تقوم بأعمال محدودة، حيث يتركز عمل المرأة بشكل كبير في أعمال السكرتارية والأعمال الكتابية والتمريض والتدريس وأعمال النسيج.
الواقع، أنه يغلب عمل المرأة في القطاع غير الرسمي في كثير من البلدان, وقد تكون ميزة هذا العمل في كونه يتيح للمرأة أن تجمع بين تنمية دخلها ومهمتها في الإنجاب ورعاية الطفل والعمل المنزلي.
بيد أن هذا العمل لا يضيف شيئاً إزاء عدم تعلمها أو عدم حصولها على القروض اللازمة لذا، نجد أنه لا يتاح للمرأة سوى فرص ضئيلة في التوسع والقيام بمشروعات أكثر ربحية.
وللأسف، لا يؤخذ عادة دخل المرأة من هذه الأنشطة في الاعتبار عند تجميع الاحصاءات الوطنية للأنشطة الاقتصادية,, ونشاط المرأة في مثل هذا المجال مثله مثل الأعمال المنزلية والزراعية لتوفير غذاء الأسرة لا يظهر بل يختفي تماماً ولا ينظر لإسهامها في الثروة الوطنية أو في رفاهيتها، ولا يظهر في خطط التنمية.
إن محاولة وضع خطط التنمية بدون الاعتراف بمن يقوم بثلاثة أرباع العمل وبدون اشراكه يعتبر بمثابة استدعاء للفشل.
والخطوة الأولى اللازمة هي تقدير كمية العمل الذي تقوم به المرأة في البيت وفي الحقل وفي السوق والاعتراف بقيمته.
وحتى تلك الأعمال غير الانتاجية مثل رعاية الطفل أو الطهي، لها قيمتها الاقتصادية إذا ما أدخلنا صحة وانتاجية الأفراد العاملين في الأجيال القادمة في الحسبان.
فما من وشك أن هذه الاعمال لها أثرها البعيد المدى على معدل وفيات الأطفال والرضع وعلى حجم الأسرة.
إنه إذا ما حدث تغيير في جانب من جوانب حياة المرأة، سواء كان سلباً أو ايجاباً، ينعكس أثره على كل الجوانب الأخرى.
ولاجراء التغيير المطلوب ، فلابد أن نعترف بالمرأة ليس فقط كزوجة وأم ، وإنما كفرد مهم وله قيمة في المجتمع,.
وهذا يعني أن تأخذ المرأة بزمام الأمور في يدها فيما يتعلق بصياغة حياتها ومستقبلها وتنمية مجتمعها.
وهذا يعني إعادة النظر في خطط التنمية من بدايتها حتى تؤخذ طاقة المرأة واحتياجاتها في الاعتبار,.
وقد آن أوان ذلك!!
*عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|